تتميز جدة التاريخية بطابع معماري فريد يمتد لأكثر من 500 عام، يُمثل مثالاً حياً على التراث العمراني الغني لمنطقة الحجاز. وأُدرج أسلوب البناء في هذه المنطقة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، ويبرز بطرق تقليدية تختلف عن أساليب البناء الحديثة، لاعتمادهعلى جدران الأرضية القوية المصنوعة من الحجر المنقب المرجاني.
وتُبنى المباني القديمة في جدة بسماكه تصل إلى نحو 60 سم، في الطابق الأرضي، بينما يقل السمك تدريجيًا في الطوابق العليا ليصل إلى 40 سم في الطابق الثالث، مما يمنح المباني شكلاً مائلاً في الخارج رغم استقامة الداخل. ويستخدم الحجر المرجاني المستخرج من بحيرة الأربعين أو ما يُعرف قديماً ببحر الطين في بناء جدة التاريخية ، وهو حجر خفيف، بين كل متر منه يُضاف الخشب المعروف بـ"التكليلة" لتثبيت الصفوف وضمان استقامة الحجر، إلى جانب منحه جمالية مميزة للواجهة.
ومن أهم وأبرز ملامح العمارة في جدة التاريخية الرواشين، وهي شُرفات خشبية تُعطي للبيوت طابعًا فريدًا وجمالًا خاصًا. الرواشين، وهيكلة ذات أصل فارسي تعني "مصدر الضوء"، تطورت لتصبح رمزًا يعكس التراث العمراني لمنطقة الحجاز. تتميز الرواشين بألوانها الثلاثة الجميلة: البني كخامة أساسية للخشب، والأخضر الذي يرمز للعَلَم السعودي ويُقال إن أهل جدة استخدموه احتفالاً بدخول الحجاز ضمن الدولة السعودية، والأزرق الذي يمثل لون البحر.
تُضفي الرواشين لمسة جمالية للواجهات، وتعكس مستوى الوضع المادي والصحي للعائلات. كما تساهم في توفير الخصوصية لأهل البيت؛ حيث يمكن لأفراد المنزل رؤية الخارج بسهولة، بينما من الصعب على المارة رؤية الداخل. تعمل الرواشين أيضاً كوسيلة تهوية طبيعية، تسمح بتجديد الهواء وتوفير الإضاءة، مما يعزز من راحة السكان ويجعلها حلاً بيئيًا فعالاً لإعادة التدوير الطبيعي.
تجمع جدة التاريخية بين فنون العمارة التقليدية والفريدة، من جدرانها المتدرجة وحجرها المرجاني إلى الرواشين بألوانها الدافئة، مما يجعلها شاهداً على تراث أصيل يعكس روح المكان وعراقة الماضي.