مازالت التحديات الصحية تشغل مراكز الأبحاث في المملكة في ظل الهاجس الكبير الذي باتت تشكله الفيروسات الممرضة، حيث استجدت أنواع وسلالات جديدة من الفيروسات بهويات مختلفة، جعلت صعوبة التشخيص من الأمور الواردة في المختبرات. وبالرغم من الإمكانيات الكبيرة للمختبرات في القطاعات الصحية في المملكة، الإ أن بعض العينات الطبية، ما زالت ترسل للخارج لتأكيد الحالة، او لتحديد هوية الفيروس المسبب للمرض. وكشف المختصون لـ«عكاظ»، أن العينات التي ترسل للخارج تتضمن شقين الأول العينات المبهمة التي تحتاج إلى أجهزة طبية دقيقة، قد تكون غير متوفرة لديهم، أما الشق الثاني فيتعلق بالعينات التي تتطلب تأكيد التشخيص والنتائج التي توصل اليها المختبر.

أوضح المشرف العام على المختبر الإقليمي ــ مدير إدارة المختبرات وبنوك الدم في صحة جدة الدكتور سعيد العمودي، أن نسبة العينات التي ترسل للخارج لا تتعدى 2 ــ 5 في المئة، أن معظمها تخص الأمراض الجينية الوراثية النادرة والكروموسومات والتي تحتاج الى تحديد تأكيد التشخيص، لافتا الى أن المختبرات في المملكة قادرة على التعامل مع ما يزيد على اكثر من 500 نوع من التحاليل المخبرية للأمراض المعدية وغير المعدية، بجانب التحاليل التخصصية الأخرى.

وأضاف «التحاليل التي ترسل للخارج هي تحاليل لأمراض نادرة، او تحاليل لتأكيد التشخيصات لبعض الأمراض التخصصية النادرة، التي تم تشخيصها في مختبراتنا، وتحتاج الى مزيد من التأكيد التشخيصي، مبينا ان المريض لا يتحمل أي أعباء مالية لهذه التحاليل، حيث ان وزارة الصحة تتحمل تكاليف إرسال العينات».

إنجاز طبي جديد

وأشار الدكتور العمودي إلى أن إرسال العينات للخارج لا يترتب عليه تكاليف عالية على الصحة في ظل توفر الامكانات التقنية العالمية وخصوصا في ألمانيا وأمريكا، وهذا التوجه معمول فيه في كل الدول . ونوه الدكتور العمودي بتقنيات مختبرات الصحة، وما تحقق في مختبر الفيروسات الطبية في مختبر صحة جدة الإقليمي، من إنجاز طبي جديد في عالم المختبرات وعلم الفيروسات، وذلك من خلال تمكن ثلاثة من العاملين المتخصصين في هذا المجال من عمل أول تحليل جيني (جيني جزيئي) للفيروس المسبب لمرض الإيدز، باستخدام جهاز تحليل (الجينيوم الجزيئي)، وهو جهاز يعتبر واحدا من أدق الأجهزة المخبرية في الكشف عن الفيروسات بدقة متناهية، من خلال تحديد نوع السلالة الجزيئية الخاصة بكل فيروس على مستوى التحاليل المخبرية في العالم، ويسهم هذا الجهاز في التعرف على هوية الفيروس المسبب للمرض بدقة عالية جدا.

الفيروسات الممرضة

من جانبها أوضحت استشارية الفيروسات وعضو هيئة التدريس في جامعة طيبة الدكتورة الهام طلعت قطان، أن بعض التحاليل المتخصصة تحتاج إلى أجهزة دقيقة لتعريف العينات المبهمة بصورة أكيدة فيتم إرسالها الى الخارج، وخصوصا انواع من الفيروسات والبكتريات الغامضة التي تحتاج الى امكانيات تقنية عالية. ولفتت الدكتورة قطان الى ان نسبة عينات الأمراض النادرة التي يتم ارسالها الى الخارج تصل الى 2 في المئة من انواع الفيروسات الممرضة، اما في مجال السرطانات والأورام فأن النسبة تصل الى 5 في المئة، وفي كثير من الأحيان يتم إرسال العينات الى الخارج من باب تأكيد الحالة وتأكيد النتائج التي تم الوصول لها بعد اجراء التحاليل المخبرية في المستشفى.

ألمانيا الأولى

وألمحت الدكتورة قطان أن جميع مختبرات المملكة مؤهلة لإجراء التحاليل الفيروسية والبكتيرية، وخصوصا في المستشفيات التي تحتضن مراكز أبحاث ولمستشفيات الجامعية، وأنه وفي حالة وجود أمراض نادرة وتباين نتائج تحاليل المريض، فإنه يتم في هذه الحالة الاستعانة بالمختبرات العالمية لتأكيد النتائج، مبينة أن ألمانيا تتصدر نسبة التحاليل التي يتم إرسالها من المملكة يليها الولايات الأمريكية المتحدة.

ونوهت الدكتورة قطان أن الفيروسات عالم كبير من العوائل والأنواع والتفرعات ، والكثير منها سهل التشخيص والاكتشاف وعلى سبيل المثال فيروس الإيدز ، والضنك ، الهربز، والحمى الصفراء، والأنفلونزا، والفيروس الحليمي المسبب لبعض انواع الآثاليل، ولكن هناك بعض الفيروسات تحتاج الى الاستعانة بمختبرات اكثر دقية لتأكيد الحالة مثل الإيبولا وفيروس سان بس وانواع من فيروسات المسببة للوكيميا.

جينيوم الفيروس

وفي سياق متصل، اوضح استشاري ورئيس قسم الفيروسات والتحليل الجزئي في مستشفى الملك فهد في جازان البروفيسور زكي منور، أن العينات التي ترسل للخارج عبر المستشفيات الكبرى، هي عينات الأمراض التي تحتاج الى تحديد هوية الفيروس، او نوع البكتريا، او تأكيد تشخيص المرض النادر، فمثلا مركز التحكم في الامراض العالمي

(CDC) يعمل على الشقين التشخيصي والبحثي، حيث تعتمد جميع الدول على هذا المركز في تحديد هوية الفيروس، لكونه يمتلك سيرة كاملة وتفصيلية لجميع انواع الفيروسات والبكتيريا، كما يركز على تحليل جينيوم الفيروس.

وقال إنه بمجرد ادخال العينة والبيانات على الأجهزة الدقيقة، يتم تحديد نوع الفيروس بدقة متناهية، وأضاف «اشير في هذا الصدد انه عندما تم اكتشاف مرض حمى الوادي المتصدع في جازان وتم تحديد هويته في مستشفيات المملكة، تم ارسال عينة الى (CDC) لتأكيد التشخيص وتحديد الفيروس بدقة، حيث تم الوصول الى نفس النتائج التي توصلت لها المختبرات في المملكة وزاد: وينطبق هذا الأمر ايضا على فيروس انفلونزا الطيور».

التحاليل النادرة

وأضاف البروفيسور منور «هناك جانبان لابد ان يدركهما القارئ وهما ان عينات الفيروسات الممرضة بشكل عام، تجرى في المملكة من خلال المختبرات الإقليمية، أما التحاليل النادرة فيتم تحويلها الى مستشفيات لديها إمكانيات تشخيصية وبحثية مثل التخصصي، وفي حالة تأكيد التشخيص فإنه يتم إرسال العينة إلى الخارج لمطابقة النتائج».

الدكتور منور دعا إلى ضرورة وجود الأجهزة المتطورة التي تعمل على تحديد هوية الفيروسات النادرة والمبهمة من خلال تحليل جينيوم الفيروس، حتى لا يتم ارسال العينات الى الخارج لتعزيز تأكيد نتائج العينات والاستفادة من عامل الزمن.