تعد القهوة السعودية جزءًا هامًا من التراث الثقافي السعودي المتوارث عبر الأجيال، ورمزًا للكرم والضيافة في المجتمع السعودي، ويتم تقديمها للضيوف في مختلف المناسبات، حيث تعتبر مجالس القهوة مكانًا لاجتماع الأقارب والأصدقاء والتواصل بين أفراد المجتمع.

وتحتفي المملكة التي تُعد من أكثر دول العالم استهلاكًا للبن؛ باليوم العالمي للقهوة، في 1 أكتوبر، من خلال إبراز مكانة القهوة كعنصر من عناصر الضيافة الأصيلة، عبر إقامة العديد من الفعاليات والمبادرات والأنشطة التي تُقام على مدار العام؛ خاصة في ظل تقديم القهوة السعودية؛ كعنصرٍ ثقافي يرمز للقيم العُليا التي يتميز بها الشعب السعودي من كرم الضيافة وحسن الاستقبال.

وأطلقت المملكة في عام 2022، مبادرة "عام القهوة السعودية"، بهدف إبراز مكانة القهوة السعودية وتراثها، وتعزيز السياحة الثقافية، ونجحت في تسجيل عنصر"البن الخولاني السعودي- المهارات والمعارف المرتبطة بزراعته-" ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم الثقافة "اليونسكو".

كما عملت وزارة البيئة والمياه والزراعة، على إكثار زراعة البن؛ بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من الناتج المحلي مستقبلًا ورفع العائد الاقتصادي، للإسهام في رفع الناتج المحلي غير النفطي وفق خطط وأهداف رؤية المملكة 2030، ووصل دعم برنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة "ريف السعودية"، لقطاع البن منذ إطلاق البرنامج في عام 2020م إلى 61 مليون ريال، فيما بلغ عدد المستفيدين من الدعم 3718 مستفيد.

وركزت المملكة على زراعة أشجار البن في ثلاث مناطق حيوية، هي جازان التي تضم 340 ألف شجرة تنتج 2040 طنا من البن الصافي سنويا، وعسير بـ40 ألف شجرة تنتج 240 طنا سنويا، فيما تضم الباحة 18 ألف شجرة تنتج 108 طنا سنويا.

وتشتهر المملكة بزراعة نوعين من البن، هما: الخولاني والهرري، ويعد البنُ الخولاني السعودي أحد أغلى وأندر الأنواع في العالم، ويعود سبب تسميته بذلك؛ نسبةً إلى قبيلة خولان بن عامر التي تسكن الجبال التي تمتد بين السعودية واليمن، حيث اشتهرت سفوح جبال جازان بزراعته؛ لعدة أسباب من أهمها توفر جميع الظروف الجغرافية والمناخية المناسبة لزراعته، والتربة الجبلية الغنية بالعناصر الغذائية اللازمة حيث يضفي لها ذلك نكهة مميزة، ومذاقاً أصيلاً لا يمل منه المتذوق، ومن أهم ما يميز البن الخولاني السعودي عن غيره هي الطبقة الزيتية ورائحته المعروفة والمميزة.

وعادة تكون مرحلة الإنتاج وقطف حبوب البن الخولاني السعودي في السنة الثانية من عمر الشجرة إذا كانت الشتلة قوية وسليمة وزرعت في بيئة ملائمة، مع العمل على إزالة الثمار في السنتين الثانية والثالثة لإعطاء فرصة للشجرة لمزيد من النمو، ولا تتم عملية قطاف ثمار البن وتجميعه إلا بعد أن تصبح الثمار حمراء اللون، فيتم قطفها وتجفيفها تحت أشعة الشمس، وتتم عمليات فرزها لبيعها، لتستخدم بعد تقشيرها وتحميصها وفق عادات وتقاليد كل مجتمع من المجتمعات كواحد من أفضل أنواع القهوة عالميا.

أما البن الهرري، الذي يُصدر من أثيوبيا التي تعد من أهم البلدان إنتاجاً للقهوة، وسمي بالهرري نسبةً إلى منطقة زراعتها وهي مدينة هرار الإثيوبية، ويزرع حالياً في مناطق المملكة، وينقسم إلى ثلاثة أنواع: لونجبيري الأكبر حجماً بين الأنواع، وشورتبيري أصغر حجماً من لونجبيري، وموكا التي تتميز بنكهاتها من الشوكولاتة والحمضيات والتوابل المعقدة.

وتتميز المملكة بالقهوة تحضيرًا وتقديمًا، إذ يختلف لون ومذاق القهوة باختلاف المناطق والقبائل، مما يعكس تنوع الثقافة السعودية؛ حيث يضاف لقهوة منطقة نجد الهيل والزعفران، أما أهل الجنوب فيضيفون إلى المكونين السابقين القرنفل والزنجبيل والقرفة، ويمزج أهل حائل البن مع الهيل والزعفران والقرنفل، فيما يكتفي سكان غرب المملكة بالبن والهيل فقط.

وقديمًا كان لتقديم القهوة طقوس فريدة بمسميات محددة اندثرت اليوم، وارتبطت دلالاتها القديمة بالتراث المحلي، فمثلًا يُطلق اسم فنجان "الهيف" على الفنجان الذي يشربه المُضيف أمام ضيوفه قبل التقديم لإثبات سلامة القهوة، أما فنجان "الكيف" فهو فنجان يحتسيه الضيف متلذذًا بطعم القهوة ويتبعه فنجان "الضيف" الذي يرمز للكرم ومكانة الضيف، ثم فنجان "السيف" الذي باحتسائه يتعاهد الضيف والمضيف على التآزر في الشدائد.

وحول تاريخ اكتشاف القهوة، تقول الروايات إن تاريخها يعود إلى القرن الخامس، ويُعتقد أن الموطن الأصلي لشجرة البن هو إثيوبيا وكانت شجرة برية غير مدجّنة، وأقدم الأدلة المثبتة على دخول القهوة إلى جزيرة العرب هي من القرن الخامس عشر بعدما زار جمال الدين الذبحاني أحد علماء اليمن الحبشة (أثيوبيا اليوم) وتعرف عليها وأعجب بطعمها وتأثيرها على الجسد ونشاطه فجلبها إلى اليمن، لتنتشر بعدها إلى بقية الشرق الأوسط وجنوب الهند وبلاد فارس والقرن الأفريقي وشمال أفريقيا، ثم انتشرت القهوة إلى البلقان، وإيطاليا وبقية أوروبا إلى جنوب شرق آسيا ثم إلى أمريكا.