شوط كبير، ذلك الذي قطعته المملكة في مضمار تذليل العقبات وإزالة مختلف التحديات أمام السيارات الكهربائية، بالبلد الذي يخطط ليكون مركزا لصناعة تلك السيارات، مع إطلاق علامة محلية. كما تسعى المملكة إلى تحقيق الحياد الكربوني في 2050، وتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، وذلك في إطار خطط وبرامج رؤية 2030.
وإذا كانت الأسعار المرتفعة لسيارات "لوسيد" السعودية الأمريكية (نحو 346 ألف ريال) و"تيسلا" الأمريكية، أحد التحديات، فإن دخول شركة "بي واي دي" الصينية السوق بأسعار مقبولة، غيّر المعادلة.
وفي إطار تذليل العقبات أيضا، أطلقت المملكة شركة البنية التحتية للمركبات الكهربائية (إيفيك) التي تسعى لتركيب 5 آلاف شاحن موزعة على أكثر من ألف موقع شحن بحلول عام 2030، وبدأت الشركة بالفعل تركيب عدد منها في مرائب المراكز التجارية، لكنّ مستخدمين اشتكوا من أنّ عددا من نقاط الشحن حول المدينة خارجة عن الخدمة.
وقررت الشركة توفير الشواحن مجانا لتركيبها بمنازل العملاء، وهو ما تقدمه الآن أيضا شركة "لوسيد" السعودية الأمريكية لتحفيز عمليات البيع.
ورغم أن هذه السوق لا تزال صغيرة في المملكة، التي استوردت 779 سيارة كهربائية خلال 2023 مقابل 210 سيارات في 2022، على ما أفادت صحيفة "الاقتصادية"، فإن مدير مبيعات شركة صينية للسيارات الكهربائية في الرياض، حسن محمد، توقع أنّ تشهد سنة 2024 زيادة كبيرة في مبيعات هذه السيارات في السعودية.
وفيما كان سعوديون يجرون اختبار قيادة لسيارات كهربائية في معرض "بي واي دي" الجديد شمال الرياض، قال حسن محمد إنّ هناك إقبالا جيدا على السيارات الكهربائية، مضيفا أن أكثر من علامة سيارات فتحت أبوابها في المملكة وبات لها خدمة ما بعد البيع وهو ما شجّع المستهلكين.
وأكد محمد أن الموضوع أبسط من أن تتوفر الشواحن في كل مكان بالشوارع، فالمستخدم يحتاج إلى شحن سيارته لخمس وست ساعات أثناء نومه ليجدها بالمدى الكامل صباحا.
وتهدف المملكة، التي تسعى إلى تنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على النفط، أن تكون مركزا لهذه السوق المهمة والناشئة، إذ يمتلك صندوق الاستثمارات العامة 60% من شركة "لوسيد" التي افتتحت مصنعاً في جدة مؤخراً.
كما اتفقت مع شركة "هيونداي" الكورية الجنوبية على بناء مصنع على الأراضي السعودية ينتج سيارات تعمل بالكهرباء والغاز، بالإضافة إلى إطلاق علامتها المحلية "سير" في 2022.
وكان وزير الصناعة بندر الخريف قال في مقابلة في فبراير الماضي، إن المملكة مسؤولة عن تنفيذ استراتيجية تهدف إلى إنتاج 300 ألف سيارة كهربائية، مشيراً إلى محادثات مع مختلف الشركات المصنعة للبطاريات التي عدّها جزءًا أساسيًا جدًا من صناعة المركبات الكهربائية.
وشكّلت السيارات الكهربائية نحو 18% من جميع السيارات المبيعة حول العالم في 2023، ما يعكس ارتفاعًا من 14% عام 2022 و2% فقط قبل 5 سنوات في 2018، بحسب تقرير للوكالة الدولية للطاقة.
وفي المملكة أكبر بلد مصدّر للنفط بالعالم، ما زال السكان يفضلون السيارات الكبيرة المستهلكة للوقود بشكل كبير، لكن أحيانًا يكون المصروف المترتب عنها سببًا للتوجه نحو السيارات الكهربائية، رغم أنّ سعر لتر البنزين لا يتجاوز 2,33 ريال ولا يمكن مقارنته بأسعار الوقود حول العالم.
إذ قرر الموظف السعودي حمد الرفدان شراء مركبة كهربائية سيستعملها كـ"سيارة ثانية"، من دون الاستغناء عن سيارته الرباعية الدفع التي تلتهم الوقود.
وفيما كان يتفقد سيارته الكهربائية الصينية التي كلفته أكثر بقليل من 200 ألف ريال، قال الرفدان (39 عاماً)، وهو موظف في قطاع الموارد البشرية في شركة خاصة، قال إن ما جعله يتوجه للسيارة الكهربائية هو الجانب الاقتصادي، كون سيارة الدفع الرباعي التي يمتلكها تستهلك شهريا وقودا بقرابة 1800 إلى 2000 ريال.
وأضاف الرفدان، في حديثه لوكالة "فرانس برس"، أنه لا توجد تكلفة للصيانة الدورية للسيارة مثل تغيير مختلف الزيوت وفحمات المكابح، التي كانت تتكلف مئات الريالات شهريا، مؤكداً أن خياره مبنيّ أيضًا على أسباب بيئية كون السيارات الكهربائية تساعد على خفض حرارة المدن.
وفيما تبلغ المسافة بين الرياض وجدة، نحو 950 كيلومترا وهو ما يتجاوز المدى الأقصى لمعظم بطاريات السيارات الكهربائية المتاحة، البالغ نحو 400 كيلومتر، قال الرفدان إنه سيستخدمها داخل مدينة الرياض لكن يستحيل استخدامها للسفر خارجها، مضيفا أنه لا يمكن المغامرة خصوصا أنّ البنية التحتية للسيارات الكهربائية لا تزال في بدايتها.
وبنبرة متفائلة، قال الصيدلي المصري عمر الشامي المقيم في المملكة، وهو يشحن سيارته البيضاء التي اشتراها لزوجته، إنّ التوازن بين الكهرباء والبنزين سيكون موفرا وسهلا، فقد يتغير الأمر في المستقبل مع انتشار الشواحن وتعزيز سرعة الشحن.
يذكر أن تطلعات المملكة وخططها لا تقتصر على السيارات الكهربائية العادية ولكنها تتجاوز ذلك بكثير، إذ وقعت الهيئة العامة للطيران المدني مع شركة ليليوم الألمانية الرائدة في تصنيع الطائرات الكهربائية ومجال النقل الجوي الإقليمي (RAM، مذكرة تعاون قبل ساعات، تختص بتطوير وتنفيذ الإطار التنظيمي اللازم لإدخال الطائرات ذات الإقلاع والهبوط العمودي إلى المملكة ابتداءً من عام 2026.
**carousel[9410970,9410971,9410972,9410973,9410974]**