تقاطرت شركات السلاح الأمريكية على معرض دبي الجوي هذا الاسبوع إذ لم يكن الشرق الأوسط يمثل لها من قبل ما هو عليه من أهمية الآن بعد أن أصبح ثاني أسرع الاسواق نموا وراء آسيا في الوقت الذي ينكمش فيه الانفاق الدفاعي للدول الغربية.
لكن هذه الشركات تواجه واقعا كئيبا يتمثل في الفجوة المتزايدة بين واشنطن وأقرب حلفائها في المنطقة.
وتعمل شركات لوكهيد مارتن وبوينج ونورثروب جرومان وغيرها من الشركات الكبرى على التوسع في الخليج حيث أكد مسؤولوها التنفيذيون علانية أنهم يعقدون آمالهم على المنطقة.
فقد أسست لوكهيد شعبة دولية هذا العام وعينت نورثروب الشهر الماضي مسؤولا كبيرا سابقا بسلاح الجو الامريكي رئيسا تنفيذيا لها في الامارات. وأوفدت معظم الشركات رؤساءها التنفيذيين أو مسؤولين كبارا إلى معرض دبي الجوي بل ونظم كثيرون زيارات لدول أخرى في المنطقة في إطار هذه الرحلة.
وقال دينيس مويلنبرج رئيس شعبة الصناعات الدفاعية في بوينج للصحفيين يوم الأحد "في مختلف أنحاء العالم نشهد منافسة تتزايد حدتها. فانخفاض موازنات الدفاع الأمريكية والاوروبية يخلق مزيدا من التنافس في الأسواق الأخرى."
لكنه أضاف أن نجاح الصفقات في مجال الدفاع يعتمد اعتمادا كبيرا على العلاقات بين الحكومات.
وفي الشهر الماضي قال مصدر مطلع على السياسيات السعودية إن الأمير بندر بن سلطان رئيس المخابرات السعودية أبلغ دبلوماسيين أوروبيين أن المملكة تأمل أن تشهد تحولا كبيرا عن الولايات المتحدة.
كذلك تدهورت العلاقات بين واشنطن وحكام مصر منذ خفضت الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية للقاهرة.
كما أبدت تركيا اتجاهها لشراء نظام دفاعي صاروخي صيني بدلا من شراء نظم امريكية أو اوروبية.
وقال مايكل ايزنستات المسؤول السابق بوزارة الدفاع الامريكية الذي يرأس الان البرنامج العسكري والامني في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى "من المؤكد أنك تشهد شعورا متزايدا بالاحباط من جانب بعض حلفائنا الاقليميين. أعتقد أن ذلك سيكون له أثره بشكل ما عندما يتعلق الأمر بمبيعات دفاعية."
وأضاف أن المستفيدين هم على الارجح شركات دفاع أوروبية وخاصة من بريطانيا وفرنسا وهما من كبار موردي الاسلحة للمنطقة.
وقد تعمدت عدة دول خليجية تقسيم مشترياتها الدفاعية الكبرى بين عدة دول غربية فاشترت طائرات ميراج ورافاييل الفرنسية كما اشترت المقاتلة الاوروبية تايفون.
وصعدت بريطانيا وفرنسا صلاتها العسكرية مع دول الخليج في السنوات القليلة الماضية في خطوة تهدف في جانب منها لطمأنة هذه الدول.
وتتوقع مصادر دفاعية أن تشتري الامارات ما يصل الى 60 طائرة رافاييل أو تايفون رغم ان من المرجح أن تعزز قواتها أيضا بما يصل إلى 25 مقاتلة من طراز اف 16 من انتاج لوكهيد مارتن.
وفي عهد إدارة أوباما كان للمسؤولين الامريكيين دور أكبر في الترويج لمبيعات السلاح انطلاقا من الحرص على اقتسام الأعباء العسكرية مع الحلفاء.
وحتى الآن مازال دفتر الطلبيات للمعدات الامريكية كبيرا فيما يبدو. وتشير سجلات وكالة التعاون الأمني الدفاعي الامريكية إلى أن صفقات كبيرة في الطريق من بينها عقد بقيمة أربعة مليارات دولار مع الامارات لشراء ذخائر وعقد مماثل مع السعودية قيمته 6.8 مليار دولار بالاضافة إلى عقد قيمته 1.2 مليار دولار لدعم سلاح الجو الملكي السعودي.
وفي الآونة الأخيرة وقعت الامارات عقدا بمليارات الدولارات لشراء نظام دفاع صاروخي من انتاج لوكهيد بينما تستمر المفاوضات على شراء الطائرة في-22 أوسبري.
وربما تظهر تعاقدات أخرى كبيرة من عملية تطوير رئيسية للبحرية السعودية.
وسافر إلى المنطقة الشهر الماضي ثلاثة مسؤولين أمريكيين كبار هم رئيس وحدة السياسات بوزارة الدفاع ورئيس وكالة التعاون الأمني الدفاعي ومسؤول بوزارة الخارجية يتولى متابعة مبيعات السلاح الخارجية.
وحضر للمشاركة في معرض دبي مجموعة من كبار المسؤولين العسكريين ومسؤولي وزارة الخارجية. كما زارت حاملة الطائرات الامريكية هاري ترومان دبي أيضا بهذه المناسبة.
إلا أن مشاعر الاحباط تجاه واشنطن تتزايد على المستويين الشعبي والرسمي بسبب الدعم الامريكي لاسرائيل واجتياح العراق واستمرار الحرب في أفغانستان.
وشعر الكثير من حكومات المنطقة خاصة في السعودية بغضب شديد للسرعة التي تخلت بها واشنطن عن حسني مبارك ونظرائه في تونس واليمن. كذلك تقول السعودية وقطر والامارات إنه كان بوسع إدارة أوباما أن تكون أكثر حزما لامرها في السعي للاطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد سواء من خلال نقل السلاح لمن يقاتلون جيشه أو باللجوء إلى ضربات جوية.
كما أثار ما تحقق من نجاح فيما يبدو في المحادثات الاخيرة مع ايران استياء بين هذه الدول التي تشعر أن أي برنامج نووي يمثل لها تهديدا مباشرا أكثر من غيرها.
ومع تحول أنظار واشنطن إلى آسيا وعجزها عن الاحتفاظ بحاملتي طائرات قرب الخليج على الدوام يقول بعض المحللين إن دول الخليج تشعر على نحو متزايد بأن الولايات المتحدة تخلت عنها خاصة وأنها تقترب من تحقيق الاعتماد على الذات في الطاقة.
وما من شك أن الموردين المنافسين يحومون لاقتناص الفرصة.
وقال مسؤول تنفيذي كبير إنه أقل قلقا على العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية من الوضع في مصر خاصة في ضوء التحرك السريع من جانب دول أوروبية وعربية وروسيا لتقديم العون بعد أن أوقفت واشنطن سداد مدفوعات المساعدات.
وفي سبتمبر ايلول صدمت تركيا الولايات المتحدة وحلفاءها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالاعلان عن اتجاهها لشراء نظام دفاع صاروخي صيني قيمته 3.4 مليار دولار. ويعتقد كثير من المسؤولين والمحللين الامريكيين أن أنقرة ستغير رأيها في نهاية المطاف. وتقول تركيا إن القرار النهائي قد يصدر خلال ستة أشهر.
ويخشى مسؤولو حلف الاطلسي أن يكون توافق النظام الصيني سيئا مع نظم الحلف وربما يفتح الباب أمام هجوم الكتروني أو سرقة بيانات. ويشير بعض الخبراء الدفاعيين إلى ان المضي قدما في هذه الصفقة قد يعرض للخطر رغبة تركيا في شراء مقاتلات أمريكية من طراز اف-35.
ويقول بعض المحللين والمسؤولين إن تكلفة تحويل الانظمة ستكون باهظة نظرا لان العديد من دول المنطقة تعمل بأنظمة أمريكية أو أوروبية.
وقال ايزنستات من معهد واشنطن "إذا ما بدأت في استقدام أنظمة صينية أو روسية فمن المحتمل أن يضعف ذلك بناءك الدفاعي بأسره."
وأضاف أن مصر بصفة خاصة تعلمت بثمن باهظ الصعوبات التي رافقت تحولها من انظمة التسليح السوفيتية إلى الامريكية وأنها قد ترفض خوض هذه العملية مرة أخرى.
ويقول مسؤولون أمريكيون إن نوعية التدريب التي تقدم مع السلاح الامريكي مازالت تتفوق على ما يقدمه أغلب المنافسين.
وقال مسؤول اشترط عدم نشر اسمه "رغم أن العلاقات متوترة على المستوى الجيو سياسي ... فإن علاقاتنا العسكرية مازالت مثمرة. الانطباع لدي أنك ستشهد زيادة في المبيعات لا تراجعا."
لكن التحدي قد يكمن في الحفاظ على هذا الاتجاه.
وقال أري راتنر المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأمريكية وهو زميل بمؤسسة ترومان للامن القومي "في الوقت الحالي قد لا يمكنهم الاستغناء عنا حتى إذا أرادوا ذلك. لكن...بعد 20 عاما من المستحيل تجاهل الاتجاهات وربما تبدو الامور مختلفة غاية الاختلاف."