كشف معهد الإدارة العامة عن ارتفاع معدل غياب موظفي الجهات الحكومية بدون عذر وخروج البعض قبل نهاية الدوام، بجانب الخروج أثناء الدوام لفترة تصل إلى 3 ساعات والعودة قبل بصمة الانصراف.
وخلص المعهد عقب دراسة ميدانية أجراها على 182 مؤسسة حكومية إلى أن 69% يتغيبون عن العمل بدون عذر، و59% يخرجون قبل نهاية الدوام، و54% يتهربون عن العمل، و68% يخرجون من العمل مابين ساعة إلى 3 ساعات يوميا، كما أن 47% من المسؤولين لا يتابعون داوم موظفيهم، فيما أشارت الدراسة إلى أن المتزوجين هم الأكثر غيابا وتهربا من العمل.
وأوضح المعهد أن ظاهرة الغياب وعدم الالتزام بالدوام الوظيفي من قبل بعض الموظفين في العديد من الجهات الحكومية وبخاصة الخدمية منها أصبحت «ظاهرة سيئة» وتلقي بظلالها علي تدني مستوى الأداء وخفض الإنتاج، وتتسبب في إهدار ساعات العمل وتعطيل مصالح الناس وتأخير إنجاز معاملاتهم.
«المدينة» استطلعت آراء بعض الخبراء والمختصين حول ظاهرة التسيب الوظيفى وأسبابها وتداعياتها والحلول المناسبة للقضاء عليها.
الفساد الإدارى
فى البداية أكد الدكتور رياض العنزي، عضو هيئة التدريب، ومنسق قطاع السلوك التنظيمي في معهد الإدارة العامة بالرياض، أن ظاهرة التسيب الوظيفي تعتبر من أخطر وأكبر التهديدات التي تواجه مسيرة التنمية علي مستوي الدول وهو عنصر من عناصر الفساد الإداري.
وأشار إلى أن هناك أسبابا متعددة للتسيب الإدارى بعضها يرجع إلى أسباب شخصية من حيث التعليم والثقافة والإدراك والحالة النفسية، وأخرى تنظيمية من حيث الأنظمة واللوائح والحوافز وطبيعة الإشراف والمتابعة والرقابة الإدارية والمالية.
واقترح العنزى بعض من الحلول لهذا التسيب الإدارى منها تفعيل الأجهزة الرقابية في الشؤون الإدارية والمالية، وترميم الأحوال الإدارية للأجهزة الحكومية، والعمل على وضع عقوبات مانعة ونافذة، والعناية بدعم الوازع الديني وتعزيز الرقابة الذاتية والنظر إلي سياسة الرواتب والحوافز والترقيات في الأجهزة الحكومية.
موطن الخلل
أما الدكتور محمد ال ناجى عضو مجلس الشورى فأوضح أن ظاهرة تسيب الموظفين تعود إلى خلل في الوصف الوظيفي، وعدم تحديد مهام الموظف التي تحدد ماعلى الموظف من أعمال حتى يتم إنجازها بشكل يومي، وأيضا عدم وجود الإشراف الدقيق، كما أنها تعود إلى أسباب مرتبطة بالبيئة، التي يعيش فيها الموظف، وأسباب عائدة إلى المجتمع، وأسباب عائدة إلى نفس الجهاز الذي ينتمي إليه الموظف.
وقال الدكتور ال ناجي:»نحتاج الى تنمية ثقافة المجتمع من حيث النظرة الإيجابية للموظف النشط المنتج وتحفيزه، وإن ينظر المجتمع إلى الموظف غير المنتج نظرة سلبية وأن نستهجن سلوك المتسيب حتى يقوم نفسه ويصلح حاله.
وعن العقوبات التي تطال الموظف المتسيب أشار الدكتور ال ناجى إلى أن في نظام الخدمة المدنية أكثر من فقرة تعاقب الموظف المتسيب والمتغيب، ولو طبقت بشكل صريح ومباشر لانتظم جميع الموظفين في أعمالهم، داعيا إلى ربط المنجزات التي يقوم بها الموظف بالحوافز والترقيات كأحد الحلول لظاهرة تسيب الموظف من عمله.
النظام القديم
ومن جهته حمل الخبير الاقتصادي عبد الحميد العمري: نظام الخدمة المدنية القديم الجامد المعمول به حتى الآن مسألة التسيب الوظيفى وقال: إن الإحباط يصيب الموظف الحكومي لعدم وجود نظام واضح للترقية والتجميد لفترة طويلة على نفس المسمى، ووجود تميز بين الموظفين بالترقيات بسبب وجود الواسطة والمحسوبية، وهو ما أدى إلى بيئة عمل غير منتجة، حتى أن الموظف الحكومي عندما يكون منتجا ويبذل قصارى جهده في النهاية يتساوى مع الموظف غير المنتج.
وأضاف: «ومن السخرية أن يصبح الموظف المنتج محل للسخرية من زملائه لأنهم في النهاية متساوون في الأجر».
وأوضح العمرى أن التسيب عند الموظفين صار متفشيا بصورة كبيرة في عدد من الوزارات والجهات الحكومية الأخرى.
ويرى العمرى: أن الوظيفة العامة بالدولة بحاجة إلى تصحيح في بيئة العمل والنظر في بعض اللوائح، التي لا تتناسب مع إطار تخصصاتهم.
الدخل الشهري
وفي رد بعض الموظفين على أسباب التسيب الإدارى يؤكد عامر حامد الخمساني، موظف حكومي، بأن الدخل الشهري الذي يتقاضاه الموظف غير كاف لتغطية احتياجات الحياة المعيشية في ظل ارتفاع الأسعار التي ازدادت بشكل ملحوظ وفي الوقت نفسه يشاهد مما يجعلهم يبحثون عن طرق أخرى لزيادة دخلهم الشهري.
وأضاف الخمساني: بأن غياب الوازع الديني لدى البعض من الموظفين له تأثير على الدوام الرسمي، والذي يتمثل بعدم الالتزام بالعقد المبرم بين الموظف والجهة، التي يعمل فيها إلى جانب ضعف في الانتماء والولاء للوظيفة العامة، وكذلك عدم فهم للقانون بطريقة صحيحة من بعض المسؤولين في تطبيق مبدأ الثواب والعقاب بين شرائح الموظفين.
ويقول شايع الدهسة، موظف حكومي.. إن التسيب الوظيفي في أي جهة حكومية نتيجة تدني الرقابة الوظيفية وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية بشأن المخالفين.
ونوه بأن هناك نماذج لحالات التسيب والإهمال بالوظيفة العامة التي قد يسميها البعض (ظروف خاصة) أو قد يطلق عليها البعض الآخر إهمالًا متعمدًا أو تقصيرًا أو غير ذلك من الأوصاف الأخرى.