كشفت مصادر مطلعة لـ»الجزيرة» أن البرنامج الوطني لتطوير التجمعات الصناعيَّة، بدأ فعليًّا التنسيق مع الجهات المعنية لوضع الآليات المناسبة لتوفير احتياجات تحقيق توطين صناعة السيَّارات في المملكة من حيث التسهيلات والحوافز الأزمة لجذب هذه الصناعة أو أجزاء منها سواء أكانت برأسمال استثماري محلي أو أجنبي.
ويأتي هذا التحرُّك في إطار إنفاذ قرار مجلس الوزراء الصادر مؤخرًا والقاضي بتمديد العمل بالبرنامج الوطني لتطوير التجمعات الصِّنَاعية خمسة أعوام أخرى تبدأ من 25-4-1434هـ، وأن يَتمَّ التنسيق بين وزارة البترول والثَّرْوة المعدنية، وزارة المالية، وزارة الاقتصاد والتخطيط، وزارة التجارة والصناعة، ووزارة العمل لمراجعة الآليات الحالية التي تمكَّن المملكة من إقامة صناعة منافسة عالميًّا للسيَّارات أو أجزائها.
ومن المعلوم أن برنامج التجمعات الصِّنَاعية يُعدُّ إحدى المبادرات الحكوميَّة التي تَمَّ تأسيسها لتقود مهمة تنمية وتطوير خمسة من القطاعات الصِّنَاعية سريعة النمو في المملكة التي تتجه نحو التصدير وهي صناعة السيَّارات وأجزائها، صناعة المعادن، صناعة الطَّاقة الشَّمسية، صناعة البلاستيك وموادّ التغليف، صناعة الأجهزة المنزلية.
وأكَّدت المصادر ذاتها، أن البرنامج وصل إلى مراحل متقدِّمة في المفاوضات مع شركة لاند روفر لإتمام المرحلة الثانية لبناء مصنع للسيَّارات تصنع في المملكة فقط وذلك بعد توقيع الاتفاقية المبدئية مؤخرًا معها، لافتة إلى أن استمرار المفاوضات بالمستوى الحالي من القُوَّة والجدية ستنطلق الشَّركة في الإنتاج وفق الموعد المحدد والمقرر في منتصف 2016.
كما أشارت إلى أن البرنامج يجري حاليًا مفاوضات مع عدد من الشركات العالميَّة لتوطين الصناعات المستهدفة من قبله التي منها السيَّارات، ومبينًا أن نقل صناعة من بلد إلى آخر تحدٍ كبير أمام البرنامج.
أمام ذلك، كشف وزير التجارة والصناعة الدكتور توفيق الربيعة النقاب عن وجود اهتمام كبير من قبل عدد من الشركات العالميَّة المصنعة للسيَّارات لافتتاح مصانع لها بالمملكة خاصة بعد النجاح الذي حققته الوزارة والبرنامج في تدشين مصنع شركة ايسوزو لصناعة الشاحنات بالمملكة، مشيرًا إلى أن شركات مثل مرسيدس ولاندروفر وشركات أخرى لصناعة الشاحنات تبحث مع البرنامج الوطني لتطوير التجمعات الصِّنَاعية ووزارة التجارة والصناعة إقامة مصانع لها في المملكة.
عدّ الوزير قرار مجلس الوزراء بشأن تمديد العمل بالبرنامج الوطني لتطوير التجمعات الصِّنَاعية أنه تأكيد من حكومة خادم الحرمَيْن الشريفَيْن الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله- على اهتمامه الكبير بالقطاع الصناعي، مشيرًا إلى أن خادم الحرمَيْن الشريفَيْن دائمًا ما يؤكِّد أن «الصناعة هي خيارنا لتنويع مصادر الدخل».
وأضاف أن التمديد للبرنامج الوطني لتطوير التجمعات الصِّنَاعية وغيره من سبل الدَّعم المستمر من حكومة خادم الحرمَيْن الشريفَيْن -حفظه الله- لقطاع الصناعة يؤكِّد مرة تلو الأخرى توجه المملكة لدعم القطاع الحيوي الذي يؤمل منه أن يجعل المملكة دولة صناعيَّة متقدِّمة قريبًا.
وحول حجم الاستثمارات المتوقعة لقطاع صناعة السيَّارات بالمملكة خلال الفترة القادمة، رأى وزير التجارة والصناعة أنّه من الصعوبة التنبؤ بحجم الاستثمارات في مجال السيَّارات بالمملكة «ولكننا متفائلون، حيث إننا وجدنا اهتمامًا كبيرًا من كثير من الشركات العالميَّة، وعلى سبيل المثال شركة ايسوزو تصنع في المملكة، وكذلك شركة مرسيدس، إلى جانب أن هناك شركة شاحنات أخرى لا زلنا معها في نقاش لافتتاح مصنع لهم في المملكة، كما وقعنا مع شركة لاند روفر اتفاقية مبدئية لبناء مصنع في المملكة لسيَّارات تصنع في المملكة فقط».
ويعمل برنامج التجمعات الصِّنَاعية على تحفيز تنمية تجمعات صناعيَّة موجَّهة للتصدير وقادرة على المنافسة عالميًّا على المدى الطويل وذلك باستغلال الطَّاقة المتوفرة في المملكة والموارد البتروكيماوية والمعدنية فيها، فيما تهدف هذه التجمعات الصِّنَاعية إلى تنويع الاقتصاد وإيجاد المزيد من فرص العمل المتميزة. ويَتمُّ حاليًا تأسيس خمسة تجمعات صناعيَّة، تجمع صناعة السيَّارات وأجزائها، تجمع صناعة المعادن، تجمع صناعة الطَّاقة الشَّمسية، تجمع صناعة البلاستيك وموادّ التغليف، تجمع صناعة الأجهزة المنزلية وفي كلٍّ منها يعمل فريق عمل محترفًا في مجال تنمية وتطوير القطاع الصناعي المستهدف وتسهيل أعمال المستثمر وتقديم المشورة والدَّعم الفني والتَّقني بما يعود بالفائدة على اقتصاد المملكة والمستثمرين، فيما تنفرد التجمعات الصِّنَاعية بدور الخبير المساعد الذي يقدم العون للمستثمرين في تأسيس أعمالهم وازدهارها وتطويرها.
وترمي التجمّعات الصِّنَاعية إلى بناء معرفة وقاعدة معلومات تنافسية لإنشاء تجمعات صناعيَّة قابلة للتنفيذ ومجدية ماديًا، ووضع الإستراتيجيات التي تمكّن من تنفيذها إضافة إلى مراقبة اتجاهات الأسواق العالميَّة والفرص والمخاطر، تحويل فرص الاستثمار إلى مشروعات على أرض الواقع عن طريق تطوير مشروعات محورية لِكُلِّ تجمّع صناعي وإلى وضع وتقديم السياسات العامَّة لتمكين التجمّعات من الحصول على العوامل التي تحتاجها لجذب الاستثمارات والحفاظ عليها وإيجاد بيئة تتَّصف بالتحفيز والتعاونيَّة بين مؤسسات القطاعين العام والخاص المختلفة بهدف إيجاد حوار إستراتيجي متجانس لتوحيد الجهود والموارد والرَّؤَى لتنفيذ صناعات ومشروعات جديدة، دعم المستثمرين المحليين والأجانب في وضع دراسة تبرير لقيام المشروع.
ويتَضمَّن الدَّعم الذي تقدمه التجمعات الصِّنَاعية للمستثمرين تقديم النُصح والاستشارة فيما يتعلّق بتأسيس الأعمال في المملكة مجانًا، تقديم الإحصاءات فيما يتعلّق بالاقتصاد، والنفط والمعادن، والتجارة والصناعة، والسياحة، والمياه والكهرباء، والاتِّصالات، والمواصلات، والتَّعليم، والسكّان، والقوى العاملة وكل ما يتعلّق بإحصاءات البنية التحتية الأساسيَّة إضافة إلى الاشتراك في إجراء الأبحاث السوقية عن التجمعات الصِّنَاعية المستهدفة والاشتراك مع المستثمر في وضع دراسة مُسوِّغات قيام المشروع والقيام بمهمة تقديم المستثمر إلى الجهات الحكوميَّة والشركات المعنية والمساعدة في تحديد أفضل المناطق المحتملة، والمواقع، والموردين، وكذلك المُوظَّفين.
بدوره، رفع رئيس البرنامج الوطني لتطوير التجمعات الصِّنَاعية المهندس عزام شلبي شكره لخادم الحرمَيْن الشريفَيْن الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله- لموافقة مجلس الوزراء على قرار تمديد العمل بالبرنامج الوطني لتطوير التجمعات الصِّنَاعية لخمسة أعوام قادمة.
وقال: إن البرنامج تمكّن من جذب عدد من الشركات العالميَّة المصنعة للسيَّارات والشاحنات ويعمل على توطين صناعة السيَّارات بالمملكة، مؤكِّدًا أن من أبرز النجاحات للبرنامج افتتاح مصنع شركة ايسوزو في المملكة.
وأفاد شلبي أن البرنامج يعمل حاليًا على مشروع إنتاج سيَّارات الركاب من شركة لاند روفر البريطانية وأن المشروع سيمثِّل نقلة نوعية لتوطين صناعة السيَّارات في المملكة، مشددًا على أهمية قيام صناعة للسيَّارات وأجزائها وقطع غيارها بالمملكة وذلك نظرًا لارتفاع حجم استيراد المملكة من السيَّارات التي تتجاوز 50 مليار ريال سنويًّا، مؤكِّدًا أن هذا الرقم يمثِّل فرصة كبيرة لتوطين صناعة السيَّارات.
أمام ذلك، رأى اقتصاديون أن لدى المملكة إمكانات لنجاح قطاع صناعة السيَّارات والشاحنات بها نظرًا لتوفر الموادّ الأساسيَّة كالحديد والبلاستيك والألمنيوم والزجاج، إضافة إلى وجود صناعات رديفة ومساندة لصناعة السيَّارات تطرح منتجاتها في المملكة وخارجها لتكون رافدًا مهمًا لصناعة السيَّارات.
ووصف رئيس مجلس إدارة غرفة الرياض التجاريَّة والصِّنَاعية الدكتور عبدالرحمن الزامل فكرة إنشاء التجمعات الصِّنَاعية بالمملكة بالرائدة والرائعة لأنّها عملت على جمع كافة أصحاب المصلحة والمسؤولين في القطاعات الخمسة التي يستهدفها البرنامج ومن بينها صناعة السيَّارات التي تتطلب خدمات وتقنيَّة عالية، ومؤكِّدًا أن هناك حاجة لوجود مثل هذا البرنامج لتنمية الصناعات المتخصصة في المملكة وإعطائها قوة دفع وتقديم كل التسهيلات لها لضمان نجاحها في توطين التقنيَّة ونقل المعرفة وقيام استثمارات ضخمة في هذه المجالات التي يستهدفها البرنامج التي لا يمكن للقطاع الخاص الإقدام عليها ما لم يكن هناك تحركٌ حكوميٌّ كبيرٌ ليقوم القطاع الخاص بدور المساند لهذا التوجه.
وأبان الزامل أن تكلفة فاتورة استيراد السيَّارات بالمملكة التي تُعدُّ السُّوق الأكبر في المنطقة يجعل من اختيار المملكة لصناعة السيَّارات خيارًا صائبًا بهدف تقليل تكلفة الاستيراد وتنمية صناعات رديفة ومساندة لها حيث تتكلف سنويًّا 50 مليارًا يمكن توفير جزء منها عبر الصناعة المحليَّة واستقطاب استثمارات أجنبية من شركات أجنبية متقدِّمة في هذا المجال.
وأكَّد أن المملكة تقدم حوافز مشجِّعة لنجاح الصناعة بِشَكلٍّ عام من قروض وأراضٍ ومناطق ومدن صناعيَّة وإقامة بني تحتية وهي عوامل مشجِّعة لإنجاح المشروعات الصِّنَاعية في مختلف المجالات وقطاع السيَّارات أحدها، مشيرًا إلى أن البرنامج يهدف إلى تحفيز الصناعات ذات التقنيَّة العالية التي تحتاجها المملكة لإقامتها مشروعات متخصصة في البلاد.
وتوقع الزامل أن نجاح إقامة مشروعات لصناعة السيَّارات وأجزائها في المملكة سيعمل على تنشيط وتوسعة المصانع المساندة لقطاع السيَّارات بالمملكة والقائمة فعليًّا وزيادة الاستثمارات فيها وزيادة إسهاماتها في إنشاء مصانع لأجزاء السيَّارات لتكون مساندة للمصانع الكبرى المتخصصة في الفترة القادمة. وقال: إن دراسات سبق أن أجريت على مستوى برنامج التوازن الاقتصادي بالمملكة لتحفيز الشركات المصنعة على صناعة منتجاتها بالمملكة بنسبة لا تقل عن 30 في المئة من قيمة العقود التي تحصل عليها تلك الشركات المتعاقدة مع المملكة.
وكشفت تلك الدِّراسات المعمقة أن نجاح إقامة صناعات متخصصة ذات تقنيَّة عالية تتطلب قيام القطاع الحكومي عبر صناديقه الاستثماريَّة بالدخول المباشر في تلك الصناعة ومِنْ ثمَّ تحفّز القطاع الخاص لمساندته والاستثمار في تلك الصناعات وهو ما نرى بوادره الآن في صناعة السيَّارات بالمملكة وصناعات أخرى متقدمة.
بدوره، أوضح رئيس اللَّجْنة الوطنيَّة الصِّنَاعية بمجلس الغرف المهندس سعد المعجل في أن من شأن هذا التوجُّه الصناعي الطموح بإيجاد بنية صناعيَّة جديدة في المملكة تحقيق رغبة الدَّوْلة في تنويع الاقتصاد الوطني والوصول إلى صناعات متخصصة ومتقدِّمة تمنح الاقتصاد الوطني قيمة مضافة، مشيرًا إلى أن من بين أهم المبادرات التي يعنى بها البرنامج صناعة السيَّارات كونها تعتمد في إنتاجها على كثير من الموادّ والمستلزمات من مصادر عدَّة وتحتاج كميات ضخمة من قطع الغيار اللازمة لها. وقال: إن هناك فرصًا استثماريَّة كبيرة يوفرها البرنامج ستسهم في زيادة المعروض من الوظائف وتحقيق قيمة مضافة أعلى لاقتصادنا الوطني، مقترحًا أن تكون هناك هيئة عليا تهتم بشؤون الصناعة تضم جميع الجهات المعنية بالصناعة مثل برنامج التجمعات الصِّنَاعية والصندوق السعودي للتنمية الصِّنَاعية وهيئة المدن الصِّنَاعية (مدن) تضع الخطط الإستراتيجيَّة لها.
وأشار المعجل إلى أن وجود جهة مستقلة للصناعة سيُؤدِّي إلى إيجاد حلول للعديد من المشكلات التي تعترض الصناعة في المملكة والاستجابة لبعض مطالب الصناعيين السعوديين بما ينعكس إيجابًا على أداء القطاعي الصناعي بالمملكة. وقال: إن برنامج التجمعات الصِّنَاعية يهدف إلى جذب وتقديم الدَّعم لتأسيس مشروعات تجميع سيَّارات التي تستخدم أسواق المملكة والشرق الأوسط، مبينًا أن التوقعات تقدّر حجم إنتاج السيَّارات بالمملكة إلى 600 ألف سَيَّارَة بحلول عام 2025م.
وأضاف أن دخول الشركات العالميَّة لإنتاج السيَّارات في السُّوق المحلي ووجود صناعة السيَّارات في المملكة سيوجد فرصًا جديدة لصناعات أخرى ويعمل على نقل التقنيَّة وتطوير قطاع الإنتاج في هذه الصناعة، مؤكِّدًا أن قيام مثل هذه الصناعة بالمملكة سيشجَّع على التوسُّع في الاستثمار في صناعة السيَّارات وقطع الغيار.
ودعا المعجل مستوردي السيَّارات في المملكة ووكلائها إلى اتِّخاذ خطوات جريئة طالما انتظرها الجميع بالدخول في مجال صناعة السيَّارات بالطريقة الصحيحة التي يرون مناسبتها لهم سواء بعمل تكتلات وقيام شركات صناعيَّة مع شركات إحدى الدول المتقدِّمة صناعيًّا في مجال صناعة السيَّارات أو بالشراكة مع الصناعيين بالمملكة ونظرائهم الخليجيين لأن الفرصة متاحة وجيِّدة وقام بها آخرون في قطاعات صناعيَّة أخرى بالمملكة ودخلوا الصناعة ونجحوا وأضافوا للوطن قيمة اقتصاديَّة، لافتًا إلى أن المواطن استبشر بقرار تمديد عمل البرنامج الوطني لتطوير التجمعات الصِّنَاعية لخمس سنوات أخرى ولن تكون صناعة السيَّارات إلا إحدى مبادراته الخمس التي ستضفي قيمة مضافة للاقتصاد السعودي وتعمل على توطين التقنيَّة وإقامة صناعات ثانوية متخصصة تسهم في تقليل تكلفة الاستيراد وتنمي الصناعة المتخصصة في المملكة.