ربما لوهلة سيبدو مفاجئا أن تكون المذيعة السعودية نادين البدير من أوائل المنقلبين على «الربيع العربي»، كونها من أكثر من أشادوا به إبان عزه. وأفردت مقالات كثيرة للهجوم على من يقدم أي رأي نقدي لهذه «الثورات». ولم تتوانَ في مقالات، سنأتي على ذكرها، في وصفهم بالخونة والمنافقين وعملاء الأنظمة.
كتبت البدير في أول العام الجديد في صحيفة «المصري اليوم»: «الإعلامي الذي لا موقف له هو شاعر البلاط الذي أتحدث عنه دائما، إعلامي المديح، سليل شعراء السلطان. النفاق، التقلب، الازدواجية.. تلك صفاته الأساسية».
وبما أنها ذكرت التقلب والازدواجية من بين صفات «الإعلامي الذي لا موقف له» في معرض مقال بعنوان «منافق.. خائف.. خائن.. محايد»، صار لزاما محاولة فهم موقف البدير بعد مقالها الأخير في ذات الصحيفة «المصري اليوم» تحت عنوان «شيء أسماه العرب ربيعا»، الذي جاء فيه: «لم تكن ثورة ضد الأنظمة إذن، بل ضد الأوطان. الآن وجهوا اتهامكم المعتاد للأنظمة بأنها سبب كراهيتكم للأوطان، وأكسجين الثورات العربية الذي تنفسناه كان وهما؟ وكل الأماني التي منينا النفس بها كانت تشخيص مريض للأمور؟ تشخيص غريق؟ وربيع ظننا أنه عاد إلينا قبل سنة لم يكن بحقيقته أكثر من فصل غائم مكفهر مغبر باقٍ منذ سنة ليست سوى البداية».
وبما أن الحديث عن الإعلامي «المتقلب المزدوج الذي لا موقف له» بحسب وصف البدير، نستذكر جزئية لذات الكاتبة تمجد فيها «الثورة» تحت عنوان «شباب التحرير صناع التحرير»، وجاء فيه: «ما يحدث اليوم من ديمقراطية وانتخابات حقيقية بعد سنوات عجاف طويلة يدفع للفخر. فليستمتع أولئك الشباب بهذا الإنجاز. أظنهم رأوا مشهد ذلك الستيني بأحد المراكز الانتخابية وهو يبكي أمام الكاميرا ويقول: (أول مرة أعيش مثل هذه الانتخابات)، ليستمتعوا بهذه الأيام وليقرروا مستقبلا ما يرونه صوابا. سبق أن قرروا يوم 25 يناير ولم يتمكن أحد من إيقافهم».
ولكن البدير تعود لتنقلب على هذا الموقف آنف الذكر بجزئية من آخر مقالاتها قبل أيام، قائلة: «الربيع العربي جلب لبرلمانات الثورة نوابا لا يؤمنون بالحريات على جميع أنواعها، وليس تغاضيهم عن الحريات السياسية اليوم سوى لضمان استحواذهم على شيء من التركة، فقد سئموا حياة التخفي والاختباء خلف عباءات الحريم السوداء. الربيع ولد أنظمة تريد سحق كل تقدم مر من هنا».
وفي ذات السياق «المتقلب المزدوج الذي لا موقف له»، بحسب وصف البدير، أدانت يوما في مقالة لها المثقفين السعوديين، تحت مقالة «العفن الليبرالي السعودي»، وجاء فيه: «بالطبع لن يغضب مقالي أحد ليبراليي السعودية لأنهم ببساطة خائفون حتى من الغضب، من التعبير عن أنفسهم، ومن الدفاع عن أفكارهم، كي لا يفتضح أمر ليبراليتهم، وهذا سبب كافٍ لأكتب عن دائرة العفن التي أراها تتسع أكثر فأكثر كل يوم، ويزيد معها حجم الشرخ في وطن صار عاجزا عن تحمل كل هذا التطرف الديني وكل ذاك الخوف الليبرالي».
وتزيد: «يبقى أمل واحد في جيل الشباب الجدد. جيل لم تتحدد بعد ماهيته. أهو متطرف، أم خائف مرتعد، أم يكون متأثرا بمحيطه العربي الثوري فيتزعم نهضة تقود لمستقبل أكثر منطقية وأكثر عقلانية من راهننا السعودي المجنون؟».
ولكنها في ختام مقالها الأخير بعد عام من هذا «التثوير الربيعي»، عادت وختمت مقالها «شيء أسماه العرب ربيعا»، بالتالي: «فأين شباب الثورة الأصليون؟ أين اختفيتم؟ لماذا أيقظتمونا؟ ولماذا تمادينا نحن في الحلم؟ لا تعذروني واغضبوا. لكني لا أشتم أو أرى أزهار الربيع. ليس هناك أي ربيع، بل فصل قاسٍ. فصل جديد خامس».
والحال، أن البدير ليست وحيدة في هذا الانقلاب من حالة التثوير القصوى التي كانت تمارسها إلى حالة العقلانية الواقعية. فما أكثر المقالات التي كتبت من السرب الذي تمثله البدير، ضد كل رأي صحافي أو ثقافي قرر تأمل هذا الحراك الشعبي، وكم من مقالات كتبت من قبل البدير وطيفها الإعلامي تحت عنوان «منافق.. خائف.. خائن.. محايد»، لكل من رأى قبل البدير بعام أن «لا رائحة لأزهار ربيع عربي»، بحسب وصفها.