بعد أفول نجم القاعدة في العراق عاود التنظيم الظهور في سوريا المجاورة مما سبب أزمة للمعارضة التي تقاتل من أجل الإطاحة بالرئيس بشار الأسد ودفع الغرب إلى رفض تقديم الدعم العسكري للانتفاضة السورية.
فصعود جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في سوريا التي صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية الأسبوع الماضي يمكن أن يؤدي إلى مواجهة طويلة ودامية مع الغرب وربما مع إسرائيل.
وفي سوريا تستغل الجبهة الانقسام الطائفي المتزايد لتجنيد السنة الذين يرون أن الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد والتي تهيمن على السلطة والأجهزة الأمنية في البلاد تحرمهم من حقوقهم.
ويبدو أن جبهة النصرة اكتسبت شعبية في بلد زاد فيه الطابع الديني مع تزايد عنف السلطات في مواجهة الانتفاضة التي يقودها السنة.
وأعلنت الجبهة مسؤوليتها عن تفجيرات كبرى ودامية في دمشق وحلب وانضم مقاتلوها إلى وحدات أخرى من المعارضة في هجمات على قوات الأسد.
وتقول مجموعة سايت انتليجنس المتخصصة في مراقبة المواقع الإسلامية على الإنترنت إن جبهة النصرة أعلنت مسؤوليتها في يوم واحد فقط الشهر الماضي عن 45 هجوما في محافظات دمشق ودرعا وحماة وحمص أفادت تقارير بأنها أسفرت عن مقتل العشرات منهم 60 في تفجير انتحاري واحد.
وقالت المجموعة "في 18 بيانا صدرت على منتديات جهادية... معظمها تحتوي على صور للهجمات أعلنت جبهة النصرة مسؤوليتها عن كمائن واغتيالات وتفجيرات وهجمات على قوات الأمن السورية والشبيحة."
وقال أعضاء من المجموعة أجرت رويترز مقابلات معهم إن جبهة النصرة تهدف إلى إحياء الخلافة الإسلامية.
ويدق ذلك ناقوس الخطر لدى الكثيرين في سوريا من الأقلية المسيحية والعلوية والشيعية إلى السنة المحافظين غير المتشددين الذين يخشون أن تسعى الجبهة إلى تطبيق نظام حكم يشبه نظام طالبان.
ودفعت المخاوف من القمع الديني الأكراد بالفعل إلى تحصين منطقتهم في مدينة حلب وكانت وراء اشتباكات عنيفة بين مقاتلي الأكراد وجبهة النصرة في بلدة راس العين الحدودية في نوفمبر تشرين الثاني.
وتتعارض أفكار النصرة أيضا مع ائتلاف جديد للمعارضة السورية اعترفت به عشرات الدول الأسبوع الماضي باعتباره بديلا للأسد ويلتزم بتأسيس حكم ديمقراطي يحل محل حكم الرئيس السوري.
وقال عمر (25 عاما) وهو خريج جامعي ومجند سابق بالجيش إنه انشق وانضم إلى جبهة النصرة بسبب القمع الذي تعرض له لكونه سنيا على يد الضباط العلويين الذين يحتكرون جميع المراتب العليا في الجيش تقريبا.
وقبل الانتفاضة قال عمر إنه كان يؤيد في قرارة نفسه حزب التحرير وهو حزب إسلامي دولي يسعى لاستعادة الخلافة الإسلامية التي ألغاها التركي العلماني مصطفى كمال أتاتورك عام 1924.
وقال عمر عبر الهاتف من منطقة ريفية قرب مدينة حلب "الصلاة محظورة في الجيش وإذا اشتبهوا في أنك تصلي ينقلونك إلى أبعد أماكن."
وأضاف "هدفنا هو خلع الأسد والدفاع عن شعبنا من القمع العسكري وإقامة الخلافة. الكثيرون في الجيش السوري الحر يتبنون أفكارا مثل أفكارنا ويريدون دولة إسلامية."
وتابع قائلا "اشتهرنا نحن وإسلاميون آخرون بأننا قادرون على خوض المعركة. كثيرون يريدون الانضمام إلى النصرة ولكن ليس لدينا أسلحة كافية لإمدادهم بها."
غير أن معلمة تعيش في منطقة الموكمبو وسط حلب قالت إن طريقة تفكير جبهة النصرة بغيضة.
وأضافت "تعتقد النصرة أن بإمكانها تبرير كل أفعالها بهتافها الله أكبر. لم ننتفض لننتقل من الذل تحت حكم الأسد إلى ذل الخضوع لحكم القاعدة."
وقالت مصادر من المعارضة إن كثيرا من السوريين الذين قاموا بتسهيل انتقال جهاديين من سوريا إلى تنظيم القاعدة في العراق في ذروة حملته ضد القوات الأمريكية هناك يقاتلون الآن مع جبهة النصرة بينما يعمل الجهاديون في العراق على ترتيب نقل الأفراد وتكنولوجيا تصنيع القنابل إلى سوريا.
ولم يتضح بعد مصدر تمويل النصرة رغم أن احتمال قدومه من العراق أيضا قائم.
وقال إبراهيم وهو شاب من أعضاء جبهة النصرة بمحافظة إدلب إنه احتجز في سجن صيدنايا الواقع إلى الشمال من دمشق والذي قتل فيه 170 سجينا معظمهم من الإسلاميين بعد أن أخمد الجيش تمردا في عام 2007. وأضاف "نريد الثأر."
ولدى سؤاله حول بيان أمريكي أفاد بأن عمليات النصرة تسفر عن مقتل الكثير من المدنيين قال إبراهيم إن هناك مبالغة.
وقال "تنفجر القنبلة أمام مجمع أمني تحرسه أربع سيارات مليئة بالشبيحة الذين يرتدون ملابس مدنية. يموت الشبيحة وتقول وسائل الإعلام الحكومية إنهم مدنيون. ملابسهم فقط هي المدنية."
ونشرت عدة مقاطع مصورة على الإنترنت في الأسابيع الماضية يظهر فيها أشخاص يقال إنهم معارضون مرتبطون بجبهة النصرة وهم يطلقون النار وفي بعض الأحيان يقطعون رؤوس جنود الأسد.
غير أن النصرة لا تزال تحظى بشعبية واسعة على ما يبدو. وأظهر مقطع مصور نشر يوم الجمعة حشودا في جنوب سوريا بؤرة اندلاع الانتفاضة وهي تستنكر تصنيف الولايات المتحدة للجبهة كمنظمة إرهابية ويهتفون "جبهة النصرة تحمينا."
وقال فاروق طيفور نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا والذي قاتل ضد نظام حافظ الأسد والد بشار في ثمانينات القرن العشرين إنه لا يزال من السابق لأوانه للغاية تصنيف مقاتلي المعارضة. وأضاف أن البعض انضموا إلى النصرة للدفاع عن منازلهم دون أن يتبنوا أفكارها.
ولم تتضح هوية قادة جبهة النصرة. ويقول البعض إن زعيمها شخص يدعى محمد الجولاني جنسيته غير معلومة.
غير أن نشطا إسلاميا معارضا جاب شمال ووسط سوريا قبل أيام قليلة والتقى مع قياديي النصرة قال إن الجبهة أشبه بمنتدى ليس بين وحداته تنسيق يذكر.
وقال "ليست جماعة متجانسة. فطبيعة النصرة في دمشق أكثر تسامحا منها في إدلب. لديها قاعدة شعبية حقيقية في إدلب حيث يشكل السوريون معظم أعضاء النصرة على عكس حلب ودمشق."
وأضاف أن الجماعة لم تبد ما ينم عن أنها تسعى لفرض سيطرة على غرار طالبان. وتابع "الكثير من المعارضين الذين التقيت معهم يقولون إنهم انضموا إلى النصرة لأنها تمتلك أسلحة استولت على معظمها من الهجمات وإنهم سيعودون إلى ديارهم بعد الانتفاضة."
لكن الكثير من نشطاء المعارضة المنتمين إلى تيار الوسط يخشون أن ترفع النصرة السلاح في وجه أي نظام من خارج التيار الإسلامي يمكن أن يأتي بعد الأسد.
وقال معارض على صلة بالجماعات الجهادية طلب عدم الكشف عن اسمه "السؤال الرئيسي هو كيف يمكن احتواء النصرة في سوريا بعد الأسد."
وأضاف "النصرة نوع من الجماعات التي يمكن أن تصف أكثر رجال الدين ورعا بأنه ملحد وتقتله داخل أحد المساجد لمجرد أنه لم يتفق معها في الرأي."
ويقدر عدد أعضاء جبهة النصرة بالآلاف ويتمتعون بقوة خاصة في منطقتي حلب وإدلب الشماليتين حيث انضموا إلى جماعات إسلامية مثل أحرار الشام ولواء التوحيد أو نفذوا عمليات مشتركة معها.
وفي دمشق وحولها يقل عدد أعضاء الجبهة ولكنهم يحتفظون بقوتهم هناك وفي بعض الأماكن يبعدون مسافة 20 كيلومترا فقط عن جبهة الجولان التي تحتلها إسرائيل.
وقال أبو منذر وهو مهندس انضم إلى صفوف المعارضة ويعمل على الحدود الجنوبية لدمشق ويذهب إلى الأردن ليلتقي مع معارضين آخرين في عمان إن عدد أفراد النصرة يقدر بالمئات في دمشق مقابل الآلاف في الشمال.
ولكن هذه الأعداد قد تزيد. وأعلن لواء المجاهدين في حي التضامن بجنوب دمشق تحالفه مع النصرة بعد اختلافه مع جماعات عسكرية تحظى بدعم عربي ويتزعمها ضباط منشقون.
وقال معارض آخر طلب عدم ذكر اسمه إن أجهزة المخابرات الدولية تسعى للحد من نفوذ النصرة في دمشق وسهل حوران الجنوبي القريب من مرتفعات الجولان والحدود الأردنية.
وأضاف "تدرك أجهزة المخابرات العالمية أن النصرة تشكل أكبر تهديد في سوريا ما بعد الأسد وتخصص المزيد من الموارد للتعامل مع هذا التهديد."
وتابع "للمرة الأولى توجد القاعدة على مقربة من إسرائيل... الكثيرون يدركون أن أفضل ما يمكن القيام به الآن هو احتواؤها في شمال سوريا -حتى وإن كانت المنطقة تواجه خطر التحول لإمارة إسلامية من نوع ما- مع السعي وراء تشكيل حكومة مدنية في دمشق وحولها.