عندما بدا أن الضغط الناجم عن تحقيق حلم الدفاع عن ألوان ريال مدريد الإسباني قد أثقل كاهل النجم الفرنسي كيليان مبابي، خرج قائد "الديوك" من كبوته، وأسكت المشككين بقدراته وسيكون الركيزة التي يعول عليها حامل اللقب حين يخوض الأربعاء مواجهة مصيرية في دوري أبطال أوروبا لكرة القدم ضد ضيفه سالزبورغ النمسوي.
بعد بداية مضطربة في مدريد، يبدو أن مبابي تأقلم أخيرًا مع أجواء العاصمة وفكرة الدفاع عن أحد أعرق الأندية في العالم ومستعد لإحداث الضرر بالخصوم إن كان على الصعيد المحلي أو القاري.
وتأتي صحوة مبابي في الوقت المثالي بالنسبة لريال الذي تنتظره مباراتان حاسمتان في دوري أبطال أوروبا، المسابقة التي يحمل لقبها والرقم القياسي في عدد الألقاب بها (15) والتي عانى فيها هذا الموسم نتيجة التغيير في نظامها الذي بات من مجموعة موحدة يتأهل فيها مباشرة إلى ثمن النهائي أصحاب المراكز الثمانية الأولى، فيما تخوض الفرق التي تحتل المراكز بين 9 و24 ملحقًا فاصلًا بينها لتحديد هوية الفرق الثمانية الأخرى المتأهلة.
وقبل جولتين على النهاية، يحتل ريال المركز العشرين بعد فوزه بثلاث مباريات وخسارته مثلها، لكن بفارق 4 نقاط عن منطقة التأهل المباشر.
وبعد استضافته لسالزبورغ الثاني والثلاثين في الترتيب، يختتم ريال الدور الأول الأسبوع المقبل في ضيافة الوافد الجديد بريست الفرنسي الذي يحتل المركز السابع بـ13 نقطة.
يدرك مبابي ورفاقه أن انتهاء المشوار عند العتبة الأولى سيكون بمثابة الكارثة لفريق سقط في أرض ليل الفرنسي 0-1 وبعدها على أرضه أمام ميلان الإيطالي 1-3 ثم في معقل ليفربول الإنكليزي 0-2.
أضاع مبابي في الخسارة أمام ليفربول ركلة جزاء، ثم تكرر الأمر بعدها بأيام في الدوري حين خسر ريال أمام أتلتيك بلباو في لقاء شكل منعطفًا بالنسبة لنجم باريس سان جرمان السابق الذي حلل الوضع قائلًا في منشور على إنستغرام "خطأ كبير في مباراة حيث كل التفاصيل مهمة، أتحمل المسؤولية الكاملة عنه. هذا هو أفضل وقت لتغيير هذا الوضع وإظهار من أنا".
منذ تعهده بتغيير الأمور، سجل مبابي ثمانية أهداف في 10 مباريات مع ريال في جميع المسابقات، بينها واحد من مجهود فردي مذهل ضد برشلونة في نهائي الكأس السوبر الإسبانية الذي سقط فيه النادي الملكي 2-5 في الرياض.
كما سجل مبابي عندما فاز ريال بالكأس القارية للأندية على حساب باتشوكا المكسيكي (3-0) في ديسمبر.
لكن بعيدًا عن الأهداف، يبدو الآن وكأنه الموهبة المدمرة التي كان يأملها الرئيس فلورنتينو بيريس.
كان المدرب الإيطالي لريال مدريد كارلو أنشيلوتي صبورًا مع مبابي، مدافعًا في أغلب الأحيان عن المهاجم لأنه كان مقتنعًا بأنه يحتاج إلى الوقت للتكيف مع الحياة في العاصمة الإسبانية والانسجام مع زملائه الجدد في الفريق.
كما تمسك الإيطالي بموقفه في ما يتعلق بتمركز مبابي، وأصر منذ بداية الموسم على أن المهاجم الفرنسي يجب أن يلعب في المنتصف، تاركًا البرازيلي فينيسيوس جونيور على الجهة اليسرى في مركزه المفضل.
واجه مبابي وفينيسيوس صعوبة في التناغم، وفي بعض الأحيان تخبطًا في نفس المساحات على أرض الملعب.
كانت الهزيمة برباعية نظيفة في الـ"كلاسيكو" أمام الغريم برشلونة في تشرين الأول/أكتوبر لحظة مخيبة للآمال بشكل خاص بالنسبة لمبابي الذي وقع في التسلل مرات عدة خلال المباراة.
وبعد استبعاده من تشكيلة المنتخب الوطني لمباريات دوري الأمم الأوروبية في تلك الفترة من قبل المدرب ديدييه ديشان وصراعه مع إدارة سان جرمان بشأن المستحقات المالية غير المدفوعة، بدا مبابي مثقلًا ومحبطًا.
أصر أنشيلوتي على دعمه للمهاجم وحذر في نهاية كانون الأول/ديسمبر المنافسين بأن مبابي قد تأقلم مع فريقه الجديد، وبعد إصابة في الفخذ، أصبح الآن جاهزًا لتقديم أفضل مستوياته.
وقال المدرب الإيطالي الفذ "أعتقد أن فترة التأقلم قد انتهت، لقد أظهر نسخة جيدة من نفسه، ولا يزال بإمكانه التحسن، لكنه كان جيدًا في المباريات الأخيرة وتجاوز الإصابة الطفيفة التي تعرض لها".
وأضاف عن ابن الـ26 عامًا "إنه الآن أكثر تحفزًا وحماسة وسعيد بوجوده هنا. مر بفترة تأقلم، وهذا شيء طبيعي بحاجة إليه كلاعب، لكنها انتهت".
وتساءل أنشيلوتي "أين يجب أن يتحسن مبابي؟"، مجيبًا "فقط في الثبات (من ناحية المستوى). عليه أن يحاول القيام بالحركات التي لا يستطيع أحد غيره القيام بها، بقدر الإمكان".
ليس من المستغرب أن يكون أنشيلوتي، الفائز بدوري الأبطال خمس مرات كمدرب في إنجاز قياسي، على حق.
لقد جعلت مهارة وسرعة مبابي منه لاعبًا لا يمكن إيقافه في الأسابيع الأخيرة ويبدو الآن أن ثقته بالنفس تتزايد من مباراة إلى أخرى.
قدم مبابي أفضل أداء له مع ريال حين سجل هدفين ضد لاس بالماس الأحد ليقود النادي الملكي إلى صدارة الدوري الإسباني، وهو قال بعد المباراة "لقد تكيفت مع الفريق ويمكنني اللعب بالطريقة التي أريدها، مع زملائي في الفريق، بشخصيتي".
كان فينيسيوس موقوفًا ضد لاس بالماس لكنه سيعود في دوري أبطال أوروبا، ويجب عليه ومبابي مواصلة تطوير شراكتهما وإذا تمكن الثنائي الديناميكي من الوصول إلى التناغم الكامل، فسيكونان مستعدين للدفاع عن مكانتهما كملكين لأوروبا.