أمرت البحرية الأميركية مدمرتين حربيتين بالتحرك إلى السواحل الليبية بعد مقتل السفير الأميركي الثلاثاء في هجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي شرق ليبيا احتجاجا على فيلم مسيء للرسول صلى الله عليه وسلم، وفي حين دان الرئيس الأميركي باراك أوباما الهجوم وأمر بزيادة الإجراءات الأمنية على البعثات الدبلوماسية الأميركية في أنحاء العالم، رجح مسؤولون أميركيون أن يكون الهجوم مدبرا.
وقال مسؤول عسكري أميركي كبير إن إرسال المدمرتين تدبير احترازي ولا يعني أن هناك عملية عسكرية وشيكة، مشيرا إلى أن الهدف من هذه الخطوة هو إعطاء إدارة الرئيس أوباما المرونة لأي عمل في المستقبل ضد أهداف في ليبيا.
وأبلغ المسؤول رويترز أن المدمرة "لابون" التي تزور ميناء في كريت قد تتخذ موقعها في غضون ساعات، في حين أن المدمرة الأخرى" ماكفول" على بعد يومين.
والمدمرتان كلتاهما مسلحة بصواريخ توماهوك التي استخدمها حلف شمال الأطلسي (ناتو) بشكل واسع ضد الدفاعات الجوية لقوات العقيد الليبي الراحل معمر القذافي العام الماضي.
أمن البعثات
وكان أوباما أعلن أمس أن إدارته تعمل على تعزيز أمن بعثاتها الدبلوماسية بالخارج بعد مقتل سفيرها في بنغازي.
وقال أوباما في كلمة ألقاها من حديقة البيت الأبيض بواشنطن "طلبت من إدارتي توفير كل الموارد اللازمة لتعزيز أمن موظفينا في ليبيا, وتشديد الأمن في بعثاتنا الدبلوماسية في شتى أنحاء العالم".
وأضاف أن بلاده تتعاون مع ليبيا بشأن الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي الذي أسفر عن مقتل السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة موظفين, وجرْح آخرين.
وقال في هذا السياق إن إدارته لن تتراجع حتى تحقيق العدالة, مشددا على ضرورة تقديم مرتكبي الهجوم على القنصلية إلى القضاء الليبي. بيد أن أوباما حرص في الوقت نفسه على التأكيد أن الحادث لن يؤثر على العلاقة بين واشنطن وطرابلس.
وشدد الرئيس الأميركي على رفض بلاده كل أشكال الإساءة إلى معتقدات الآخرين, لكنه قال في المقابل إنه لا مبرر للعنف.
وأضاف أن من نفذوا الهجوم على القنصلية لا يمثلون الليبيين, وأشار إلى أن مواطنين ليبيين حاولوا مساعدة الأميركيين العاملين في القنصلية, وحملوا جثة السفير إلى المستشفى.
وبدورها, قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إن الهجوم نفذته مجموعة صغيرة ومتوحشة لا تمثل ليبيا. وأضافت أنه لا يمكن تبرير الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي, وأن بلادها تعمل مع ليبيا لمحاكمة منفذي الهجوم.
وفي واشنطن أيضا, أعلن مسؤول أميركي لرويترز أن الولايات المتحدة بصدد إرسال فريق أمني لمكافحة الإرهاب تابع لمشاة البحرية لتعزيز أمن المقار الدبلوماسية الأميركية هناك.
واتصل رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي الجنرال مارتن دامبسي بالقس تيري جونز وطلب منه "التفكير بسحب دعمه للفيلم".
وقدمت السلطات الليبية اعتذارها إلى الولايات المتحدة، موجهة أصبع الاتهام إلى أنصار نظام القذافي وتنظيم القاعدة عن الهجوم الذي ارتكب في الذكرى الحادية عشرة لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
هجوم مدبر
يأتي ذلك في وقت رجح فيه مسؤولون أميركيون أن يكون هجوم بنغازي مخططا له وليس عفويا، مشيرين إلى أن هناك دلائل تشير إلى احتمال ضلوع أعضاء من وصفها بجماعة متشددة تطلق على نفسها "أنصار الشريعة" في تنظيم الهجوم.
وأضاف المسؤولون أن بعض التقارير الواردة من المنطقة تشير أيضا إلى احتمال ضلوع بعض أعضاء تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي.
من ناحيته أعلن رئيس لجنة الاستخبارات في الكونغرس الأميركي مايك روجرز أن الهجوم يحمل بصمات القاعدة، وقال لمحطة "سي أن أن" التلفزيونية إن هناك تفاصيل لا تزال غير واضحة.
وأضاف "منذ أشهر نرى القاعدة تبحث عن أهداف غربية في أي مكان في شمال أفريقيا. رصدنا بعض النشاطات التي أتاحت لنا التفكير اليوم بأن الأمر يتعلق بمجموعة تابعة للقاعدة".
وأقر مسؤول أميركي أثناء مؤتمر صحافي بالهاتف نظمته الأربعاء وزارة الخارجية أنه يجري "العمل وسط غموض المعلومات الأولية" لأن "الكثير من التفاصيل حول ما جرى في بنغازي لا يزال مجهولا أو غير واضح".
وقال مسؤول أميركي آخر إن الإدارة الأميركية تعمل الآن على فرضية الهجوم المدبر، مشيرا إلى أن بعض من سماهم بالمتطرفين استغلوا المتظاهرين الذين كانوا يحتجون على فيلم كذريعة للانقضاض على القنصلية الأميركية بأسلحة خفيفة ولكن أيضا بقاذفات صواريخ.
وأشار المسؤول إلى أنه عقب انهيار نظام القذافي العام الماضي تعرضت ترسانة الأسلحة الحكومية للنهب، وهو أمر أتاح وفرة من الأسلحة الصغيرة وأسلحة أكثر تعقيدا سواء لما وصفها بالجماعات المتشددة التي يحتمل وجودها في البلاد أو المتاجرين في السوق السوداء.
تفاصيل الهجوم
وكان مراسل الجزيرة في ليبيا أفاد في وقت سابق بأن السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز مات اختناقا في الهجوم على القنصلية.
وقال مدير مكتب الجزيرة بطرابلس عبد العظيم محمد إن ستيفنز مات اختناقا جراء الحريق الذي نشب في مبنى القنصلية، وإن هناك حالة استنفار قصوى في بنغازي.
وأضاف أن ثلاثة أميركيين آخرين -من بينهم اثنان من المارينز الأميركيين هرعوا لتأمين مبنى القنصلية- لقوا مصرعهم أيضا في الهجوم الذي شنه ليبيون غاضبون.
وفي نيويورك, قال ممثل ليبيا لدى الأمم المتحدة إن عناصر أمن ليبيين قتلوا أيضا في الهجوم.
واتهم مسؤول ليبي عناصر مرتبطة بتنظيم القاعدة وأخرى موالية لنظام العقيد الراحل معمر القذافي بالضلوع في الهجوم.
وقالت مصادر أمنية ليبية الأربعاء إن مسلحين هاجموا بالصواريخ مساء الثلاثاء القنصلية الأميركية، وألقوا قنابل يدوية الصنع خلال الهجوم الذي تخللته اشتباكات بين قوى الأمن والمسلحين وبينهم سلفيون، كما قال شهود. وأضرم المهاجمون النار في القنصلية التي تعرضت للنهب والتخريب.
وقال مصدر أمني إن رجال الأمن الليبيين المكلفين حراسة السفارة تركوا مواقعهم إثر الهجوم.
وتوجهت الاتهامات بدءا إلى مجموعة تسمي نفسها "أنصار الشريعة", بيد أنها نفت ضلوعها, وقالت إن ما حدث كان عبارة عن هبة شعبية.
ونقلت جثث الأميركيين من مطار طرابلس على متن طائرة أميركية بعد إحضارها على متن طائرة خاصة من بنغازي، وفق مصدر ملاحي.
وهجوم بنغازي هو الأسوأ على بعثة غربية في ليبيا منذ سقوط نظام القذافي في أكتوبر/تشرين الأول 2011، وهو دليل جديد على عجز السلطات عن ضمان الأمن في البلد الذي اشتد فيه ساعد المليشيات المسلحة.
ويعود آخر هجوم قتل فيه سفير أميركي إلى 14 فبراير/شباط 1979 وهو أدول دوبس الذي قتل في هجوم نفذته القوات الأفغانية للإفراج عنه بعد أن اختطفه إسلاميون في كابل.