يصور أمين عام مجلس الوزراء عبدالرحمن السدحان حياته بأنها مزيج من الجهد، والأرق، والفرح والترح, منتقياً كلماته بأناقة في حواره مع "سبق"، آذناً للأسئلة بالتجوال في مساحات عقله وقلبه وزوايا ذاكرته وثنايا تجربته الثرية. قائلاً: "أنا متفائل.. ولا أحمل معي مسطرة أقيس بها مسافاتِ تعاملي مع الناس، لكنني أحب الوسط دائماً". متذكراً بدايات التنمية في المملكة، وحكايات اختراق حواجز التخلف التي شكلّت تحولاً هائلاً في نسيج حياة المجتمع السعودي- كما يقول-.ويتحدث السدحان بأسلوبه الأدبي عن تفاصيل جلسات مجلس الوزراء، ورؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله للدولة، وأسلوبه في إدارة "اجتماع الحكومة الأسبوعي" بتواضع إنسان وحزم قائد لاسيما عندما "يسخن" النقاش بين الوزراء حول الملفات العامة للدولة.ويتناول الحوار كذلك جزءاً من حياة أمين عام مجلس الوزراء الخاصة في محاولة للتعرف على أفكاره، مواقفه، ذكرياته، عيوبه، فشله، طفولته، ما يؤرقه، وحقيقة حكاية رفيقه الدائم الذي لا يستغني عنه. وكذلك أمله في الاستقرار واستراحة تقاعده بعد أن تعب من مسارات العمل الحكومي طويلاً، على حد وصفه.فإلى تفاصيل الحوار..* قلم حاضر يكتب في الأدب والمحبة والسلام، ومنصب إداري كبير، وعلاقات اجتماعية وثقافية متعددة.. في هذا الخضم أين تجد ذاتك؟- أجدها في حياتي مجتمعةً عبر فصولها المتفرقة، أسير في مناكبها متوكّلاً على الله، متّزراً بالثقة، ومتّكئاً على مواهب متواضعة، الفطري منها والمكتسب، وأحمد الله أولاً وآخراً أنه لم يكن بين عشق الكتابة والتزام الوظيفة تضارب يعطل التزامي بأي منهما، بل وئام ووفاق حميم لأنني أعدل بينهما عدلاً يجنبني فتنة هجر أحدهما لصالح الأخرى، وتلك معادلة لا تخلو من قسوة على النفس أحياناً، لكن فيها متعة تسر ولا تضر، وما بقي بعد ذلك من وقت أستثمره استرخاءً، أو فـي التواصل اجتماعياً مع القريب والصديق!.* قال عنك أحد ضيوف المملكة: "أمين عام مجلس الوزراء السعودي رجل هادئ يتحدث دائماً بلباقة فيها الكثير من التفاؤل.. في حين أن بعض نظرائه العرب طباعهم التجهم والجفاء والبعد عن الناس". ما الذي يختلف فيك عن غيرك؟- ما قيل عني ظنُّ محبَّ نبيل أعتز به وأرجو أن أكون أهلاً له، مؤكداً أنه ليس لديّ خلطة خاصة أكيف بها حياتي وتعاملي مع الناس. وأن التفاؤل جزء لا يتجزأ من خارطة وجداني، يصاحب ذلك قدر من حسن الظن بالناس، متبعاً في ذلك مقياس البراءة حتى يثبت العكس، ولذا، لا أحمل معي مسطرة أقيس بها مسافاتِ تعاملي معهم من أول نظرة، فأصطفي هذا وأبتعد عن ذاك، بل أستفيد من تجربة الزمان والمكان في ضوء ذلك التعامل، ثم أتخذ موقفاً وسطاً يمنحني الأمنَ مع نفسي والسلامَ مع الآخرين.* هل توقعت أو حتى خطر في بالك عندما كنت ترعى الأغنام صغيراً أن تلقب بـ"صاحب المعالي" في يوم من الأيام؟- صدقني أيها السائل الكريم أنني لم أكن أحلم وأنا أمارس مهمة الرعي صبيّاً سوى أن أنجوَ بحياتي من هجمة كلب ضال أو لدغة ثعبان، وأن أهنأَ ذلك المساء بوجبة دافئة تخرس شياطين الجوع في أحشائي أو بثوب جديد أستقبل به العيد، والحمد لله من قبل ومن بعد.* حياتك عبارة عن محطات متنوعة.. قضيت طفولتك في أبها، وتنقلت بين جازان والطائف ومكة وجدة، درست في لبنان، وابتعثت لأمريكا، هذا التنوع الثقافي والتجارب المختلفة، ماذا شكل في نفسك؟ وماذا منحك؟- رحلة طويلة في دروب الزمان والمكان اكتست رداءً فيه شيء من براءة وشيء من معاناة، وفيه شقاء وحرمان من حنان الأم ورعاية الأب، لكن الله منحني رغم ذلك كله بصيرة ساعدتني على اختراق سحب شتات الطفولة وشقائها وبراءتها، وألهمتني اتخاذ قرارات مصيرية بمقاييس ذلك المكان والزمان، وإلاّ.. فكيف أقدمت بإصرار على الهجرة وحيداً إلى جازان لحاقاً بسيدي الوالد هناك على ظهر بعير، لأمضي ستة أيام وليال حتى حققت أربي ولما أتجاوزْ بعد الثامنة من العمر، وما تلا ذلك من حِلّ وترحال من أبها إلى جازان فالطائف فمكة فجدة ثم لبنان فالرياض، وبعد ذلك الابتعاث إلى أمريكا طلباً للعلم، كان كله مزيجاً من الجهد والأرق والفرح والترح وصولاً إلى ما كتبه الله لي اليوم، عملاً واستقراراً ومعاشاً.. والحمد لله مرة أخرى، أولاً وآخراً!* أنت من جيل عاصر بدايات التنمية في المملكة، وما تزال عجلتها تدور، ما الذي تغير في البلد؟- لي مع التنمية في بلادي الغالية أكثر من حكاية قد أدونها ذات يوم بشيء من التفصيل، وقد شهدت جزءاً من البدايات الجادة لاختراق حواجز التخلف على أكثر من صعيد، كانت بلادنا تخوض معارك على أكثر من جبهة، أشدها حضوراً في الذهن معركة التربية والتعليم بدءاً من لوح الخشب وانتهاءً بلوح الآي باد، ومثلها معركة المواصلات، بدءاً من الدواب وانتهاءً بعابرات القارات، وقس على ذلك ملحمة الاتصالات بدءاً بـالهاتف أبوهندل وصولاً إلى البلاك بيري والإنترنت، كل تلك وسواها شكلّت تحولاً هائلاً في نسيج حياتنا، وما برحتْ تعد بالمزيد، ومازلنا نحن نحلم بالمزيد لحاقاً بالعالم الأول الذي حدثنا عنه أمير الوجدان خالد الفيصل.* منصب الأمين العام لمجلس الوزراء السعودي.. ماذا يعني لك؟- يعني لي بدءاً العيشَ الآمن في ظل رغيف الخبز الحلال الذي يقيم أودي ومن أعول، ويعني لي قبل هذا وبعده، شرف الانتماء إلى هذه المؤسسة العملاقة أستظل بها فخراً وجاها، وأبذل في سبيل ذلك كل ما في وسعي لتشريف الأمانة التي حُمَّلت إياها، وهو مسك الختام لرحلة عمل طويلة بدأتها في معهد الإدارة العامة قبل أربعين عاماً، ثم مجلس الخدمة المدنية، فمجلس الوزراء، وأرجو أن أشهدَ اليوم الذي أرضى فيه عن نفسي خدمةً لهذا الجهاز بذلاً وإنجازاً.* نقل عنك تسمية يوم الاثنين بـ"عرس الاثنين".. ما سبب تسميتك له بهذا الاسم؟- هو عرس ليس ككل الأعراس، يتكرر كل أسبوع، أعد له مع رفاق الدرب ما استطعنا من جهد وصبر وعناء، خدمةً لحلم اليوم والغد، بكل ما فيه من خير لهذه البلاد وأهلها، وهو "عرس" بنكهة الورد حين تعرض الأمانة العامة نتائج الجهد لولي أمرنا الغالي وأعضاء المجلس الكرام.* في مجلس الوزراء.. ما هي أولويات إعداد الملفات التي تناقش في اجتماع الحكومة الأسبوعي؟ ومتى يبدأ التحضير لها؟ وكيف تحسم؟- يبدأ التحضير لكل جلسة قبل حُلولها بوقت غير قصير، وهي عملية إجرائية لا أود أن أثقل على القارئ بسردها، ثم يأتي يوم الحصاد الاثنين، وفيه يحاصرني شعور طفولي لذيذ يلهمني مقولة عند الامتحان يكرم المرء أو يهان، لذا يبقى يوم الاثنين عرساً وامتحاناً في آن.* هل تشهد جلسات مجلس الوزراء مداولات "ساخنة" عند فتح النقاش في الملفات العامة؟- هناك حوار هادئ يصاحب كل جلسة أو معظم الجلسات و"سخونته" تأتي من ديمقراطية الطرح وحضارية النقاش، يختلف فيه من يختلف ويتفق من يتفق، ولكن في ظل الاحترام والوئام وهيبة المقام، والفائز الأخير هو الوطن.* تعمل قريباً من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - كيف تصف لنا فلسفته في العمل والإدارة، وعلى ماذا يحرص؟- شرفت بالعمل زمناً طويلاً مع سيدي الأب الكبير، الملك عبدالله بن عبدالعزيز أيده الله، منذ فترة ولاية العهد التي استمرت نحو ربع قرن حتى توج ملكاً للبلاد في 26/ 6/ 1426هـ، والحق أن أبا متعب مدرسة إدارية مترعة بالحكمة والبصيرة وبعد النظر، وهو متواضع إنسانياً، لكنه جاد وحازم بكل المقاييس، لا يتسامح مع الإهمال أو التقصير أو الكذب، يود -حفظه الله- لو تختصر رحلة التحول الكبير التي تشهدها البلاد في عهده المبارك إلى أقل مدة ممكنة، مع الإصرار على توفير معايير التميُّز في الجودة والأداء، ولذا، يخشاه المقصَّر ويحسب له كل حساب، ويتمنى من كان غير ذلك أن يرقى إلى مستوى حلمه وحكمته أيده الله. أجل.. إنه مدرسة نهجها مخافة الله، ومنهجها الجد والبذل ما استطاع فاعله إلى ذلك سبيلاً.* مع صدور ميزانية الدولة السنوية، ماذا يطلب الملك من الوزراء؟ وبماذا يوجههم؟- يوجههم حفظه الله في كل مناسبة بكلمات قليلة العدد، مثقلة بالحكمة، دقيقة المعنى، بأن يخافوا الله فيما وُلوّا إياه، وأن يضاعفوا الجهد في خدمة الناس، وأن لا عذر لأحد منهم ما دامت الدولة قد هيأت لهم السبل لبلوغ ذلك.* قبل فترة وجه خادم الحرمين الشريفين جميع الوزارات بسرعة مراجعة وتحديث 28 نظاماً مر عليها أكثر من 30 عاماً، لكنها حتى الآن لم تحدث جميعها، متى سيتم إنجازها؟أُنِجزَ تحديثُ بعض الأنظمة، وأخرى رهن التحديث، وهناك توجيه كريم يتكرر من القيادة الرشيدة بسرعة تحديث الأنظمة الباقية، ونأمل أن تستكمل هذه المسيرة المباركة في المستقبل القريب بإذن الله.* طورت عمل أمانة مجلس الوزراء من خلال اعتماد أسلوب توزيع جدول الأعمال، وعرض ما تم نقاشه في الجلسات على الوزراء أسبوعياً للمتابعة، ما هي أبرز التوجّهات التنظيمية المستقبلية لأمانة المجلس؟- ما تحقق للأمانة العامة كان بفضل من الله أولاً، ثم بتوجيه ورعاية القيادة الحكيمة رعاها الله، وتأتي بعد ذلك جهود وبذل الأخوة الزملاء، كل في موقعه واختصاصه، نعمل معاً بمنهجية الفريق الواحد والهدف الواحد. ويختزن الذهن أحلاماً كثيرة لبلوغ مكانة أفضل في خدمة هذا الجهاز الكبير بإذن الله.* عملت بالقرب من رمزين وطنيين هما الملك فهد بن عبدالعزيز والأمير سلطان بن عبدالعزيز يرحمهما الله، ما هي أبرز ذكرياتك عنهما، وبماذا تميزا؟- يصعب التصدَّي لهذا السؤال الجميل عبر عجالة قصيرة كهذه، لأن تجربة التشرف بالعمل عن كثب مع كل منهما رحمهما الله تستحق أن تُفرد لها صفحات. كل ماأستطيع ذكره هنا على عجل هو أن كلاً منهما كان مدرسة متميزة في الإدارة والحكمة والحياة، ورغم ثقل العبء السياسي والإداري الذي حمله كل منهما في حينه، والنتائج المهمة المترتبة على ذلك، إلا أن هذا لم يحجب حبَّ أي منهما لمن عمل معهما جاداً مجتهداً ومبدعاً وصبوراً.* ارتبطت مع رفيق دربك الراحل الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله- بعلاقة صداقة عميقة، ما هي أبرز صفاته؟ وما الذي حرص على إخفائه عن عيون الناس؟- تلك قصة أخرى تحتل في رحاب النفس مساحة كبيرة من الود والفقد معاً، كان رحمه الله ودوداً جداً لمن أحبه، ولذا، خلّف فقدُه فراغاً يعيشه كل من عرفه وتعامل معه، وتلك ثمرة علاقة فريدة ومتميزة معه نشأت قبل أكثر من أربعين عاماً، يوم أن كنا طالبيْن في ذات الجامعة بجنوب كاليفورنيا الأمريكية. تعرفت عليه يومئذ عبر صديق مشترك، فأحببتُه حبَّ الأخ لأخيه، كان صريحاً في تعامله مع رؤسائه وأقرانه ومرؤوسيه بقدر ما كان رقيق الطبع، عفويَّ الخاطر، عذبَ اللسان، ولم أشعر قط أن لديه (أجندة) خفيةً في تعامله مع من حوله لا يُدركها الذهن! ومن أبرز صفاته أنه كان قارئاً نهماً، لا يكاد يفارقه الكتاب ليلاً أو نهاراً، وكان عميق الاستيعاب قوي الذاكرة بقدر ما كان غزيراً في إبداعات القلم، وقبل هذا وبعده، كان محاوراً بليغاً لا يمله سمع، يرحب بالاختلاف مع من يحاوره، لا لشيء سوى تعميق معرفته بموضوع الحوار، فإما أقنع أو اقتنع، بلا رواسب في النفس أو ردود فعل تلوث الخاطر وتفسد الهوى، أما موضوع الإخفاء عن عيون الناس فمْن منا نحن البشرَ العاديين، ناهيك بقامة عملاقة كغازي القصيبي، لا يؤوي فؤادهُ مسائل تعنيه وحده دون سواه؟!* في مسارات عملك ما أبرز ما استفدته من معالي الأستاذ عبدالعزيز السالم، أمين عام مجلس الوزراء السابق؟- أقولها بصدق لا مراء فيه، لقد كان أبو عصام حفظه الله أستاذاً لي تعلمت منه الكثير، ونشأَتْ في ظل تلك الأستاذية علاقة الابن بأبيه، أو الأخ الأصغر بعضده الأكبر، تعلمت منه الكثير، وأتذكر بفخر أنه منحني من الثقة منذ أول يوم شرفت بالعمل معه ما مكنني من استثمار تجربة تلك الشراكة النبيلة، فقطعت برعايته ودعمه أشواطاً بعيدة في تحديث أدوات العمل وآلياته، واستقطاب الكفاءات اللازمة لأدائه، وإعادة اكتشاف بعض المواهب العاملة في الجهاز، لتعطي من نفسها الأجمل والأجزل إنجازاً.* ماذا تتوقع لتجربة المرأة مع شقيقها الرجل في الدورة المقبلة لمجلس الشورى؟ ومتى سنرى المرأة في مجلس الوزراء السعودي؟- دعنا أولاً نشاهد المرأة السعودية تخطو خطوتها الأولى بإذن الله تحت قبة الشورى، كما قرر ذلك قائد هذا الكيان أيده الله، وبعد ذلك لكل حدث حديث. ومثل ذلك يسري على الشق الثاني من السؤال.* على مدى أربعة عقود تقريباً انشغلت بالشأن الإداري في الدولة، وتنوعت تجربتك الإدارية، والسؤال هو: صف لنا خارطة طريق لمعالجة مشاكلنا الإدارية؟- هذا سؤال عريض عرضَ السماء عميق عمقَ الأرض، لكنني سأصارح القارئ والسائل الكريمين بالقول الموجز، وهو أن أحد أهم وأبرز بنود خارطة الطريق لتطوير العملية الإدارية هو الاعتراف بدءاً بأن هناك مشكلة أو مشكلات تعوق الإنجاز لبلوغ الأفضل، يلي ذلك التشخيص الميداني الصريح والدقيق والعادل لأصول وفروع المشكلة، وطرح خيارات الحلول الممكنة لها، ثم المفاضلة بين تلك الخيارات وصولاً إلى المطلوب. يلي ذلك التفصيل الشامل لهذا الإيجاز.* معركتنا مع السعودة وتوظيف الشباب والقضاء على البطالة.. كيف يمكن الانتصار فيها؟- لا أدري مَنْ سينتصر على مَنْ في هذه المعركة، ومتى؟ لأننا لم نزل في أول المشوار. القطاع الخاص يفتقر إلى الوقت والتجربة كي تستقر في وجدانه ثقافة الاعتماد على الشاب السعودي والاعتراف بمواهبه وحقوقه وقدراته، ومنحه فرصة تنمية الولاء له ولعمله، والبذل في سبيله، والشاب بدوره يحتاج إلى وقت مماثل لوأد وساوسه عن القطاع الخاص، والإقلاع عن (أفيون) الوظيفة الحكومية! ومتى بلغنا مستوىً مُرضياً في الجبهتين، عندئذٍ، قد تصبح البطالة في مجتمعنا فِعلاً ماضياً.* ما الذي تتمنى وجوده في بلادنا أكثر من أي شيء آخر؟- ما يشغلني ويشعل خاطري بالأماني هو أن تفلح الجهود القائمة والقادمة في تحرير التربية من رواسب الماضي وعاداتها وتقاليدها، عندئذ ستكون ثقة الشاب بنفسه وولائه لوطنه في مستوى أفضل رؤيةً وأكثر وضوحاً يعدُ بالكثير من الإنجاز.* كيف يمكن تطوير المجتمع؟- واجهني بهذا السؤال بعد خمسين عاماً من الآن إن شاء الله، فقد أفوز بالرد عليه ردّاً يرضي طموح السائل والسؤال.* ما هو أنجح مشروع حكومي تفتخر به؟- كثيرة المشروعات التي تحققت في هذا الوطن وأفخر بها معه، فكرةً وإنجازاً، كمعهد الإدارة العامة ونجاح الدولة في تخصيص قطاع الاتصالات والتوسع في برامج التعليم العالي، محلياً وابتعاثاً عبر القارات وغير ذلك كثير.* جمعت ذكرياتك في كتابك الممتع "قطرات من سحائب الذكرى"، هل يمكن اعتباره بمثابة سيرة ذاتية موضوعية لك؟- سيرة ذات.. نعم، أو هكذا أريد لها أن تكون، رغم أنها حملت في بعض جوانبها عرضاً لبعض مظاهر الموروث العسيري في بيئة النشأة الطفولية مما غدا بعضه الآن تاريخاً. أمّا أنها موضوعية فاسأل من قرأها، لأن الإدلاء بشهادتي هنا أمر قد يضير بنزاهة هذا القلم.* على الصعيد الشخصي.. ما هو أكثر ما يؤرقك؟- أمور كثيرة تؤرقني، رغم ما بلغْته بفضل الله من أشواط في مسارات الوظيفة والحياة، أنا مشغول البال بمسائل ذاتية، من بينها: مدى رضا الخالق البارئ عني سيرة وإنجازاً على صعيد الحياة ما تقدم منها وما تأخر، ثم مدى رضا ولي أمري عن إنجازي المتواضع على صعيد الوظيفة، رغم ما قد يتخلله من خطأ الاجتهاد. وأخيراً، كيف سأنفق استراحة التقاعد بعد حين.. بما يرضيني، ولا يثبط ثقتي بنفسي، فليس أقسى على المرء أن يبلغ سناً يشعر معه بالعجز عن فعل ما يتمنّى.* عطاءاتك الإبداعية في أي مجال تتدفق أكثر؟- الرد على هذا السؤال يضعني في مواجهة قاسية مع نفسي، ومع الآخر، ولذا، أفوّض أمرَ الرد إلى من يعرفني، فيكفيني مؤونتَه، وينصفني من نفسي ومن الآخر. باختصار، أستطيع القول بشيء من الطمأنينة ومثلها شيء من الثقة أن الكتابة وحدها هي التي تستنفرني بحثاً عن الإبداع، وفي غيابها تغيب عن سمائي شمس الفرح.* في مشوارك الحافل: ما الشيء الذي حرصت على تعلمه أكثر من غيره؟- أن أعرف من أنا: قدراتٍ وأمانيَ وغاياتٍ، ثم أسلك السبيل الذي يعزّز تلك الأنا، بلا عثرة ولا عَبْرة.* لو ملكت القدرة على إعادة الزمن للوراء.. فإلى أي الأزمنة تعيده؟- أعود إلى زمن الطفولة عُمْراً وبراءةً، مع الاحتفاظ بمكاسب المعرفة ونشاط الذهن، نعم.. أحنّ إلى براءة الطفولة التي أجد في ظلالها مفراً من أوجاع هذا الزمان وكوارثه.* العقل السليم في الجسم السليم، هكذا يقولون، فما هي الرياضة التي تحب ممارستها؟- سيرتي مع الرياضة كسيرة المتنبي مع الرياضيات. وتبقى هناك رياضة المشي الخيارَ السهل الممتنع أو الممتنع السهل في حياتي.* قل لي من تشجع من الأندية أقل لك من أنت.. فما هو ناديك المفضل محلياً؟- المنتخب السعودي.. هو الأفضل عندي، لأنه الوحيد الذي تهتز له شباك مشاعري، فرحاً وترحاً. أما النوادي فمع احترامي لها، كل في مستواه، إلاّ أنني لا أتجاوز في علاقتي بها دور المتفرج.* متى تستخدم (العين) الحمراء في العمل؟- متى انتفى البديل لها لعلاج موقف ما.* بصراحة.. هل كانت الحياة عادلة معك ومنصفة؟- كل شيء قدره الله لي منذ الطفولة حتى الآن خير، عسراً كان أو يسراً، وليس لي، بعد هذا المشوار الطويل من العمر إلاّ أن أحمد الله على كل ما كان.* أمين عام مجلس الوزراء السعودي من هو رفيقه الدائم؟- الإيمان بالله والتوكل عليه، أولاً، ثم رفيقة دربي وسراجه المنير، زوجتي حفظها الله ورعاها.* في أي موقف إنساني لا تستطيع التحكم بدموعك؟- الدمع عندي عنيد رغم شفافية وجداني، حين يأبى مشاركتي الحزنَ في لحظات صعبة جداً كتلك التي تلقيت فيها نبأ وفاة سيدتي الوالدة وقبلها ببضع سنين سيدي الوالد رحمهما الله، إذ يصرّ الدمع على مشاركتي في الزمان والمكان اللذين يختارهما بعد حين من الحدث الحزين. هل من تفسير لهذا؟.* ما الهدف الذي فشلت في تحقيقه؟- كان الحصول على الدال الذهبية هاجساً يراودني يوماً ما، لكنني تجاوزته بالنسيان راضياً مرضياً رغم قدرتي يومئذ على تحقيقه، بعد أن أيقنت أن مستقبلي المهني ليس مرهوناً له أو به.* ما أبرز عيوبك وأوضحها للآخرين؟- عيوبي كثيرة، منها ما أدركه بالإحساس المباشر، ويعرفه الناس، ومنها ما أجهله وقد لا يخفى بعضه على بعض الناس. وأبرزها إخفاقي في التحكم بمشاعري أحياناً، مع شيء يشبه الغلو تعبيراً عن ذلك، لكن هذه المشاعر تظل كسحائب صيف تتكاثف بسرعة، وتُسقِطُ ما تحمله بسرعة، ثم تختفي وتزول.. وتعود الشمس تشرق في دنياي من جديد.* في حياتك.. ما أثمن ما اكتسبت؟ وما أثمن ما فقدت؟- في حياتي العديد من محطات النجاح والحمد لله، أبرزها أنني وجدت نفسي في كثير مما هيأه الله لي تربوياً ومهنياً واجتماعياً، وفي مجال الأدب والكتاب، أما أثمن ما فقدته فهو رحيل أمي الغالية إلى الدار الآخرة فقد كانت -رحمها الله- بوصلة السعادة في حياتي.* متى تفرح؟ ومتى تصبر؟ ومتى تبكي؟- أفرح متى غابت دمعة الحزن، وأبكي إذا توارت ابتسَامة الفرح، وأصبر ترحيباً بما كتبه الله لي في كلا الحالين.* كلمة أخيرة تختم بها هذا الحوار؟شكراً جزيلاً لمنحي هذه الإطلالة السريعة، ولأول مرة عبر صحيفة "سبق" الإلكترونية ذات السمعة والصيت، وقد تعاملت مع أسئلة "امتحانك الجميل على نحو أرجو أن يكون مرضياً ومفيداً.