يندر من يتساءل؛ لماذا يلتئم المجتمعون، لا سيما في السياسة، حول طاولات ذات أشكال مختلفة. لماذا هناك من يجتمعون حول واحدة بشكلٍ دائري، ولماذا الآخرون اجتمعوا حول أخرى بشكلٍ مستطيل، أو مثلث، أو على شكل حرف "يو" باللغة الإنجليزية. هي أسئلة بسيطة، لكن أجوبتها عميقة، ووراءها ما وراءها من التفاصيل الكبيرة.

فقد أثار الاجتماع الأخير الذي نتج عنه اتفاق المملكة العربية السعودية، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، على عودة المياه إلى مجاريها، وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد سنوات من القطيعة والخصام، الفضول الصحفي، حول تلك الأشكال الهندسية لطاولات الاجتماعات، المختلفة عن بعضها البعض. فقد كانت تلك الطاولة بشكلٍ "هندسي مُثلث". وهذا له مبرراته وأسبابه، وليس ناتجا عن الرغبة في جمع وفود معينة من دولٍ معينه والسلام. لا؛ فالأمر أكبر وأعمق من هذا التفكير بكثير.

ومن هذا المنطلق، قاد البحث في تلك التفاصيل الدقيقة إلى اكتشاف عدد من المعلومات المفاجئة الناتجة عن "البروتوكولات"، وفنون "الإتيكيت"، وهما العاملان اللذان يفرضان خطا واضحا لا يمكن تجاوزه في السياسة. إذ كان الدافع وراء وجود تلك الطاولة "المثلثة" في الاجتماع السعودي الإيراني، هو وجود طرفين، إلى جانب وسيط، يفترض حضوره بأحد أطراف تلك الطاولة. وبالفعل كان الطرف الصيني "الوسيط" في ذاك الاتفاق على أحد أطراف تلك الطاولة.

ووجود طرف ثالث يُحتّم أشكالا هندسية لطاولات الاجتماعات الأخرى، اعتمادا على ضرورة اعتماد الأضلاع وفقاً للأطراف الحاضرة، كتلك التي تأتي على شكل حرف "يو U" باللغة الإنجليزية، والشكل الآخر الذي يأتي على شكل "مستطيل"، فتلك التصاميم تفترض وجود طرفين متقابلين، بينما الطرف العرضي للطاولة، يكون مكانا مخصصا لمن ذُكر آنفاً، أي الوسيط.

وربما يتبادر إلى ذهن البعض، لماذا هناك طاولات على شكلٍ دائري، كتلك الخاصة باجتماع مجلس الوزراء، أو اجتماعات دول مجلس التعاون الخليجي، أو اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، فهذا الشكل يبتعد كل البعد عما سبق ذكره، إذ إنه خاص لـ"الاجتماعات" التي لا يوجد بها طرفان مختصمان أو متنازعان، كتلك الخاصة بـ"المفاوضات".

لكن هذا الأمر لا ينطبق على سبيل المثال على طاولات الاجتماعات في الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وذلك لكثرة الدول المنتمية عضوياً لهذين الكيانين، ما فرض طريقة للتعامل مع هندسة، تعتمد على الحروف الأبجدية.

ويبرز من خلال ذلك، التفاصيل الدقيقة التي تكتنزها السياسة، والدبلوماسية، وبروتوكولات هذه العوالم، التي في قليلها غموضٌ بحاجة إلى تمعّن كبير، وفي كثيرها ما يمكن أن يُصيب بالدهشة، نظراً لتجاوزها الخيال، والأسئلة، والأجوبة، والفضول، وصولاً إلى ما قد يكون بمثابة الأمر الصادم في أسبابه، كاعتماد "الدبلوماسية" على "بروتوكولات" سياسية، بمكنونٍ من "خشب". كما جاء في العنوان.