في قلب اليمن، حيث تعصف الحرب وتتناثر الألغام كأشباح خفية، يقف رجال شجعان ليواجهوا الموت يومياً ضِمن مشروع "مسام" لنزع الألغام، وبعزم هؤلاء الأبطال الذي لا يلين، يسعون لتحرير الأرض من فخاخ الموت المزروعة في كل زاوية، بخطوات ثابتة على طريق مليء بالمخاطر، ليفتحوا بجهودهم أبواب الأمل والحياة الآمنة أمام آلاف المدنيين.
ويواجه مشروع "مسام" لتطهير الأراضي اليمنية من الألغام، صعوبات بالغة لتحريرها من شرور الحوثي ومساعيها المستمرة لقتل الأبرياء، وتكمن الصعوبة القصوى في التعامل مع هذه الألغام، في كون "الخطأ الأول قد يكون الأخير"، وهو ما يستلزم جهودًا واسعة وتفانيًا متواصلًا من الكوادر السعودية التي تعمل وسط زروع الموت للحفاظ على الحياة.
وجددت المملكة، ممثلة في مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، عهدها بالوقوف بجوار اليمن في مواجهته أعوان الشر، ومحاولاتهم زراعة الموت وحصد الأرواح البريئة، وذلك من خلال تمديد عقد تنفيذ مشروع "مسام" لتطهير الأراضي اليمنية من الألغام لمدة عام، بمبلغ يقترب من 36 مليون دولار، وذلك بعقدٍ تُستمد بنوده من الأخوة والتعاون وروابط متأصلة جذورها عبر سنوات التاريخ.
المشروع الذي انطلق منتصف عام 2018، لم يحمل فقط في طياته نزعًا لشرور الحوثيين من خلال ما يقرب من 451 ألف عملية إزالة، شملت 6.5 ألف لغم مضاد للأفراد، و144.6 ألف لغم مضاد للدبابات، و291.6 ألف ذخيرة غير متفجرة، و8 آلاف عبوة ناسفة، بإجمالي مساحة بلغت 57.8 مليون متر مربع من الأراضي التي تم تطهيرها، ولكن حرص المشروع أيضًا على التخلص من الألغام بطريقة تضمن الأمان لكل اليمنيين.
كان المستشار الإنساني بمكتب الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، تشارلز فريسبي، شاهدًا على جهود المشروع في هذا الصدد، إذ استعرض نماذج للألغام الذكية والمموهة التي تم نزعها من قبل فرق المشروع المنتشرة في 9 محافظات يمنية، والطرق التي يتم اتباعها في إتلاف تلك الألغام والتخلص منها لضمان بيئة آمنة لكل اليمنيين.
وأشاد "فريسبي" بدور مشروع "مسام" في اليمن والإنجازات التي حققها خلال السنوات الماضية، ومساهمته الكبيرة في إنقاذ المواطنين اليمنيين، ونزع الألغام ومخلفات الحرب الأخرى.
وحظيت جهود المشروع أيضًا بإشادة خليجية، إذ ثمّن المجلس الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجية، الإنجازات التي حققها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بشكل عام، وبجهود مشروع "مسام" على وجه الخصوص، لتطهير الأراضي اليمنية من الألغام، وتطهير ملايين الأمتار من الأراضي، كانت مفخخة بالألغام والذخائر غير المنفجرة زرعتها الميليشيات الحوثية بعشوائية وأودت بالضحايا الأبرياء من الأطفال والنساء وكبار السن.
المواد المتفجرة في اليمن، لا تعرف حدودًا جغرافية أو قيودًا إنسانية، وهو ما يُصعّب مهام أيادي الخير في التعامل مع شرورها.
وفي هذا السياق، أكد مدير عام مشروع مسام أسامة القصيبي، أن كل المناطق التي عمل بها المشروع محررة، إلا أن الحوثيين مستمرون في زراعة الألغام، ويحرصون دومًا على وضعها بكثافة في هذه المناطق.
وأشار إلى أن بعض المناطق التي عمل بها المشروع، تقوم فرق "مسام" اليوم بتطهيرها للمرة الثالثة، مؤكدًا أن الحوثي ما زال مستمرًا في زراعة الألغام والعبوات الناسفة، كما يصر على عدم تسليم الخرائط أو مشاركة أي جهة إحداثياتها، رغم توقيعه على اتفاق ستوكهولم، الذي ينص على وجوب تسليم خرائط الألغام.