أكد صندوق النقد الدولي، أن التحول الاقتصادي غير المسبوق الذي تشهده المملكة يحرز تقدما كبيرا في الوقت الحالي، مشيرا إلى أن التضخم يظل قيد الاحتواء ولا تزال عملية إعادة ترتيب أولويات الإنفاق وتعديل برامج الإنفاق الكبرى جارية.
وأشار الصندوق في بيان له بختام مشاورات المادة الرابعة لعام 2024، مع حكومة المملكة، إلى السياسات الاقتصادية الكلية الاحترازية، والتغيرات التي أحدثت تحولات بما في ذلك من خلال الإصلاحات في المالية العامة وفي البيئة التنظيمية للأعمال، وقوة الطلب المحلي على إعطاء دفعة للنمو غير النفطي.
وقال بيان الصندوق إن الجهود الرامية إلى تنويع الأنشطة الاقتصادية في المملكة بدأت تؤتي ثمارها، وبناء على هذه النجاحات، سيكون من المهم الحفاظ على زخم النمو غير النفطي واستقرار القطاع المالي، ومواصلة التخفيف من حدة مخاطر فورة النشاط الاقتصادي، وعكس مسار تراجع الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج، وضمان العدالة بين الأجيال.
وتابع البيان أن النشاط الاقتصادي بالمملكة لا يزال قويا، وقد تباطأ النمو غير النفطي الحقيقي من 5,3% في عام 2022 إلى 3,8% في عام 2023، وهي نسبة لا تزال قوية، مدعوما غالبا بالاستهلاك الخاص والاستثمارات غير النفطية، مع تراجع هذا النوع من الاستثمارات إلى 11,5% (هبوطا من نمو استثنائي بلغ 32% في عام 2022).
وأضاف أن إجمالي الناتج المحلي النفطي بالمملكة سجل انكماشا بنسبة 9% في عام 2023، وهو ما يُعزى بصفة أساسية إلى التزامات المملكة بمقتضى اتفاق "أوبك+" والخفض الطوعي لإنتاج النفط، مما أدى إلى انكماش إجمالي الناتج المحلي الكلي بنسبة 0,8%.
وفي حين يشير النمو غير النفطي في الربع الأول من عام 2024 إلى بعض التراجع في النشاط الاقتصادي - يقدر خبراء الصندوق أن فجوة الناتج تظل في معدلات موجبة، بما يقرب من 2% من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي المحتمل، وفق بيان صندوق النقد الدولي.
وأكد الصندوق أن اقتصاد المملكة تمكن من تجاوز التوترات الجغرافية-السياسية في منطقة الشرق الأوسط بشكل جيد، وذلك بفضل محدودية انكشاف الأنشطة التجارية والمالية للمخاطر المتأتية من المناطق المتأثرة بهذه التوترات وعدم انقطاع عمليات الشحن.
وحول البطالة، قال صندوق النقد الدولي إن معدل البطالة بالمملكة سجل انخفاضات تاريخية، ففي عام 2023، أضاف الاقتصاد السعودي أكثر من مليون وظيفة جديدة، في القطاع الخاص بصفة أساسية، وقد انخفض معدل البطالة الكلي بين السعوديين إلى 7,7% في الربع الأخير من عام 2023 - مقتربا من بلوغ هدف 7% المحدد في رؤية السعودية 2030.
ووفق البيان، ظلت معدلات المشاركة في سوق العمل في مستويات مرتفعة تاريخيا، وإن كانت ثابتة نسبيا على مدى السنة الماضية لكل من الرجال والنساء، على الرغم من أن معدل مشاركة المرأة لا يزال يتجاوز المستهدف في رؤية السعودية 2030، الذي يبلغ 30%، بشكل مريح.
وقد تباطأ التضخم الكلي بسرعة على الرغم من وجود بعض مواطن الضغط. فبعد أن بلغ التضخم على أساس سنوي ذروته بنسبة 3,4% في يناير 2023، تراجع إلى 1,6% في إبريل 2024، مدفوعا بارتفاع سعر الصرف الفعلي الاسمي، إلا أن أسعار الإيجارات آخذة في التزايد بمعدل سريع يبلغ نحو 10% في ظل تدفقات العمال الأجانب إلى البلاد والخطط الكبيرة لإعادة التطوير في الرياض وجدة.
من جهته، رحب البنك المركزي السعودي "ساما" بتأكيد خبراء صندوق النقد الدولي بشأنمشاورات المادة الرابعة مع حكومة المملكة للعام 2024م على قوة ومتانة نظام المملكة المصرفي، وجهود البنك المستمرة لتحديث الأطر التنظيمية والرقابية للنظام المصرفي، بما يساهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام وشامل.
وأشاد خبراء صندوق النقد الدولي بالعملية الأخيرة لتعديل متطلبات التمويل المتعلقة بأهداف رؤية السعودية 2030، وقد أدى تطبيق التعديل إلى إعادة ترتيب أولويات الإنفاق عن طريق زيادة وتيرة تنفيذ بعض المشروعات والاستراتيجيات القطاعية، وتمديد الجدول الزمني لمشروعات أخرى.
ولفت البيان إلى أن هذه العملية ستساعد على ضمان التسلسل المناسب للإنفاق الموجه إلى الحد من مخاطر فورة النشاط الاقتصادي والحفاظ على استدامة المالية العامة والمركز الخارجي. ويرى خبراء الصندوق بضرورة الإعلان عن الانعكاسات الأساسية لهذه العملية - لا سيما على الإنفاق والأولويات القطاعية حتى عام 2030 - للمساعدة في توضيح أولويات الحكومة للمستثمرين والجمهور.
وتوقع البيان أن يبلغ النمو غير النفطي نحو 3,5% في عام 2024، مع تراجع نمو الاستثمار قبل أن يرتفع في عام 2025 وما بعده، بفضل صندوق الثروة السيادي (صندوق الاستثمارات العامة) وفي الفترة السابقة على بطولة كأس آسيا 2027، والألعاب الشتوية الآسيوية 2029، ومعرض "إكسبو" العالمي 2030، من بين عوامل أخرى.
كما توقع أيضا انكماش الناتج النفطي بنسبة 4,6% في عام 2024، وارتفاعه بنسبة 5,1% في عام 2025، نتيجة تمديد خفض إنتاج النفط في عام 2024 وتعافى الإنتاج تدريجيا إلى 10 ملايين برميل يوميا في عام 2025. وفي ظل هذه الافتراضات، ستزيد وتيرة نمو إجمالي الناتج المحلي الكلي ليبلغ نحو 4,5% في عام 2025 قبل أن يستقر عند نسبة 3,5% سنويا على المدى المتوسط.
وأكد أنه لا يزال الجهاز المصرفي على مسار قوي، وتتسم مؤشرات أداء البنوك بالقوة، مع تجاوز نسبة كفاية رأس المال 20%، وارتفاع معدلات الربحية والسيولة، وانخفاض مستوى القروض المتعثرة، وعلى الرغم من تراجعه في الآونة الأخيرة، يواصل نمو الائتمان المصرفي - لقطاع الشركات بصفة أساسية - تجاوز نمو الودائع، ومن المتوقع أن يظل في حدود 10% في عام 2024.
وأشار إلى أن الإصلاحات الرامية إلى تحسين بيئة الأعمال في المملكة وجاذبيتها للاستثمار الأجنبي تشهد تقدما جيدا، فقد تقدمت المملكة 15 درجة في تقرير التنافسية الرقمية العالمية الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD) في عامين، وحصلت بذلك على المرتبة السابعة عشرة عالميا في عام 2023، وقد سجل عدد تصاريح الاستثمار الأجنبي الصادرة رقما قياسيا، حيث تضاعف العدد تقريبا عن مستواه في عام 2022.
وشكر فريق البعثة سلطات المملكة وجميع الأطراف الذين التقاهم الفريق من خارج القطاع الحكومي على التعاون الوثيق والمناقشات الصريحة والثرية، وعلى ما لقيه من كرم الضيافة.