تباينت الآراء حول إمكانية تمديد فترة عمل المحال التجارية إلى ساعات متأخرة من الليل ما بين مؤيد ومعارض، في وقت يؤكد فيه "الأمن" أن لا علاقة لذلك بمعدل ارتفاع أو انخفاض الجريمة، بينما يرى آخرون أن الإغلاق المبكر يزيد من ترابط الأسر، ويحمي أبناءها من "التسكع" في الشوارع إلى أوقات متأخرة من الليل، ويرد عليهم مختصون نفسيون بأن ذلك ليس له علاقة من ناحية ارتباط الشباب بأسرهم؛ كون هذا العمر يتميز بالرغبة في الاستقلالية، والالتقاء بالأقران أكثر من الأسرة، ولا جدوى من الإغلاق المبكر لهذا السبب طالما لم يوجد بدائل مناسبة تستوعبهم.
عواقب وخيمة
وأكد "فواز بن سعيد" على أن استمرارية بقاء المحال التجارية مشرّعة أبوابها إلى ساعات متأخرة من الليل أمر له عواقب وخيمة، أقلها أن يتعوّد غالبية المجتمع -وخصوصاً الشباب- على السهر وعدم احترام الوقت، والتأخر في العودة إلى المنزل، إلى جانب تنامي تصرفات المراهقين في المعاكسات ومضايقة الأسر، وزيادة الحوادث، مطالباً بإغلاق "التموينات" الصغيرة داخل الأحياء عند ساعات الليل الأولى؛ كونها تسبب تجمعات شُبان الحي وإزعاجاً للأهالي، على أن يتم الاكتفاء بالمراكز التجارية الكبيرة في العمل في وقت متأخر من الليل، وتكون بشكل منظم مثل نظام الصيدليات، بحيث يتم العمل بنظام مناوبات دون أن تكون جميعها مفتوحة.
تشتت أسري
وبينت "أم خالد" أن زوجها يعمل في القطاع الخاص وعمله يُحتم عليه البقاء إلى وقت متأخر من الليل؛ مما يتسبب في كثير من المشكلات المحتملة مثل التفكك الأسري للعائلة والبعد عن الأبناء، مبينةً أن تنظيم العمل في تلك المحال يتيح المجال لأرباب الأسر تنظيم أوقاتهم وتشجيعهم على العمل، موضحة أن بعض احتياجات المنزل لا يتم شراؤها إلاّ بعد عودة زوجها من العمل.
وذكرت "نجد" أن الوقت الذي تُجبر فيه المطاعم والتموينات على الإغلاق غير كافٍ، خاصة في المدن الكبرى التي بعض سكانها لا ينامون في الليل إلاّ متأخراً، لوجود شركات تعمل على مدار الساعة، ويكون لديهم احتياجات أسرية لا يمكن تلبيتها إلاّ بعد الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل.
ظروف مختلفة
وقال "مسفر الماجد" -مدير التسويق في أحد المجمعات التجارية- إن الأمر يعود في النهاية للمتسوق، فهو من يبحث عن الخدمة المناسبة في الوقت المناسب وبالسعر المناسب، وهناك كثير من المتسوقين لديهم استعداد للتسوق حتى الساعة الثانية فجراً من العوائل كلٌ حسب ظروف حياته العملية فنحن لسنا في قرية أو هجرة، بل في مدينة سكانها يعملون ليلاً ونهاراً دون انقطاع، بدليل وجود المتسوقين في "الهايبرماركت" إلى أوقات متأخرة بحسب ما تقتضيه ظروفهم على اعتبار أن المحال التجارية مفتوحة على مدار الساعة، وهذه من عوامل جذب الاستثمار والسياحة، متأملاً السماح للمجمعات التجارية و"السوبر ماركت" فتح الأبواب إلى الثالثة فجراً.
ضوابط أمنية
واقترح "سعيد الرشيدي" أن يكون هناك محلات تجارية كبيرة في كل حي تخدم سكانه، وتعمل على مدار "24" ساعة وفق ضوابط أمنية، وهذا النظام يسري في بعض المدن الكبرى، وعلى الجهات الرسمية متابعة تلك المركز وإلزامها بوضع حراسات أمنية وخلافة، مبيناً أنه ضد إقفال المحلات والمراكز التجارية في وقت مبكر؛ لأن ظروف الناس تختلف وحياتهم تتطلب قضاء حوائجهم في أوقات مختلفة.
خصائص نفسية
وأكد "د.ابراهيم الصيخان" -مستشار أسري في التوجية والإرشاد النفسي- على أن كثيرا من القضايا التي نتعامل بها في عملية العلاج لمشكلاتها؛ نجد المفكرين للأسف فقط ينظرون للأمر من جانب واحد وهم في ظنهم أنهم قد أصابوا القرار، وهم لم ينظروا إلى الصورة بنظرة شمولية من جميع الجوانب، مبيناً أن من يفكر باتخاذ قرار إغلاق المحال مبكراً من أجل إعادة الشباب إلى منازلهم هم لا يعرفون خصائص تلك المرحلة وحاجتها الاجتماعية والنفسية؛ فالشباب في مثل هذا العمر هم بحاجة إلى الاستقلالية وقضاء الوقت الذي يشعرهم بذواتهم ويشبع حاجاتهم، وليس لفتح الأسواق أو إغلاقها علاقة مباشرة بارتباطهم بأسرهم، فهذا العمر يتميز بالاستقلالية والالتقاء بالأقران أكثر من ارتباطهم بأسرهم، لذا من العبث الظن بأن يكون هذا الفعل هو من يجعل الشباب يعودون إلى أسرهم ومنازلهم؛ فلو كان هناك مكان يستوعب الشباب غير الاسواق لكان أنجح في الاستيعاب والعلاج.
وقال إن هناك خطورة كبيرة في فتح الاسواق إلى وقت متأخر جداً من الليل؛ لأن التسيب بالأسواق بلا هدف يخلق سلوكاً غير سوي، وغير منضبط عند كثير من الشباب خاصة عندما يكون هذا السلوك جماعياً وهذا من صفات سلوك هذه المرحلة العمرية، وما نشاهده من تصرفات على أرض الواقع خيرُ دليل، داعياً إلى أن ننظر إلى المشكلة من عدة زوايا، من جهة نريد أن نُعيد الأسرة ونحافظ عليها، ومن جهة أخرى يجب أن نعطي الشباب حقهم في وجود أماكن تستوعبهم للتنفيس عن حاجاتهم وطاقاتهم بشيء من الانضباط، وتوفير بدائل للأسرة.
وأضاف أن فتح المحال التجارية إلى وقت متأخر من الليل ليس له علاقة بوقوع الجريمة أو الحوادث أو غيرها، لافتاً أنه ليس لدينا إحصائيات دقيقة حتى نعرف سبب تأثير ذلك، ولكن لا ننكر من جهة أخرى أن هناك بعض المشكلات التي تصدر من الشباب، ولو تم رصد تلك السلوكيات ومسبباتها لشخّصنا المشكلة بصورة أكثر وضوحاً.
مقياس غير دقيق
وأوضح المقدم "زياد الرقيطي" -الناطق الإعلامي لشرطة المنطقة الشرقية- أنه لا يوجد نظاما ما يشير إلى اغلاق المحلات التجارية عند العاشرة مساءً، وإنما ما نصت عليه التعليمات المنظمة لعمل المحال التجارية بشكل عام، هو أن يكون الاغلاق عند الساعة الثانية عشرة كحدٍ أقصى، وقد تستمر إلى الواحدة ليلاً في الأعياد والإجازات المدرسية، وفيما يتعلق بالمطاعم ومحال الوجبات السريعة تمتد إلى الساعة الثانية بعد منتصف الليل بعد توفير الاحتياطات الأمنية اللازمة.
وقال إذا تحدثنا عن الجريمة بشكل عام فلا يمكن ربط إغلاق المحال التجارية كمقياس دقيق لانخفاض الجريمة أو ارتفاعها بمجملها؛ فقد تنخفض لدينا قضايا سرقات المحال نفسها، ولكن قد تزداد لدينا أنواع أخرى من القضايا الجنائية مثل قضايا السطو والسلب والاعتداء على النفس، مبيناً أن هناك محلات يسمح لها بالعمل إلى وقت متأخر مثل "الهايبرماركت" و"السوبر ماركت" وفق مساحات محددة والصيدليات وفق تنظيم من الشؤون الصحية ومراكز خدمة التزود بالوقود، وجميع تلك النشاطات تحتاج إلى توفير الاحتياطات الأمنية اللازمة من أجل الحصول على التصريح اللازم، مبيناً أن ما يتم تسجيله من وقائع، مشيراً إلى أن التواجد الأمني -سواء رجال حراسات أمنية معنيين بحراسة المجمعات أو رجال أمن ودوريات أمنية- في محيط المجمعات الخارجية قائم على مدار الساعة في ظل فترة مزاولة نشاط المجمع التجاري أو أثناء فترة إغلاقه.
وأضاف:"في الوقت الحاضر ننتظر تنظيماً لمعالجة كثير من المشكلات ومعالجة متطلبات الحياة التي تعج بالعراك اليومي في شوارع مزدحمة، ومن هذا المنطلق فإن توحيد أوقات إغلاق وفتح المحال التجارية في أي وقت كان هو الأهم في ذلك "التنظيم"؛ حيث أصبح من الضرورة في بعض مناطق المملكة تصحيح روتين الحياة اليومية العشوائية بتنظيم سليم لحياة سليمة وهادئة".