بالكاد يخطو العراق أولى خطواته نحو الاستقرار الذي افتقده منذ الغزو الأمريكي له قبل 20 عامًا، فمنذ اللحظات الأولى لدخول القوات الأمريكية والبريطانية للأراضي العراقية في 19 مارس 2003، لاحت في الأفق تصورات مختلف عن الأوضاع السياسية والاقتصادية بعد رحيل نظام الرئيس الأسبق صدام حسين.

وعلى الرغم من وقوع الغزو قبل عقدين من الزمان، فإن آثاره لا تزال تُخيّم على أوضاع البلاد، وبالأخص على المستوى الأمني، والذي يسعى العراق جاهدًا لاحتواء اضطراباته التي ظهرت في أعقاب الفراغ الأمني الذي خلّفه الغزو.

بداية الغزو

لم تجد القوات الأمريكية والبريطانية مقاومة كبيرة من الجيش العراقي والعناصر غير النظامية المنتمية لحزب البعث، إذ شنت قوات التحالف هجومًا برمائيًا وجويًا على شبه جزيرة الفاو لتأمين حقول النفط والموانئ المهمة، وهاجمت وحدة بحرية أمريكية ميناء أم قصر، فيما توجه الجيش البريطاني لتأمين الحقول جنوب العراق.

سقوط بغداد

اتخذت القوات الأمريكية مسارها غرب الصحراء العراقية نحو العاصمة بغداد، والتي كانت تُشكل الفصل الأساسي في عملية الغزو، كما نجحت فرقة من "المارينز" بالسيطرة على الطرق الرئيسية بمدينة الناصرية ومطار تليل، وهو ما كان بمثابة الجزء الأول من عملية الإعداد للغزو.

وواصلت القوات الأمريكية تنفيذ مخططاتها، لتتمكن فرقة المشاة الثالثة من اللواء البحري 101 الأمريكي، من السيطرة على الطريق الرئيسي إلى بغداد، وكذلك جسور نهر الفرات، ومن ثم أصبح الطريق ممهدًا لغزو العاصمة العراقية دون مقاومة كبيرة، لتسقط بغداد بشكل كامل في أيدي قوات التحالف في 9 إبريل 2003.

نهاية العملية العسكرية

بعد عملية عسكرية استمرت طيلة ما يقرب من شهر ونصف، أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش خلال خطابٍ شهير في 1 مايو 2003، إنجاز المهمة الأمريكية في العراق، وسيطرة قوات التحالف على مفاصل الدولة والمواقع الرئيسية للجيش العراقي.

بداية التمرد

صاحب الإعلان الأمريكي عن نجاح غزو العراق، ارتفاع كبيرة في وتيرة الهجمات التي يتم تنفيذها ضد عناصر القوات الأمريكية والبريطانية، وذلك من خلال أسـلحة معدات كانت مُخبأة من قبل الجيش العراقي والحرس الجمهوري.

وتركزت الهجمات ضد قوات التحالف في 3 محافظات بشكل رئيسي، شملت العاصمة بغداد والأنبار وصلاح الدين، حيث استخدمت المقاومة مدافع الهاون والعبوات الناسفة والسيارات المفخخة والصواريخ لمواجهة الغزو الأمريكي.

سلطة ائتلافية مؤقتة

ومع الأيام الأخيرة من إبريل 2003، أنشأ التحالف سلطة ائتلافية مؤقتة مقرها المنطقة الخضراء، تكون مهمتها الرئيسية الإعداد لإنشاء حكومة ديمقراطية، والسيطرة على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وذلك في الفترة من 21 إبريل، وحتى حلها في يونيو 2004.

السلطة الائتلافية رأسها الضابط الأمريكي السابق جاي جارنر منذ بداية إنشائها وحتى 11 مايو 2003، ثم عُيّن بول بريمر لرئاستها بأمر من الرئيس الأمريكي آنذاك، لتبدأ السلطة عملها تحت قيادة "بريمر" بإصدار قرار يتعلق باستبعاد أعضاء حزب البعث من الحكومة العراقية الجديدة، واستمر الضابط الأمريكي السابق حتى حل السلطة في يونيو 2004.

اعتقال قادة الحكومة السابقة

وخلال صيف 2003، وسّع الحالف دائرة عمله للتخلص من بقايا نظام صدام حسين، حيث شرع في اعتقال ما تبقى من قادة الحكومة السابقة، كما نفذت القوات الأمريكية غارة جوية أسفرت عن مـقتل قصي وعدي، ابني الرئيس العراقي السابق.

وفي الوقت نفسه، كثّفت القوات العراقية البحث عن صدام حسين، والذي رأت أن القبض عليه بمثابة إعلان نهائي للسيطرة على كامل مفاصل العراق، وإنهاء أي تواجد لعناصر حزب البعث.

اعتقال صدام حسين

وأتت جهود التحالف ثمارها في ديسمبر 2003، عندما تمكنت القوات الأمريكية من العثور على الرئيس صدام حسين في مزرعة قرب تكريت، ونفذت حينها الفرقة 4 مشاة وأعضاء من فرقة العمل 121 للجيش الأمريكي عملية "الفجر الأحمر"، والتي انتهت باعتقال الرئيس العراقي الأسبق.

وفي أعقاب اعتقال صدام حسين، بدأت وتيرة العمليات والهجمات التي عانت منها قوات التحالف لأشهر طويلة في الانخفاض تدريجيًا، خاصةً في الوقت الذي شرعت فيه الحكومة المؤقتة في تدريب قوات أمن جديدة وإنشاء الشرطة العراقية.

دخول التنظيمات الإرهـابية

وعلى الرغم من الهدوء النسبي الذي عاشه العراق مع بداية 2004، فإن ذلك كان بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة، حيث ارتفعت وتيرة القتال والعمليات المسلحة والتفجيرات مع دخول مقاتلين أجانب إلى العراق، على رأسهم مجموعات لتنظيم القاعدة، قادها أبو مصعب الزرقاوي.

وشهدت العديد من المدن العراقية قتـالات أشبه بـ "حروب العصابات"، وذلك ضد قوات متعددة الجنسيات في كل من الناصرية والكوت والنجف.

سجن أبو غريب

لاقى تقرير إعلامي دولي، نُشر في إبريل 2004، اهتمامًا واسعًا على كافة المستويات، خاصةً أنه عرض بالصور إساءة معاملة السجناء من قبل الجنود الأمريكيين، ما مثّل ضـربة قوية لأخلاقيات قوات التحالف في نظر العديد من العراقيين.

وتضمنت الصور التي تصدرت أغلفة معظم وسائل الإعلام الدولية، مشاهد لتعذيب المساجين العراقيين وإذلالهم وتصويرهم وتكديسهم عرايا، في مشاهد أدمعت لها قلوب العالم، دفعت الجيش الأمريكي لفتح تحقيق بخصوص الواقعة ومحاسبة المتسببين فيها.

فترة انتقالية

وفي يناير 2005، انتخب العراقيون حكومة انتقالية مؤقتة من أجل مشروع كتابة الدستور، وهو ما صاحبه موجات من العنف، استدعت إبقاء 15 ألفًا من القوات الأمريكية، كان مقررا انسحابها من العراق.

وشهد العام نفسه، وتحديدًا في 15 أكتوبر، عقد استفتاء على الدستور العراقي الجديد، كما انتُخبت الجمعية الوطنية العراقية في ديسمبر 2005.

ومع بداية 2006، انطلقت مفاوضات بشأن إنشاء حكومة عراقية جديدة، وتزايدت معها موجات العنف الطائفي والهجمات المستمرة ضد التحالف، ما دفع الأمم المتحدة لوصف المشهد العراقي بـ "الحرب الأهلية".

وبدأت حكومة نور الدين المالكي عملها في 20 مايو 2006، وذلك بعد موافقة من الجمعية الوطنية العراقية، كحكومة تصريف أعمال بالبلاد.

إعـدام صدام حسين

وخلال يوليو 2005، وُجه اتهام رسمي من قبل المحكمة الجنائية المختصة بالعراق إلى صدام حسين بضلوعه في عملية "إبادة جماعية" لأهالي بلدة الدجيل عام 1982، وقررت عائلة الرئيس العراقي الأسبق حل لجنة الدفاع عنه، والتي كانت تتخذ من الأردن مركزًا لها، ومن ثم أعطت حق الدفاع عنه للمحامي خليل الدليمي.

ونوفمبر 2006، أصدرت المحكمة الجنائية قرارها بإعدام صدام حسين شنقًا، وكذلك برزان إبراهيم الحسن مدير جهاز المخابرات وعواد حمد البندر السعدون.

ونُفذ الحكم في ديسمبر 2006، خلال أول أيام عيد الأضحى، حيث تم تنفيذ الإعدام شنقًا، وبُثت مقاطع مسربة من عملية الإعدام على العديد من القنوات القضائية.

تصفية الزرقاوي

وفي يونيو 2006، تمكنت الولايات المتحدة من تتبع الزرقاوي، والذي كان يستعد في اليوم السادس من ذلك الشهر لحضور اجتماع في بعقوبة، لتتمكن طائرات بريطانية من تتبعه، وتوفير معلومات استخباراتية عن تمركزه، مكّنت طائرات أمريكية من استهدافه و6 آخرين.

تسليح قوات الأمن

تسارعت وتيرة شراء القوات الأمنية العراقية للأسـلحة بشكل عام، والأمريكية على وجه الخصوص، وذلك ضمن مخططات إعادة تسليحها وإعدادها للسيطرة على البلاد، وبالفعل اشترى العراق بأكثر من 12.5 مليار دولار أسلحة من الولايات المتحدة.

خروج قوات التحالف

وصادقت الحكومة العراقية في 4 ديسمبر 2008، على اتفاق يحدد وضع القوات الأمريكية في العراق، والذي حدد 30 يونيو 2009 كآخر موعد لانسحابها من المدن العراقية، على أن تتم عملية خروج القوات بشكل كامل من البلاد قبل عام 2012.

وفي أول أيام عام 2009، منحت القوات الأمريكية السيطرة على المنطقة الخضراء وقصر صدام حسين الرئاسي إلى الحكومة العراقية، كخطوة أولى لاستعادة السيادة العراقية.

وأعلن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما نهاية المهام القتالية الأمريكية في العراق في 31 أغسطس 2010، حيث بدأ الانسحاب الفعلي للقوات الأمريكي في نهاية يونيو 2009، وسلمت ما يقرب من 38 قاعدة إلى القوات العراقية، بالإضافة إلى انسحابها من العاصمة بغداد.

وانسحب آخر القوات الأمريكية من العراق في 18 ديسمبر 2011، مع إبقاء قوات تتكون من أكثر من 20 ألف عنصر لحراسة السفارة والقنصليات الأمريكية في العراق.

حكومة العبادي

وأقر البرلمان العراقي، في سبتمبر 2014، تشكيل حكومة جديدة برئاسة حيدر العبادي ، والذي كان قد شغل منصب وزير الاتصالات في الحكومة الانتقالية التي شُكلت في أعقاب الغزو.

وظلت أبرز قرارات حكومة العبادي، تلك التي تم اتخاذها في أغسطس 2015، إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية، كما قرر في 2016 تشكيل حكومة جديدة من التكنوقراط، بعد موجة من التظاهرات الشعبية اعتراضًا على أداء الحكومة.

ظهور داعـش

وخلال يونيو 2014، امتلك تنظيم "داعـش" الإرهـابي 4 آلاف مقـاتل داخل العراق، استطاع من خلالهم شن هجمات ضد أهداف حكومية وعسكرية، كما تمكن من السيطرة على مدينة الموصل بالكامل.

واستدعت سيطرة التنظيم على بعض المواقع في العراق وسوريا، إلى إعلان أوباما عودة القوات الأمريكية إلى العراق من أجل تقديم الدعم الجوي، والمشاركة ضمن التحالف الدولي للقضاء على "داعـش"، حيث وجهت الولايات المتحدة عدة ضـربات لأماكن تمركز التنظيم الإرهـابي في العراق.

جهود استعادة الأمن

وحاولت الحكومات المتعاقبة التركيز على الملفات الأمنية والعلاقات الدولية المتوازنة، إذ ترفع الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني شعار "الانفتاح" على الدول العربية والجوار.

وأكد مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، أن حكومة بلاده تركز على الحوار وحل المشكلات بالطرق الدبلوماسية، وشدد على أهمية التعاون في أوقات السلم والحرب على حدٍ سواء، مع تأكيده أن العراق سيبقى شريكًا لكل من وقف بجانبه في حربه ضد تنظيم "داعـش" الإرهـابي.