كان يوم الثامن عشر من يونيو عام 2004، يوماً فارقاً بالنسبة للأجهزة الأمنية في السعودية. ليس لأنه يحتوي ذكرى لمناسبةٍ ما، إنما باعتباره كان سيفرض نفسه، على قوائم وسجلات التاريخ، تحت عنوان اليوم الذي شهد "مقتـل رابع قائد لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب"، الهالك عبد العزيز المقرن.

والأهمية تلك لا تُكتسب من شخصه، فهو أدنى من ذلك وأقل، إنما كان حـدث قتـله بمثابة رسالة، للمجتمع والشارع السعودي، بأن الدولة عازمة على تصفية هؤلاء الشرذمة شُذّاذ الآفاق، الذين روعوا الآمنين وقتلوا الأبرياء، في مشهد لم يَعْتَدْ عليه السعوديون، لا من حيث الحكومة ولا الشعب، ورسالة أخرى لـ"القاعدة"، مفادها أننا لكم بالمرصاد.

وحـادث مقتـل المقرن، الذي شهد وقت قيادته للتنظيم البائد، التخطيط ما كان يسمى في قواميسهم بـ"عملية البركان"، التي تم تجهيز 6 سيارات مفخخة لتنفيذها، وتستهدف حي السفارات، وهو أحد أحياء العاصمة الرياض، والذي يحتضن جُل سفارات العالم في المملكة، شكّل صفعةً مدوية للقـاعدة، بفقدانه واحداً من أشرس مقاتليها، حسب ما تصفه دوائرها الإرهـابية.

وعُرف عن المقرن خلافُه مع خلية الهالك "تركي الدندني"، وقد اختلف الطرفان، حول تنفيذ عمليات "تفجيرات المجمعات السكنية" شرق الرياض في 12 مايو عام 2003، لأن الأول – أي المقرن – كان بحاجة إلى بعض الوقت للتمكن من تجنيد مزيد من الأفراد، لكنه صُعق بميل قائد التنظيم آنذاك "خالد الحاج"، لنظرية الدندني، التي ترغب بالتعجيل بالقيام بعمليات تفجير متزامنة.

ومع الوقت، انتشرت الخلافات بين رفقاء الفكر الإرهـابي المنحرف، وانشقّ المقرن على قادة التنظيم بالداخل، وقام بتنصيب نفسه قائداً، وهذا حكمه اختفاء تركي الدندني، ويوسف العييري، وهؤلاء من الشخصيات المؤثرة في صفوف التكتل الإرهـابي، الذين استغل المقرن غيابهم عن المشهد، وأخذ زمام مبادرة الزعامة على تنظيم القـاعدة في جزيرة العرب – كما كان يسمى بذلك إبان تلك الفترة -.

وفي الثامن من شهر يونيو عام 2004، كانت أزقة وطرق الرياض تعيش حالةً من الهدوء، الناتج عن متابعة الجميع لمباراة كرة قدم باستاد الملك فهد الدولي – شرق الرياض، جمعت بين أهم فريقين كرويين بالعاصمة، وباعتبارها مباراة نهائية على الكأس، حضرتها الحكومة، وعلى رأسها الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، ووزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز، والملك سلمان بن عبد العزيز، الذي كان أمير منطقة الرياض في حينها.

في هذا الوقت كانت أجهزة الأمن تتابع مركبة، شُوهد بها عبد العزيز المقرن، بأحد شوارع حي الملز – وسط العاصمة -، وهمّت بمتابعتها، واتضح أن مَن يرافقه بها، هو فيصل الدخيل المطلوب أمنياً، وشخصان آخران.

استمر رصدهم، وما أن تموضع رجال الأمن لتطويق الموقع، ومراقبة السيارة، إلا وبادرهم بإطلاق النار، ولم يجدوا بُداً من تصفيته على الفور، في عملية أمنية لم تستغرق دقيقة كاملة، لتتناسب مع شخصه الصغير.

وبذلك أُصيب مخطط القاعدة بالفشل الذريع، بعد أن حاولت بذل مزيد من الجهد، لتحويله – أي المقرن - إلى "أسطورة إرهـابية"، لتكتسب من خلالها صورةً كبرى، تتمكن من خلالها استقطاب أكبر قدر من البسطاء والسذج، وفق منطق قيادة العقل الجمعي لهؤلاء الفارغين.

وبهذه التصفية، تكون الدولة، قد ثأرت لضحايا تفجير مبنى إدارة المرور بالرياض، ومن ذهبوا ضحية سلسلة من الأعمال التخريبية، واقتحام مجمعات سكنية، وشركات، للوصول إلى تنفيذ عمليات خطف أجانب، كان التنظيم يسعى من خلالها إلى وضع المملكة في زاوية الحرج أمام الرأي العام العالمي.

لكن خططه باءت بالفشل، وهو الذي عاش دوراً بطولياً بقيادة هذا الجسم المتطرف –أي القـاعدة -، بل إنه لم يأخذ بنظر أبطال الجهاز الأمني أقل من دقائق، لتسقط أسطورة "المقرن"، وتنتهي "أيديولوجيته"، ويخسر رهاناته الفكرية، في "محطة بنزين".