شهدت المملكة العربية السعودية بعد إعلان توحيدها على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في 23 سبتمبر 1932م، نهضة تنموية ومشاريع تطويرية بمختلف المجالات، نستذكر أبرزها بينما نحتفل بمرور 94 عامًا على توحيد المملكة.
بدأت أول ملامح المشروعات تظهر خلال مرحلة توحيد المملكة التي استمرت 30 عاما شهدت فيها بطولات تاريخية للملك عبد العزيز ورجاله المخلصين، والتي بدأت باستعادة الرياض وصولا إلى توحيد أجزاء المملكة.
وفي عام 1924 أمر الملك المؤسس منذ دخول مكة المكرمة بتأسيس صحيفة أم القرى لتكون صحيفة رسمية للمملكة، وصدر عددها الأول يوم الجمعة 12 ديسمبر 1924م، وحملت الصحيفة شعار الآية الكريمة: "وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها".
سك العملة السعودية
أمر الملك عبدالعزيز بسك أول عملة نحاسية من فئة القرش ونصفه وربعه في عام 1925م، وتعد تلك الخطوة الأولى لإصدار أول عملة رسمية سعودية، وفي عام 1927م تم إصدار أول نظام للنقد وبذلك تم سك الريال العربي ونصفه وربعه من الفضة الخالصة، كما تم سك فئة القرش ونصفه وربعه من النحاس، يساوي الريال العربي في الوزن والعيار والتقسيم والصرف وأصبح الريال العربي وأقسامه عملة رسمية اعتباراً من 24 يناير 1928م.
توسعة المسجد الحرام وإضاءته بالكهرباء
انطلقت مشاریع توسعة المسجد الحرام في العصر الحديث منذ عام 1925م، عندما أمر الملك عبدالعزيز بصيانة المسجد الحرام، وإصلاحه وفي عام 1927م وجه الملك عبدالعزيز بإنشاء أول مصنع مخصص لكسوة الكعبة المشرفة، وتبليط المسعى بالحجر الصوان وإزالة الدكاكين المزاحمة له.
كما أمر المؤسس بإنارة المسجد الحرام كاملا بالإضاءات الكهربائية عام 1928م وزيادتها إلى 1000 مصباح، وفي 1931م وجّه بشراء ماكينة لتوليد الطاقة الكهربائية. كما وجّه في عام 1942م بصنع باب جديد للكعبة من الذهب والفضة ومدعم بقضبان من الحديد وتمت تغطية الوجه الخارجي للباب بألواح من الفضة المطلية بالذهب وزين الباب بأسماء الله الحسنى. واستمر أبناء الملك عبدالعزيز الملوك من بعده بالاهتمام وتوسعة المسجد الحرام ثلاث توسعات كبرى، تبلغ مساحتها نحو 1.4 مليون متر مربع.
تحلية المياه
عرفت جدة في عام 1907م آلة لتقطير ماء البحر، عُرفت باسم الكنداسة المشتقة من كلمة Condenser. وعندما وحّد الملك عبدالعزيز الحجاز أمر بإصلاحها في عام 1926م وجلب آلة تنتج نحو 300 طن في اليوم ولكن بعد جلبها وتركيبها اتضح أن إنتاجها لا يغطي احتياجات السكان، فأمر بجلب آلة أخرى تكون داعمة لها.
وكانت مكائن الكنداسة تنقل ما تنتجه من مياه عذبة إلى التوانك وعددها ثمانية، وتبعد عنها نحو 20 متراً، وتنقل المياه إليها بوساطة أنابيب، وتُقاس المياه في التوانك بواسطة ميزان، وهو عمود خفيف من الخشب تم تحديد الأطوال عليه لقياس الماء. وبذلك أمن الناس مصدر حياتهم من الماء العذبة.
المحاجر الصحية
أنشأ الملك عبدالعزيز في 1928م "الكورنتينات" وهي محاجر صحية للحفاظ على صحة الحجاج القادمين عن طريق البحر منهياً بذلك نظام الحجر الصحي في كمران والطور حيث كان المسلمون الحجاج يعانون سوء الإدارة والتعرض لإجراءات مهينة، وتقع الإدارة المركزية للمحاجر الصحية في جدة، وتتكون من فريق عمل يشمل الرئيس، ومعاونه، وصيدليا، ورئيس كتاب ومحاسبا ومأمورا للجزر، ومأمورا للإحصاء، ومأمورا للتلقيح.
وتضم الإدارة محجرًا صحيًا كبيرًا يتكون من جزيرتي "أبو سعد" و"الواسطة"، وكانت جزيرة "أبو سعد" مجهزة بأحدث الأدوات الفنية اللازمة للمحاجر الصحية مثل آلة تقطير الماء، ومولد كهرباء للإنارة وحمامات وخمس قاعات كبيرة مخصصة لمحجوري الدرجة الثالثة مع ملحقاتها، بالإضافة إلى غرف مريحة لركاب الدرجتين الأولى والثانية مجهزة بالأسرّة وجميع المستلزمات كما يوجد في الجزيرة مستشفى صغير وصيدلية يديرها صيدلي المحجر وغرفة للتجريد وغرفة للأطباء، ويستوعب المحجر نحو 800 راكب، أما جزيرة الواسطة فتحتوي على 8 قاعات لحجر الركاب، وغرفة للأطباء والصيدلي ومستشفى يستوعب نحو 1500 راكب.
وتتولى الإدارة مسؤولية معاينة ركاب جميع البواخر والطائرات، وتطبيق النظام الصحي الدولي بما يتضمن الإجراءات الصحية المتبعة على البواخر ومع الركاب والحجاج، لضمان سلامة الجميع وفقًا لأعلى المعايير الصحية، وتتولى المحاجر مهمة تلقيح الأشخاص غير الملقحين، وتطعيم المسافرين ضد الجدري والكوليرا، كما تتولى إدارة المحاجر أحيانًا عملية تطهير البواخر التي لم تُعقم وفق الإجراءات المعتمدة وتشمل هذه العمليات القضاء على القوارض الموجودة على السفن لمنع انتشار الأمراض المرتبطة بها، مما يضمن سلامة الركاب وحماية الصحة العامة.
مشروع الخرج الزراعي
يُعد مشروع الخرج الزراعي أحد أقدم المشاريع الزراعية في المملكة ، حيث أنشئ عام 1935م في منطقة السهباء بأمر من الملك عبد العزيز، ويعد النواة الأولى لمشاريع التنمية الزراعية وإنتاج الألبان في المملكة، تم تأمين الآلات الفنية والميكانيكية والبذور والسيارات، وأجري مسح للأرض، وجلب العمال وعُيّن المزارعون من المواطنين.
بلغت المساحة المزروعة بالمشروع أكثر من 700 ألف متر، ورُكبّت مضختان صغيرتان بقوة إجمالية قدرها ثلاثون حصانًا على عين ضلع وزرعت مساحة تقدر بنحو 300 ألف متر مربع بالقمح، جاء وقت الحصاد ليحقق المشروع إنتاجًا زراعيًا مبشرا، ما أسهم في تأسيس ركائز الأمن الغذائي في المملكة. كما تضمن المشروع بساتين الفاكهة التي تضم أكثر من 2800 شجرة، تشمل العنب والليمون والبرتقال والمشمش والخوخ واليوسفي، بالإضافة إلى أكثر من 3000 نخلة.
كان مشروع الخرج الزراعي يعتمد على مصدر كبير من المياه المستخرجة من العيون للري ومع مرور الوقت استمر المشروع في التوسع، حيث أُنشئت له قناة بطول18 كيلومترًا تنقل المياه من عيون الخرج.
وفي عام 1941م، تم شراء ست حراثات عبر شركة أرامكو، التي درست المشروع وتولت تطويره. فقد أرسلت أرامكو لجنة أمريكية متخصصة في الزراعة لتقديم الاستشارات الفنية حول الزراعة والري واستصلاح الأراضي الصالحة للزراعة. تعاقبت على إدارة المشروع عدة شركات ومؤسسات.
ووفقًا لتقرير البنك الدولي للإنشاء والتعمير، فإن المشروع الزراعي غطى مساحة تقدر بـ 1,730,000 متر مربع من الأراضي، منها 850,000 متر مربع في منطقة خفس دغرة التي كانت تابعة للمشروع، بينما المساحة المتبقية وقدرها 8,800,000 متر مربع تقع في الأراضي المنخفضة شمال شرق السيح ليضم إلى جانب إنتاج القمح إنتاج عدد كثير من المزروعات من التمور والخضراوات والفواكه بالإضافة إلى الإنتاج الحيواني، حيث يُنتج المشروع عددًا كبيرًا من الدواجن البياضة واللاحمة.
المبرة الملكية
على إثر الحرب العالمية الثانية 1939- 1945م كان الوضع في المملكة شديد الحرج، حيث شحّت المؤن، وعانت البلاد ضائقة مالية، وأدرك الملك عبدالعزيز تأثير الحرب في المواطنين، فاتخذ عدداً من الإجراءات للتخفيف عليهم؛ فوجّه بتأسيس مبرّة ملكية تقوم بتوزيع الخبز على المواطنين في سائر المدن والقرى، وشُكلت لجان خاصة في كل مدينة تتابع تنفيذ هدف المبرة، وتحقيق ما قامت من أجله بعدالة بين الناس، وكان لكل مستحق ومسجل في المبرّة بطاقة خاصة به، وقد أحصت اللجنة عدد المستحقين والمستفيدين، وقد استمرّت المبرة في تسجيل المحتاجين وتقديم الخدمات والإعانات حتى تم إلغاؤها في غسطس 1946م.
افتتاح سكة حديد الرياض الدمام
في أربعينيات القرن الميلادي المنصرم، كانت قيادة المملكة تضع بدايات خططها بمثابرة وبعد نظر في سبيل التنمية الاقتصادية من أجل رفاهية مواطنيها، خطوة إثر أخرى بدأ استخراج النفط، فكانت الحاجة ماسة إلى إنشاء ميناء على ساحل الخليج العربي، ووسائل نقل آمنة وسريعة ومستدامة وقليلة التكلفة.
وجهت حكومة المملكة بإنشاء خط حديدي، لنقل البضائع بأقل تكلفة، وأكثر سرعة من السيارات. أمر الملك عبدالعزيز بتنفيذ خط حديدي بين الرياض التي تعد مركزاً تجارياً والدمام كونه ميناء ومركز استقبال البضائع، وبدأ العمل على المشروع في أكتوبر 1947م، وبعد سنوات قليلة دشن الملك عبدالعزيز عام 1951م أول خط حديدي الرياض - الدمام في حفل حاشد بالرياض.
خط التابلاين
يُعد أكبر خط أنابيب نفطي في العالم عند تدشينه، حيث امتد من شرق المملكة مرورًا بشمالها وصولا إلى مدينة صيدا في لبنان، عابرا أراضي المملكة والأردن وسوريا ولبنان، افتتح الخط في عام 1950م بهدف نقل النفط للأسواق الأوروبية عبر البحر الأبيض المتوسط، واستمر تشغيله نحو 40 عامًا قبل أن يتوقف عن العمل في عام 1990م.
جاءت اتفاقية إنشاء الخط بين المملكة وشركة خط الأنابيب عبر البلاد العربية (تابلاين) بعد 9 سنوات من اكتشاف النفط في السعودية، حيث أتاحت كميات النفط التجارية للمملكة توسيع نطاق التصدير عبر البحر الأبيض للتوسط، مما عزز مكانتها في كونها مصدراً رئيساً في المنطقة، امتد خط التابلاين الفولاذي على مسافة (1,648 كلم)، واستغرق إنشاؤه ثلاث سنوات بتكلفة بلغت 230 مليون دولار وشارك في بنائه نحو 16 ألف مهندس وعامل، واستخدم في بناء الخط أكثر من 200 ألف أنبوب فولاذي، كل منها بطول 9 أمتار، وتصل سعته إلى 5 ملايين برميل من الزيت، كان يعبر البلاد العربية في مدة تصل إلى 16 يوما.
كان النفط المعالج في حقل بقيق يمر عبر أولى محطات ضخ التابلاين في مدينة القيصومة، ومن ثم عبر ثلاث مدن فى منطقة الحدود الشمالية رفحاء، عرعر، وطريف، وصولًا إلى آخر نقطة داخل المملكة في محافظة القريات بمنطقة الجوف، ومن هناك يستمر إلى الأردن وسوريا، وينتهي عند ميناء صيدا في لبنان.
توقف خط التابلاين عن العمل نهائيًا في عام 1990م بعد مروره بمراحل متعددة من التوقف. تأثر الخط بشكل كبير بالحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975م، ما أدى إلى توقف ضخ النفط إلى ميناء صيدا في عام 1983م ونتيجة لذلك، أوقفت أرامكو تشغيل الخط بالكامل في عام 1984م. وتسبب اندلاع حرب الخليج في توقفه على نحو نهائي.
خدمات الاتصالات
أولى الملك المؤسس خدمات الاتصالات اهتماماً كبيراً، حيث سارع إلى استيراد الأجهزة اللاسلكية، وأصدر أوامره بتعميم المراكز اللاسلكية في جميع مدن المملكة، كما أرسل عدداً من المواطنين لتعلمه في الخارج، ومن ثمّ عمد إلى تأسيس مدارس لتعليم اللاسلكي، وأرسل المتفوقين منهم إلى لندن للاستزادة من هذا العلم، وافتتح الملك عبدالعزيز مدرسة لتعليم الاتصال اللاسلكي في الوجه؛ لتزويد المحطات والمراكز اللاسلكية بالمختصين. وتخرّج من هذه المدرسة عدد من المواطنين، عمل بعضهم في منطقة تبوك، وفي غيرها من مناطق المملكة، وأعيد افتتاح هذه المدرسة سنة 1948م والتحق بها عدد من المواطنين، وكان يخصص للملتحقين بها مكافأة مقدارها 150 ريالا وعند التخرج يعينون على وظيفة مأمور لاسلكي براتب قدره 245 ريالا، وعند التوظيف يوزعون على مناطق المملكة.
ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام
ميناء الملك عبدالعزيز على ساحل الخليج العربي هو الميناء الرئيس للمملكة، ويعد شريانًا حيويًا للتصدير والتوريد ومرور البضائع من مختلف أنحاء العالم إلى مناطق شرق ووسط المملكة، أُنشئ بتوجيه من الملك المؤسس في عام 1950م، حيث كُلفت شركة أرامكو بإنشائه تلبية لاحتياجات صناعة النفط المتنامية في المملكة.
واختير موقع الميناء نتيجة لوصول سكة الحديد من الرياض، ما جعله ضروريًا لتسهيل نقل البضائع المستوردة عبر هذا الخط الحديدي إلى العاصمة كما أصبح بديلاً مهما عن ميناء القطيف القديم في تلبية احتياجات المنطقة للاستيراد والتصدير، لاحقا، شهد الميناء عدة توسعات، وكان من أبرزها التوسعة التي افتتحت في عام 1961م في عهد الملك سعود، حيث سُمي بميناء الملك عبدالعزيز.
يتمتع ميناء الملك عبد العزيز بالدمام بطاقة استيعابية تصل إلى 105 ملايين طن، ويرتبط بالميناء الجاف في الرياض عبر خط سكة حديدية، ما يسهل حركة دخول البضائع من مختلف أنحاء العالم إلى شرق ووسط المملكة. يضم الميناء 43 رصيفًا مجهزة بجميع الخدمات لاستقبال السفن العملاقة، ويحتوي على معدات مناولة حديثة قادرة على التعامل مع مختلف أنواع البضائع.
المستشفى المتنقل
وجه الملك عبدالعزيز في عام 1947 بتشكيل فرق طبية تتنقل بالسيارة مزودة بالأدوية والخيام والأسرّة المتنقلة، والأمصال الوقائية وإجراء بعض العلميات المستعجلة. تعالج الناس بين المدن والقرى والمناطق النائية والبادية في المملكة.
توسعة المسجد النبوي
عزم الملك عبدالعزيز على توسعة الحرم النبوي خاصة بعد تضاعف أعداد الحجاج والمعتمرين والزوار، فأمر في عام 1949م بإصلاح وترميم المسجد النبوي وتوسعته من 10,203 أمتار مربع إلى 16,326 مترا مربعا وبدأ العمل على هذا المشروع في عام 1951م ونزعت الملكيات العقارية المحيطة بالمسجد وكلف المشروع نحو 70 مليون ريال، وقد انتهى في عهد الملك سعود عام 1955م، واستمر أبناء الملك عبدالعزيز الملوك بالاهتمام وتوسعة المسجد النبوي ثلاثة توسعات كبرى تبلغ مساحتها نحو 1,000,000 متر مربع.