ما أشبه الليلة بالبارحة.. فما يحدث في مصر اليوم يشبه إلى حد كبير ما حدث في الجزائر قبل 20 عاما عندما اكتسحت الجبهة الإسلامية للإنقاذ الانتخابات التشريعية التي جرت أواخر عام 1991.
ووجه الشبه بين الحالتين المصرية والجزائرية يكمن فيما أقدمت عليه المؤسسة العسكرية في البلدين من تدخل مباشر لإبطال نتائج انتخابات برلمانية شهد لها المراقبون الدوليون بالشفافية والنزاهة.
ففي مصر، عمد المجلس الأعلى للقوات المسلحة الخميس الماضي إلى حل مجلس الشعب الذي يهيمن عليه الإسلاميون من حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، وحزب النور السلفي.
وفي الجزائر تكفل الجيش من جهته بإجبار الرئيس آنذاك الشاذلي بن جديد على الاستقالة بغية إيجاد مخرج دستوري للأزمة التي خلفتها نتائج الانتخابات التي جرت أواخر عام 1991.
ربما كانت تلك الأحداث هي التي أطلقت شيطان العنف المسلح من عقاله في الجزائر وظلت البلاد تعاني من تداعياته إلى اليوم.
وفي الحالتين المصرية والجزائرية لعب التيار العلماني دورا مؤثرا في الضغط على العسكر مما حفزهم على التدخل وإبطال النتائج، برأي بعض المحللين. وإن كنت أظن أن العسكر في البلدين لم يكونوا بحاجة لمثل هذه الضغوط حتى يقوموا بما قاموا به.
فالمسألة لا تعدو أن تكون قناعات لدى القادة العسكريين، وهي قناعات نابعة من أنهم تربوا في كنف أنظمة شمولية رعتها دول كبرى وناصرتها قوى إقليمية استقووا بها واستقوت بهم.
ثم إن السماح للإسلاميين بالهيمنة على مقاليد الحكم في دولتين كبيرتين كالجزائر ومصر يشكل خطرا داهما على مصالح العسكر في البلدين ومصالح تلك القوى الدولية والإقليمية.
على أن الخوف من سيطرة الإسلاميين لا يقتصر على العسكر وحدهم. فهناك تيارات الليبراليين والعلمانيين وحتى بعض المواطنين العاديين يرون أن الإسلاميين ما إن تصبح شؤون البلاد في أيديهم حتى يحولونها إلى دولة دينية، ومن شأن ذلك أن يهدد النسيج الاجتماعي لبلد مثل مصر ينقسم مواطنوه بين مسلمين وأقباط، ويضعف جبهتها الداخلية فيسهل للأعداء ضربها.
كما أنهم يتخوفون من أن يتحول الإسلاميون عند تسلمهم زمام السلطة إلى طغاة جدد يتضاءل أمامهم طغيان واستبداد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ولهم في نظام الإسلاميين في السودان الجارة الجنوبية خير مثال.
وقد وصف البعض ما جرى في مصر بالانقلاب الناعم على الشرعية ممثلة في مجلس الشعب المنتخب، وأنه ثورة مضادة على ثورة شعبية وضعت حدا لحكم مبارك الذي بلغ ثلاثة عقود من الزمن.
ورأى صحفي غربي هو أليستر بيتش أن الديمقراطية في مصر هشة، وأن العسكر على وشك أن يتحكموا في مفاصل الحياة السياسية بشكل كامل.
أما الصحفي الإسلامي التوجه فهمي هويدي فقد كتب في أحدث مقالاته أن المشهد يستدعي إلى الذاكرة ثلاثة سيناريوهات هي السيناريو الجزائري، والسيناريو الروماني الذي استطاع فيه إيون أليسكو الذي قاد فصيلا منشقا عن الحزب الشيوعي الفوز بالرئاسة عام 1992 مما أعاد رومانيا إلى قبضة كوادر الحزب مرة أخرى بعد سقوط الرئيس شاوشيسكو.
أما السيناريو الثالث فهو الأوكراني الذي شهد عودة فيكتور يانكوفيتش إلى الرئاسة في انتخابات عام 2010 بعدما أطاحت به ثورة شعبية سُميت بالثورة البرتقالية قبل ذلك بست سنوات.
ورغم وجود أوجه شبه كثيرة بين الحالتين المصرية والجزائرية، فإن ثمة فوارق واضحة بينهما.
ففي مصر مثلا أقر العلمانيون في بادئ الأمر بنتيجة الانتخابات وإن تحفظوا على بعض ممارسات التيار الديني السياسية أثناء الحملات الانتخابية وما بعدها.
بيد أن نظراءهم الجزائريين رفضوا الاعتراف بالنتائج فور ظهورها. وما لبث أن تدخل العسكر تحت وطأة ضغوطهم فأبطل النتائج. وما كان من الإسلاميين إلا أن دخلوا في صراع مع العسكر، تحول بعدها إلى حرب عصابات.
واتخذ المسلحون الإسلاميون من المناطق الجبلية في شمال الجزائر معاقل رئيسية لهم.
وعلى الرغم من أن حدة العنف قد خفت كثيرا في الجزائر فإن تداعياته لا تزال ماثلة حتى اليوم.
وليس بالضرورة في ظل تشابه الأوضاع بين البلدين أن تنزلق مصر إلى أتون صراع مسلح مماثل لما وقع في الجزائر، لاختلاف طبيعة البلدين وتباين نظرة الأطراف المتصارعة إلى القضايا المطروحة وكيفية التصدي لها.
بل إن كاتبا مثل فهمي هويدي يستبعد تكرار السيناريو الجزائري الذي وصفه بأنه "مكلل بالدم".
وكتب في مقال بعنوان "سيناريوهات ما بعد الانقلاب" المنشور السبت الماضي أن استبعاده للسيناريو الجزائري مرده ليس لأن الإخوان في مصر "هجروا العنف منذ عدة عقود، ولكن لأن الجماعة المقاتلة في مصر راجعت موقفها وانتقدته وتجاوزته، إلا أن الباب لا يزال مفتوحا على مصراعيه أمام الاحتمالين الأخيرين، الروماني والأوكراني، اللذين يطل منهما الماضي بقوة. هذا إذا لم يفتح الله علينا بحل من عنده ينقذ الثورة من إرهاصات تصفيتها التي تلوح في الأفق".
ومن حقنا أن نتساءل: أليس من حق حزب أو جماعة ما حصدت أغلبية المقاعد البرلمانية أن تحكم طالما أن الجميع ارتضوا العملية الديمقراطية وسيلة للوصول إلى السلطة؟ وهل كان أحد يجرؤ على إبطال نتائج الانتخابات إذا ما كان الطرف الفائز من غير الإسلاميين؟ أم أن الإسلاميين ارتضوا على غير قناعة منهم بالديمقراطية منهجا وطريقا إلى الحكم حتى إذا أوصلتهم إلى سدة السلطة انقلبوا عليها وانفردوا بها إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا؟