دفع البحث عن القوت اليومي أكثر من 20 شابا ومسّنا للهجرة إلى مكة المكرمة وافتراش الأرصفة في بعض شوارعها وتحت جسورها وكباريها هربا من ارتفاع إيجارات العقارات وعدم التأجير للعزاب بسبب عدم تمكنهم من الحصول على دخل ثابت يساعدهم على توفير متطلباتهم العائلية.
وفي جولة في المنطقة المركزية رصدت ''الاقتصادية'' بعض المتخذين من الجسور مسكنا لهم شارحين معاناتهم المتمثلة في عدم حصولهم على أعمال ذات طابع دائم وأجر ثابت، ويقول محمد البيشي أسكن تحت كبري الحجون في مكة المكرمة منذ ست سنوات وسبق أن سكنت في منطقة مجاورة على رصيف آخر لمدة أربع سنوات قضيتها هنا في مكة المكرمة أعمل في مهنة دفع العربات في الحرم المكي الشريف غير أني أجد صعوبة في ظل أعمال لجنة تمنعنا من ممارسة هذه الأعمال في الحرم ففي كل مرة انطلق فيها بعربتي باتجاه الحرم سالكا طريق الغزة العام اصطدم بأفراد اللجنة الذين يقومون بمصادرة العربة فيتوقف دخلي لعدة أيام حتى أتمكن من شراء أخرى لأعمل في دفع المعتمرين والزوار بأجرة لا تتجاوز 100 ريال على الرغم من كبر سني الذي جاوز 60 عاما وأعول أربعة من الأبناء وزوجة يسكنون في قريتنا في منطقة الجنوب أقوم بإرسال ما أتحصل عليه من أجر إليهم فمرة أرسل إليهم 500 ريال وأخرى لا يتجاوز كل ما أرسله 300 ريال وهم في أمس الحاجة لهذا المبلغ لسد تكاليف الدراسة في حين لدي طفلة أيضا تحتاج إلى مصروف كونها أنثى تدرس، وفي ظل كثرة مطالبهم اليومية أجد نفسي عاجزا عن الوفاء بمتطلباتهم في كل شهر فأستند إلى ذلك العامود القائم تحت كبري الحجون وأقضي بقية الأيام أفكر فيهم حتى تتسنى لي الفرصة مرة أخرى وأمارس عملي في دفع العربات.
وحول كيفية قضاء اليوم في هذه الأماكن يقول محمد: أقضي يومي هناك بالمبيت ليلا والاستيقاظ فجرا وأجد في دورات المياه حاجتي وفي ظل هذه الجسور أعمل غدائي وعشائي فلا أصدقاء لي سوى من يشاركني همومي ممن هم على شاكلتي الذين يفترشون الأرصفة مثلي هنا فنحن نتجاوز العشرين تحت كبري الحجون.
حال محمد البيشي لا يختلف كثيرا عمن التقيناهم، فيقول ربيع حسن: لم يأت أحد من الضمان الاجتماعي ولا أعرف طريقهم حتى أشرح لهم حالتي، فكنت أعمل في دفع العربات وتمت مصادرتها وقبل ذلك كنت ألجأ إلى دفع أي عابر كي لا تتم مصادرة عربتي التي أعمل عليها. وحول سكنه الدائم الذي اتخذه من سنين يقول: كنت أسكن في دورات المياه التابعة للمسجد الحرام في منطقة الغزة لمدة سنتين أما الآن فأسكن تحت كبري الغزة أكثر من ثلاث سنوات ويشاركني أيضا مجموعة من نفس حالتي هنا ولي من الأبناء ثلاثة أعولهم بمشقة في ظل ارتفاع الإيجارات والمصروفات التي لا أستطيع أن أوفي معهم فيها وهم في مراحل الدراسة.
إبراهيم أسعد هو الآخر كان الأكثر حاجة وفاقة، حيث إنه تعرض لحادث مروري قبل موسم الحج وظل كما يقول منوما في المستشفى لمدة شهرين ولأنه خرج ولم يجد مكانا أفضل من كبري الحجون فاتخذه سكنا، حيث إنه يتلقى العلاج هنا يرعى نفسه بنفسه منذ سبع سنوات ولكن منذ الحادث وحتى الآن لم يجد ما يسد به رمقه، إلا ما يجده من رفاقه المجاورين له في السكن أسفل الكبري وجيرانه ممن هم على شاكلته، حتى إن بعض الأدوية تحتاج إلى وضعها في ثلاجة ولكنه اضطر لتناولها دون ذلك وما زال يعاني الألم كل يوم.
محمد علي يقول: هنا أسكن منذ أكثر من خمس سنوات وليس لي عائلة ولا أعرف أحدا، أنام وأعمل طعامي وكأنه منزلي تحت هذا الكبري ولست في حاجة أكثر من حاجة العمل في أي مجال يساعدني للعمل، كما أننا لم نجد دارا واحدة تسمح لنا بالسكن لديهم فهم يشترطون أن يكون المستأجرون عوائل ونحن هنا ليس لدينا عوائل، فليس هناك حل إلا الافتراش حتى أننا اعتدنا على هذا الوضع.