تمثل بيئات العمل الآمنة نقطة ارتكاز لأي اقتصاد؛ حيث يصعب تصور أن ينصب الاهتمام على معالجة البطالة، وتوفير فرص عمل، دون الالتفات إلى أهمية توفير شروط السلامة للقطاعات التي يتميز العمل فيها بمخاطرة كبيرة. فكلما ارتفعت معدلات حوادث وإصابات العمل، كلما تكبد الاقتصاد خسائر كبيرة، في وقت يمكن تقليصها والحد من أثرها على الاقتصاد بتوفير بيئات آمنة للعمال. وتبدو الصورة عالمياً قاتمة إلى حد ما فيما يتعلق بتوفير البيئات الآمنة للعمل، لكنها على الصعيد المحلي تبدو أكثر اعتدالاً.
وفاة كل 15 ثانية
ودلت تقارير منظمة العمل الدولية على وقوع وفاة واحدة كل 15 ثانية نتيجة لحوادث العمل، وبمعدل يومي يقدر بنحو 6300 وفاة، وبإجمالي سنوي يصل إلى 2.3 مليون وفاة تنتج عن الإصابات أو الأمراض الناتجة عن العمل. ويتعرض 160 عاملاً كل 15 ثانية لإصابة عمل من نوع ما، فيما يبلغ عدد الحوادث التي تقع للعمال سنوياً 317 مليون حادث، ينتج أغلبها عن غياب معايير السلامة في العمل. وتقدر تكاليف معالجة العمال نتيجة لتلك الحوادث بـ 4% من إجمالي الناتج العالمي الإجمالي سنوياً.
75 ألف إصابة في المملكة
ومحلياً، يشير التقرير الإحصائي الـ 33 للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، إلى وقوع 75825 إصابة عمل بين إجمالي عدد المشتركين في التأمينات خلال 2012م، وبنسبة 1.4% من إجمالي المشتركين على رأس العمل. والمتأمل للإحصائيات الواردة في تقارير المؤسسة يمكنه أن يخرج بعدد من الحقائق التي تتطلب وقفة للمراجعة. ولعل أهم هذه الحقائق، ارتفاع معدلات إصابات العمل في قطاعات التشييد والبناء والصناعات التحويلية، وزيادتها على نحو ملحوظ بين العاملين من غير السعوديين.
غالبية المصابين.. أجانب
ويقدر عدد الوفيات الناتجة عن إصابات العمل في المملكة بـ 577 حالة بنسبة 0.7% من إجمالي حالات الإصابة، أما حالات الشفاء التي تحققت بعجز فقد بلغت 3677 حالة وبنسبة 4.8%، لكن 81.3% من الحالات التي سجلت عولجت وشفيت دون عجز وذلك بواقع 61633 حالة، نتيجة لتوفير الرعاية الصحية اللازمة لهم. ومازالت 9958 حالة تخضع للعلاج وبنسبة 13.1% من إجمالي الحالات. ويلاحظ من الإحصائيات أن نصيب العمالة السعودية من إصابات العمل ضئيل جداً مقارنة بغير السعوديين؛ حيث تقدر إصابات السعوديين بنحو 4357 وهو ما يمثل 5.7% من الحالات، فيما تُقدر أعداد غير السعوديين من المصابين بنحو 71468 بنسبة 94.3%.
ويمكن رد هذا الفارق الكبير بين نسب الإصابات بأن عدد المشتركين في التأمينات الاجتماعية من غير السعوديين يقدر بنحو أربعة أضعاف عدد المشتركين السعوديين. كما يمكن تفسير زيادة إصابات العمالة غير السعودية بأن طبيعة عمل المشتركين غير السعوديين تتسم درجة خطورتها بأنها أعلى من خطورة عمل المشتركين السعوديين. وهو ما يبدو من تحليل معدلات عمل السعوديين وغير السعوديين في الأنشطة الأعلى خطراً.
معدلات المشتركين
ويبلغ عدد مشتركي التأمينات على رأس العمل 5426425 مشتركاً، منهم 170799 على رأس العمل بالقطاع الحكومي بنسبة 3.1%، فيما يقدر عدد المشتركين في القطاع الخاص بنحو 5255626 مشتركاً بنسبة 96.6%. وقد زاد عدد المشتركين السعوديين في عام 1432هـ بنسبة 25.1% فيما تقدر نسبة الزيادة في عدد المشتركين غير السعوديين بنحو 11.7%. وتقدر الزيادة الإجمالية في عدد المشتركين بنحو 13.3% وإجمالي 638150 مشتركاً.
وتشكل المنشآت التي يقل عدد أفرادها عن 20 ما نسبته 21.5% بين مشتركي التأمينات، فيما تصل نسبة المنشآت التي يتراوح عدد أفرادها بين 20 – 99 نحو 19.2%، أما المنشآت التي يبلغ عدد أفرادها من 100 – 499 فتمثل ما نسبته 18.8% وتشكل المنشآت التي يزيد عدد أفرادها عن 500 فرد ما نسبته 40.5%، ما يعني أن غالبية المنشآت المستفيدة من التأمينات الاجتماعية هي من المنشآت الكبرى.
ثلاثة مجالات خطرة
وتتركز معظم إصابات العمل في نشاطات التشييد والبناء والتجارة والصناعات التحويلية بنسبة 89.3% من إجمالي الإصابات، ونتج عن ذلك أن نسبة المشتركين في تلك النشاطات تصل إلى 75.5% من إجمالي المشتركين. وفي هذا الصدد، بلغ عدد الإصابات في قطاع التشييد والبناء 36367 حالة وهو ما يشكل 48% من إجمالي الإصابات المسجلة للمشتركين، بينهم 556 سعودياً و35811 غير سعودي. وجاء في المرتبة الثانية قطاع التجارة الذي سجلت فيه إصابات بلغت 19385 حالة بنسبة 25.6% بينها 745 إصابة بين السعوديين و18640 حالة بين غير السعوديين. وجاءت في المرتبة الثالثة الصناعات التحويلية بواقع 11921 حالة ونسبة 15.7% بينها 1690 من السعوديين و10231 من غير السعوديين.
أعلى المناطق إصابة
وتجمع التقارير على أن غالبية الإصابات تتركز في منطقة الرياض التي احتلت المرتبة الأولى في إصابات العمل سواء على صعيد النشاط التجاري (54.5%) أو على صعيد المهن الهندسية (36%)، أو مهن الخدمات (29.17%) أو التشييد والبناء (23.46%). وتليها مباشرة المنطقة الشرقية؛ حيث احتلت نسبة إصابات العمل فيها 10.4% في النشاط التجاري و15.2% في نشاط التشييد والبناء، و15% في المهن الهندسية لكنها جاءت في المرتبة الثالثة في مجال إصابات المهن الخدمية بنسبة 16.27%. وجاءت منطقة مكة المكرمة في المرتبة الثالثة في نسب إصابات النشاط التجاري (9.4%) والتشييد والبناء (11.9%) والمهن الهندسية (10.13%) فيما احتلت المرتبة الثانية من حيث إصابات مهن الخدمات (20%). ويمكن تفسير ارتفاع معدلات الإصابات في تلك المناطق الثلاث بأن غالبية مشتركي التأمينات في تلك المناطق ينتمون إلى هذه المهن.
حوادث السقوط.. الأعلى!
ووفقاً للائحة قواعد السلامة الواجب اتباعها في مواقع الإنشاءات، والصادرة عن مجلس الدفاع المدني، فإن غالبية الحوادث في مجال الإنشاءات تقع نتيجة لسقوط الأشخاص أو المواد من الأماكن العالية، نظراً لغياب معايير السلامة في بيئات العمل. وفي هذا الإطار، تصدر الاصطدام، قائمة أسباب الإصابات بواقع 21224 حالة بنسبة 27.9%، فيما بلغت نسبة السقوط من مرتفع 25.8% بواقع 19579 حالة. أما الحك أو الكشط فتسبب في إصابة 8038 حالة بنسبة 10.6%، وبلغت إصابات حوادث السيارات 2703 بنسبة 3.6%.
زيادة الإنفاق على المخاطر
وتجدر الإشارة إلى أن المؤسسة العامة للتأمينات زادت الإنفاق على فرع الأخطار المهنية بنسبة 8% مقارنة بعام 2011؛ حيث أنفقت 196 مليون ريال على العناية الطبية خلال العام المنصرم. ولا تهدف التأمينات إلى تحقيق الربح من خلال عملها، بل تسعى إلى حماية المؤمن عليه اجتماعياً نتيجة لما يتعرضون له إثر فقد مصدر الدخل. ويعتبر هذا الفرع من الإنفاق، من أقدم أنواع الضمان وأشملها، ويوفر التعويض للحوادث والأمراض المرتبطة بالعمل.
نمط تأمين عالمي
وتعمل التأمينات على علاج المصابين والمرضى وتأهيلهم بما يكفل الأمان الاقتصادي للمشتركين، ولا تعفي أصحاب الأعمال من تحمل الاشتراكات بالكامل بل تحملهم جزءاً من هذه الاشتراكات مما يحفزهم على تطوير وسائل الإنتاج. وتطبق المملكة التأمين الاجتماعي ضد إصابات العمل إجبارياً على أصحاب الأعمال، من خلال اشتراكات موحدة أو متناسبة مع درجة الخطر، وهو من أكثر أنواع التأمينات الاجتماعية انتشاراً في العالم. ويخضع جميع العمال لهذا التأمين دون تمييز في الجنسية أو النوع أو السن، الذين يعملون بموجب عقد عمل لمصلحة صاحب العمل مهما كانت مدة العقد أو طبيعته أو شكله أو مهما كان الأجر بشرط أن يكون أداء خدماتهم بصورة رئيسة داخل المملكة.
آليات احتساب التعويض
لكن هناك استثناءات من هذا التأمين، نص عليها النظام وتشمل موظفي الدولة المدنيين وأفراد القوات المسلحة والشرطة الذين يمنعون بأنظمة خاصة للمعاشات، إضافة إلى الموظفين الأجانب العاملين في البعثات الأجنبية، فضلاً عن عمال الزراعة والرعي، والعمال المستخدمين في الأعمال المشابهة، والصيادين، والتجار، والعاملين في منازلهم، وخدم المنازل، وأفراد أسرة صاحب العمل الذين يعيشون معه تحت سقف واحد، والعمال الأجانب الذين لا تزيد مدة عملهم في المملكة على السنة. وتلتزم التأمينات بتغطية أربع حالات من إصابات العمل وتشمل حالات المرض، وحالات العجز عن العمل الناتجة عن المرض، والفقد الكلي للقدرة على الكسب أو الفقد الجزئي الذي يزيد عن درجة معينة، وفقد الإعاشة التي تصيب أسرة العامل نتيجة وفاته.
ويقدر التعويض النقدي اليومي في حالة العجز المؤقت عن العمل بواقع 100% من الأجر اليومي وتخفض هذه النسبة إلى 50% من الأجر اليومي في حالة علاج المصاب على نفقة النظام في أحد المراكز العلاجية وذلك إذا كان المريض يتقاضى أجره باليوم. أما إذا كان العامل يتقاضى أجره بالشهر فإن الأجر اليومي يتحدد على أساس جزء من ثلاثين من أجر الشهر الذي وقعت فيه الإصابة أو أجر الشهر السابق له أيهما أكبر. أما إذا كان العامل يتقاضى أجره على أساس القطعة فيتحدد أجره اليومي على أساس جزء من ثلاثين من أجر الشهر السابق مباشرة.