على صغر المساحة الجغرافية للبحرين فإن موقعها المحوري بين دول الخليج العربي وإيران، وتركيبتها السكانية التي تجمع بين أغلبية شيعية وأقلية سنية حاكمة تجعلها بلدا ذا طبيعة إستراتيجية بالغة، هذا فضلا عن احتضانها للقاعدة العسكرية البحرية الرئيسية للولايات المتحدة الأمريكية في قلب الخليج العربي.
وتعيش مملكة البحرين وضعا سياسيا هشا تتجاذبه احتجاجات الشارع التي لم تهدأ منذ انطلاقها في 14 فبراير/شباط 2011 وخطط الحكومة في إطلاق حوار وطني مع المعارضة الشيعية لوقف التوتر السياسي والأمني الذي تعيشه البلاد.
يذهب المراقبون إلى أن البحرين، في حال انهار نظام الأسد في سوريا، ستصبح المملكة الوحيدة في منطقة الشرق العربي التي تحكمها طائفة تمثل الأقلية من حيث عدد السكان. يقول "فريدريك ويري" الباحث في "مؤسسة كارينغي للشرق الأوسط": "في ظلّ احتمال سقوط الحكومة التي يهيمن عليها العلويون في سوريا، ستصبح أسرة آل خليفة في البحرين قريباً الأقلّية الطائفية الوحيدة في الشرق الأوسط التي تحكم أغلبية لاتكاد تملك رأياً في حكومتها".
وتناقلت وسائل إعلام خليجية أنباء عن خلافات داخل الأسرة الحاكمة في البحرين واستياء أبداه عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة أعقبه فتح تحقيق في شكوى تقدم بها وزير الديوان الملكي خالد آل خليفة اتهم فيها ديوان ولي العهد بتزويد صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية بمعلومات عن صراع محتدم داخل الأسرة الحاكمة على خلفية التوتر الذي تعيشه البلاد.
وقالت "وول ستريت جورنال"، نقلا عن شخصيات من داخل القصر الملكي قابلتهم الصحيفة، إن الصراع محتدم داخل الأسرة الحاكمة بين فرعين: جناح أول يمثله الملك وولي عهده وجناح ثان يمثله فرع "الخوالد" الذين تم تهميشهم لفترة طويلة وتقوم قاعدة سلطتهم على الخط المتشدد في الحركة الإسلامية السنية.
وذكرت الصحيفة أن "الخوالد" تمكنوا خلال السنوات الأخيرة من السيطرة على مؤسسات هامة داخل الدولة منها الأمن والمخابرات والقضاء.. وباتوا يشغلون مواقع حساسة في محيط الملك حمد.
وتجسد الخلاف بين الجناحين في التعامل مع التوترات التي عاشتها البلاد خلال السنتين الماضيتين، حيث أنه في الوقت الذي مال فيه الملك حمد بن عيسى وولي عهده إلى دعم الحوار مع المعارضة الشيعية وعرض التسويات معها انصياعا للضغط الأمريكي، اختار جناح الخوالد مقاربة احتجاجات الشيعة باعتبارها مشاكل أمنية تتم تسويتها بوحدات الشرطة والأمن.
وقد يعكس استمرار مواجهات الشارع والفشل المتوالي لجولات الحوار بين الملك والمعارضة النفوذ المتصاعد للخوالد داخل الدولة يقابله توجه من المعارضة الشيعية نحو التصلب.
الانقسامات ليس أمرا ملكيا خالصا في البحرين، بل إن فشل المعارضة الشيعية ممثلة في "جمعية الوفاق" في تحقيق مكاسب منذ بدء الحركة الاحتجاجية في 2011 دفع القواعد الشيعية في الشارع نحو مزيد من التصلب والتشدد.
وقد تجسد هذا المسار الجديد داخل المعارضة الشيعية في ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير الذي يبدي استياءه من الأداء السياسي لجمعية الوفاق في حوارها مع الملكية وضعف النتائج التي أحرزتها، ويتجه إلى توجيه حراكه نحو احتجاجات الشارع والتصادم العنيف مع وحدات الشرطة.
ويصب تيار الائتلاف في صالح الملكية، حيث أنها استغلته لتشويه صورة المعارضة الشيعية وضربها وكشف ارتباطاتها بأجندة شيعية خارجية، كما أن الائتلاف يخدم في نفس الوقت مطالب جمعية الوفاق التي تضغط على الملك وتقدم نفسها باعتبارها تيارا معتدلا مستعدا للتسوية.
يقول "فريدريك ويري" من كارينغي: "تتحدّى القوى الشبابية على الساحة السياسية الشيعية، على نحو متزايد، التأثير التقليدي لرجال الدين الشيعة.. فمنذ انتفاضة دوار اللؤلؤة، اكتسبت القوى الشبابية ضعيفة التنظيم أهمية أكبر، ويعود ذلك في جزء منه إلى استخدام تكنولوجيا شبكات التواصل الاجتماعي".
وفي مقابل هذا التنامي التدريجي لشباب الاحتجاجات الشيعية، يتنامى الغضب السنّي من النظام بسبب الفوارق الطبقية المتزايدة، يضيف الباحث الأمريكي، فيما الأجنحة المتشدّدة في الأسرة المالكة سَعَت إلى استغلال الشقاق وإعادة توجيهه ضدّ الشيعة. لكن هذه الخطوة استراتيجية خاسرة تؤجّج نار الطائفية في المجتمع البحريني.