سلط تسجيل "منطقة الفاو الأثرية" بقائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، الضوء من جديد على ما تزخر به المملكة من تراثٍ غني ومتنوع، يُعَدّ مرآة للحضارات التي ازدهرت على أراضيها، وانعكاساً لمسيرة الإنسان في اكتشاف هُوِيّته الوطنية المميزة.
وتسعى هيئة التراث إلى تنمية الجهود المتعلقة بالتراث الوطني وتعزيز أساليب حمايته، ورفع مستوى الوعي والاهتمام به؛ إيماناً من المملكة بأهمية حماية التراث الإنساني المشترك وتأكيداً على قيمته، واتساقا مع ما تمر به المملكة من تحولات نوعية ركزت على صون التراث، وهو ما جرى ترجمته بتسجيل 8 مواقع بلائحة التراث العالمي.
وتميزت المواقع السعودية الثمانية المسجلة بلائحة التراث العالمي لليونسكو، بقيمتها التاريخية والتراثية، التي جعلتها تتأهل لتكون مصدر إشعاع حضاري وجذب سياحي متميز على مستوى العالم.
منطقة الفاو الأثرية
وكان "المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية"، هو أحدث مواقع المملكة المسجلة بلائحة التراث العالمي، بوصفه موقعاً ثقافياً يمتلك قيمة عالمية استثنائية للتراث الإنساني، وذلك خلال اجتماعات الدورة السادسة والأربعين للجنة التراث العالمي المنعقدة بمدينة نيودلهي في الهند خلال الفترة من 22 إلى 31 يوليو الجاري.
وتقع "منطقة الفاو الأثرية" في محافظة وادي الدواسر جنوب منطقة الرياض، وتمتد على مساحة محمية تبلغ 50 كم2، وتحيطها منطقة عازلة بمساحة 275 كم2، عند تقاطع صحراء الربع الخالي وتضاريس سلسلة جبال طويق التي تشكل ممراً ضيقاً يسمى "الفاو".
ويحتوي الموقع على مظاهر متنوعة فيها تفاعل الإنسان مع بيئته، ومنها: الأدلة الأثرية التي تعود إلى عصر فجر التاريخ، إضافة إلى المقابر الكبيرة التي تشكّلت بتشكيلاتٍ واضحة تتوافق مع التصنيفات الأثرية التي تعود إلى فترات زمنية قديمة، بالإضافة إلى احتواء الموقع على مجموعة كبيرة من العناصر الحضارية والمعمارية التي تُنسب إلى مدينة القوافل التي وُجدت في القرية، ومنها واحة قديمة احتوت على مجموعة من أنظمة الري، وهي معززة بمجموعة استثنائية من الاكتشافات الأثرية والفنون الصخرية، ومجموعة من النقوش الكتابية القديمة.
محمية "عروق بني معارض"
كما سجلت المملكة محمية "عروق بني معارض" في قائمة التراث العالمي، كأول موقع للتراث العالمي الطبيعي على أراضي المملكة، وذلكخلال الدورة السنوية الخامسة والأربعين للجنة التراث العالمي التي استضفتها الرياض في سبتمبر 2023.
وتقع المحمية على طول الحافة الغربية للربع الخالي على مساحةٍ تزيد على 12.7 ألف كيلومتر مربع، وتُشكل الصحراء الرملية المتصلة الوحيدة في آسيا الاستوائية، وأكبر بحرٍ رمليٍ متواصل على سطح الأرض، وتتميز بتنوع نُظمها البيئية التي توفر موائل طبيعية حيوية.
وتضم المحمية أكثر من 120 نوعاً من النباتات البرية الأصيلة، إضافةً إلى الحيوانات الفطرية المهددة بالانقراض التي تعيش في واحدةٍ من أقسى البيئات على كوكب الأرض، بما في ذلك القطيع الوحيد الحر من المها العربي في العالم، والظباء الجبلية والرملية؛ لتكون بذلك أغنى منطقةٍ معروفةٍ من الناحية الأحيائية في الربع الخالي.
وتستوفي محمية "عروق بني معارض" معايير التراث العالمي بوصفها صحراء رملية تشكل منظراً بانوراميّاً استثنائياً على مستوى العالم لرمال صحراء الربع الخالي، مع بعض أكبر الكثبان الخطية المعقدة في العالم، وتجسد قيمة عالمية رائعة، وتحتوي على مجموعة من الموائل الطبيعية واسعة النطاق والحيوية لبقاء الأنواع الرئيسية.
آبار حمى الثقافية
وفي عام 2021 جرى تسجيل آبار حمى التي تقع في منطقة حمى الثقافية بنجران في قائمة التراث العالمي، وهي من أهم المواقع الأثرية في نجران، وهو طريق يمتد بين 6 آبار صخرية، والذي كان تمر من خلاله القوافل التجارية القادمة من جنوب الجزيرة العربية إلى شمالها للتزود بالماء من الآبار خلال السفر.
وتلك المنطقة تعد من أهم مواقع الرسوم الصخرية، ويوجد بها أكثر من 13 موقعا يحتوي على رسوم لمناظر رعي وصيد، ورسوم لأشكال آدمية رسمت بأكبر من الحجم الطبيعي، يلبسون فيها غطاء على الرأس، ويرتدون عقودا ويمسكون الأسلحة، وهناك رسوم لسكاكين وأنصال، ورسوم لرقصات مع آلات موسيقية وغيرها.
واحة الأحساء
وازدانت قائمة التراث الإنساني العالمي في عام 2018، بانضمام واحة الأحساء إليها، وهي من أكبر وأشهر واحات النخيل الطبيعية في العالم، إذ تضم أكثر من 3 ملايين نخلة منتجة لأجود التمور تحتضنها الواحة بين ثناياها، كما تتمتع بموقع جغرافي مهم أهّلها لتلعب دوراً كبير في تاريخ المنطقة، فقد كانت لها صلات حضارية مع العالم القديم في الشام ومصر وبلاد الرافدين.
وتقع واحة الأحساء في المنطقة الشرقية من المملكة، على مساحة إجمالية تفوق 85 كم2، وتشكل مشهداً ثقافياً متطوراً يحتوي على بساتين النخيل، والقنوات، والعيون، والآبار، وبحيرة الصرف المائي، ومناطق أثرية شاسعة، ومجموعة مختارة من التراث العمراني داخل مستوطناتها التاريخية، التي تجسد أهمية الواحة باعتبارها مستوطنة تقليدية كبرى طوال الـ 500 عام الماضية.
وتمتلك واحة الأحساء "طوبوغرافية" واضحة تتمثل في مجموعة عناصر هي " العيون المائية، والكهوف، والجبال، والسهول، والقنوات الحديثة والتاريخية، وأساليب رفع المياه، والمستوطنات البشرية ومناطق الصرف الطبيعية ".
وتعد واحة الأحساء، أكبر واحة في العالم، وقد حافظت على تماسك جغرافيتها الأصلية ووظائفها الاقتصادية والاجتماعية كمركز زراعي رئيس لشبه الجزيرة العربية، ومركز اقتصادي مهم يرتبط منذ الحضارات العالية ببقية الخليج والعالم، كما تضم الواحة عدداً من المعالم التي أهلتها لتكون ضمن مواقع التراث العالمي.
النقوش الصخرية في حائل
كما تم تسجيل مواقع النقوش الصخرية بحائل في لائحة التراث العالمي عام 2015، نظرا لكونها من أهم وأكبر المواقع الأثرية في المملكة التي يعود تاريخها إلى أكثر من 10 آلاف سنة قبل الميلاد، وتتميز رسومها الصخرية بانتشارها على واجهات الجبال الموجودة في جميع أنحاء المنطقة.
وتقع مواقع تلك النقوش في جبة والشويمس، وتضم نقوش ورسومات صخرية نفذت عن طريق الحز والحفر الغائر، وتمثل تلك النقوش مظهراً حضارياً، إذ نفذت بأيدي فناني تلك العصور، الذين عبروا عن مجتمعاتهم وأنشطتهم اليومية وممارساتهم الدينية والاجتماعية، وكيفية تفاعلهم مع البيئة المحيطة بهم.
ولهذا تعد نقوش جبة والشويمس متحفاً مفتوحاً يرصد جزءاً من تاريخ البشرية في مكان ونطاق جغرافي وزمني معين. ويتميز الموقع بتفرده؛ ليس فقط من الناحية التاريخية والأثرية، بل من حيث القيمة الجمالية والفنية أيضاً.
جدة التاريخية
وجاءت موافقة لجنة التراث العالمي بمنظمة اليونيسكو باعتماد منطقة جدة التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي في عام 2014، لاحتلال مدينة جدة التي يعود تاريخها إلى عصر ما قبل الإسلام، مكانة مهمة عبر الحضارات المختلفة، والتي شهدت في بدايات العصر الإسلامي نقطة تحول كبيرة عندما اتخذها الخليفة عثمان بن عفان ميناء لمكة المكرمة.
وتمتلك المنطقة مقومات معمارية وعمرانية وثقافية فريدة تمتد على مساحة 2،5 كلم مربع، تمتاز كذلك بموقعها الجغرافي المهم على ساحل البحر الأحمر، وقد أصبحت منذ القرن السابع الميلادي ميناءً رئيسياً للحجاج القادمين إلى مكة المكرمة، وملتقى لطرق التجارة العالمية بين قارتي آسيا وإفريقيا، ومركزاً للتبادل الثقافي والاقتصادي.
وتضم المنطقة أكثر من 650 مبنًى تراثياً و5 أسواق رئيسية تاريخية وعدة مساجد تاريخية، ومدرسة تاريخية واحدة، وتمتاز بالطراز المعماري والنسيج العمراني لمدن ساحل البحر الأحمر التاريخية، بمبانيها متعددة الطوابق ومكوناتها الخشبية وطرق بنائها التقليدية، وشوارعها الضيقة التي أسهمت في تعزيز التكاتف الاجتماعي في الماضي.
حي الطريف
ويعد الموقع التراثي حي الطريف في الدرعية من أهم الموقع التي تم ضمها إلى قائمة التراث العالمي وذلك في عام 2010، ويحمل حي الطريف الذي أسس في القرن الـ15 آثار الأسلوب المعماري النجدي الذي يتفرد به وسط شبه الجزيرة العربية.
ويحتضن حي الطريف التاريخي قصص أجيال ممتدة بين جدرانها المبنية من الطين، ويقدم تجربة فريدة لإحياء ماضٍ يتجاوز حدود المباني والممرات القديمة، علاوة على ارتباطه الوثيق بالدرعية وتاريخها الضارب بجذور عميقة في قلب تاريخ المملكة الحديث، كما تتناغم المباني المشيدة من الطوب مع الطبيعة المحيطة بها، وتتميز بعمارتها النجدية المميزة وتفاصيلها الفنية المعقدة التي تحمّل مَن تأملها تجربةً للهجرة، ويُعدُّ هذا الإرث الحي للثقافة النجدية مصدر فخر للمنطقة، وفيه إلهام للحفاظ على التراث في عالمنا الحديث.
مدينة الحجر الأثرية
أما موقع "مدينة الحجر الأثرية" فكان أول موقع في المملكة يُدرج ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي وذلك في عام 2008، وهو وجهة مثالية لمحبي السياحة البيئية والطبيعة، لكونه من أقدم المواقع في المنطقة، ومرت عليه العديد من الحضارات التي لا زالت آثارها حاضرة إلى وقتنا الحالي، وكانت مزدهرة بالسكان والحياة البرية.
وتعد "مدينة الحجر الأثرية" واحدة من أبرز المواقع التاريخية في المملكة؛ لما تحويه من تراث وحضارات وآثار لمدافن منحوتة داخل الجبال تعود إلى العصور النبطية، ويبلغ عدد المدافن داخل "الحجر" نحو 111 مدفنا، تزخر من الخارج بنقوش ورسومات ذات دلالات على تلك الحضارات.