الزلزال الذي ضرب جازان مؤخرا، للمرة الرابعة، دق ناقوس الخطر وان كانت قوة الزلزال غير مدمرة كما يراها البعض، إلا أن الدكتور عبدالله العمري رئيس جمعية علوم الأرض ورئيس قسم الجيولوجيا والجيوفيزياء بجامعة الملك سعود كان له رأي مختلف تماما بعيدا عن كل من حاول أن يقلل من مخاطر الزلزال التي باتت تضرب المنطقة، على مدى أسبوع أو أكثر.
وحذر في حوار مع «عكاظ» من الاستهانة بتواصل حدوث الهزات الأرضية المعروفة بالزلازل في جازان بل يجب علينا العمل على كيفية تجنب الأضرار التي قد تنجم عن تكرار هذه الهزات من خلال التوعية والتثقيف وكذلك العمل على إزالة الأبنية السكنية القديمة التي تشكل خطرا محدقا ينتظر الإشارة للانقضاض على ساكني هذه الأبنية التي قد طالبت من سنين عدة بإزالتها قبل وقت لا ينفع فيه الندم إضافة إلى ضرورة استخدام الكود الخاص في المباني والذي أقر من قبل مجلس الوزراء منذ أكثر من خمس سنوات، ولكن حسب رأيه فإن وزارةالشؤون البلدية والأمانات التابعة لها تغض الطرف عنها..
فإلى الحوار:
• إلى أين تتجه منطقة جازان في ظل تكرار الهزات الأرضية؟
جازان هذه القطعة العزيزة على قلوبنا كفاها الله شر الكوارث هي وسائر مدن المملكة وما يحدث الآن في جازان أمر متوقع حدوثه والتاريخ لا يكذب ففي عام 1947م تقريبا حدث زلزال عنيف تسبب في وفاة أكثر من 1200 شخص آنذاك وهذا الرقم في تلك الفترة كارثة وجازان تعتبر من أكثر المناطق نشاطا زلزاليا في المملكة مثلها مثل خليج العقبة بحكم قربها من مضيق باب المندب وتوجد عند مضيق باب المندب ثلاث أذرعة زلزالية تلتقي مع بعض وهذه الأذرعة الزلزالية واحدة منها تتجه ناحية البحر الأحمر وواحدة باتجاه البحر العربي وواحدة تتجه للصومال، تنشط ويزداد ارتفاع البحر الأحمر كلما اتجهنا جنوبا ويقل الارتفاع كلما اتجهنا شمالا وبالتالي في المرحلة الأخيرة من انفتاح البحر الأحمر نشأت صدوع حديثة تأخذ شمال شرق جنوب غرب وتنتهي في الدرع العربي وتمتد تحت اليابسة، وهذه اليابسة هي جازان وصبيا وأبوعريش بحكم أن جازان واقعة على قبب ملحية وهذه القبب الملحية تساعد وبشكل سريع على انتشار الموجات الزلزالية وبالتالي يصبح الإحساس بها على نطاق واسع إضافة إلى ذلك نشأ ما يسمى بالحرات، وهذه الحرات عبارة عن فوهات بركانية موجودة في البحر الأحمر ولعل الزائر لجازان يشاهد البيئة الساخنة في المنطقة أو ما يعرف بالعيون الحارة الموجودة في العارضة وقد تشاهد الفوهات البركانية الحديثة في جبل عكوة الشامي وجبل عكوة اليماني هذه الفوهات البركانية الحديثة نشأت في أوقات متأخرة.
• هل تحدث نتيجة ما ذكرت سابقا تبعات زلزالية متتالية كما شاهدنا مؤخرا؟
نعم بمجرد حصول زلزال يحدث ما يسمى «توابع زلزالية» تكون أقل بكثير مما حدث في أول مرة والتاريخ يقول إنه سبق أن تعرضت منطقة جازان وشمال اليمن إلى زلازل كبيرة ومدمرة وحصلت تقريبا في عام 1947م وكانت بقوة 6 درجات على مقياس ريختر وقتل في هذا الزلزال 1200 شخص تقريبا، وحدث ذلك في منطقة اسمها أبو رياح تقع على بعد ستين كلم شرق أبو عريش وفي عام 1414هـ حدث زلزال بقوة 4.8 وتضررت منه منازل في أبوعريش، لذلك المنطقة عرضة لهزات قد تصل إلى 6 على مقياس ريختر وحينها لا سمح الله ستحدث الكارثة.
منشآت على الهاوية
• ذكرت أن هناك منشآت حديثة ستحل بها الكارثة في حال الزلازل لا سمح الله، ما هي؟
في هذا التوقيت لا بد أن نتحدث بصراحة ووضوح وللأمانة سبق أن حذرت أكثر من مرة بحصول كارثة في جازان - لا سمح الله - إذا لم يلتفت المسؤولون إلى الأبنية الحديثة وأقصد جامعة جازان وفيها 60 ألف طالب وهي واقعة على الحزام الزلزالي وواقعة على الصدوع النشطة التي ذكرتها قبل قليل، وإلى الشمال لديك مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في محافظة بيش وهي التي يوجد فيها استثمارات بعشرات المليارات من الريالات، وفي كل ما ذكرت لم يؤخذ كود البناء السعودي على هذه المنشآت عند تصميمها، ومن هنا أقول إن الخطورة ستظل قائمة لأننا مع الأسف لا نتحرك إلا بعد وقوع الكارثة فهل ينتظر المسؤولون أن تحل الكارثة - لا سمح الله - بالأبرياء في جازان ووقتها يتحركون؟ هذا أمر مخجل للأسف.
• تحدثت بنبرة حزن، فماذا كان دورك ودور الجمعية ولماذا لم تحذر وتطالب بضرورة الأخذ بالكود في البناء قبل الكارثة؟
ومن قال لك إنني لم أتحرك! نحن منذ سنين ونحن نتكلم وقمت بعمل دراسات وبحوث وقمت بتأليف العديد من الكتب التي أشرح من خلالها ما علينا القيام به قبل البناء وضرورة وضع الكود الخاص بالبناء في كل أنحاء المملكة وقد أقر ذلك من قبل مجلس الوزراء ولكن للأسف لم تنفذ وزارة البلديات الأمر وكأنه لا يعنيها وقد قمت بعمل محاضرة في جامعة جازان.
• ولماذا لم تقم بعمل المحاضرة قبل البناء؟
يا عزيزي لعلمك أنا في أغلب محاضراتي أذهب تطوعا دون دعوة لذلك كان من المفترض عمل دراسة متكاملة عن بناء أي مشروع قبل تنفيذه ومن ثم سؤال أصحاب الاختصاص كل حسب تخصصه حينها سيعملون بكل أمان للحاضر وللمستقبل.. باختصار لا يوجد تخطيط سليم توجد عشوائية.
لا احتياطات
• ألم تلاحظ وجود احتياطات في جامعة جازان عندما قمت بإلقاء المحاضرة؟
للأسف لم أجد شيئا أبدا وهذا الأمر محزن للغاية مدينة جامعية بهذا الحجم وبداخلها كمية من البشر لا يوجد فيها أبسط الأمور التي قد تواجه مخاطر الزلزال لو حدث وهذه مصيبة أسأل الله السلامة، وصحيح أن المباني جديدة وخرسانية قوية والتأثير قد يكون أقل لكن لماذا لا نقوم بالعمل على أسس علمية صحيحة لماذا ننتظر حدوث تشقق أو تصدع ومن ثم انهيار.
• زرت جازان كيف وجدتها وكيف رأيت مبانيها هل شاهدت مباني آيلة للسقوط لا سمح الله بعد الزلزال؟
الأدهى والأمر أن هناك مباني آيلة بالفعل للسقوط وقد حذرتهم من حدوث كارثة وهذه المباني شعبية ولم تقسم زلزاليا ولم يؤخذ في الاعتبار حدوث ذلك رغم علمهم بخطورة الأمر وبالتالي لو حصل زلزال بقوة 6 درجات ستحل الكارثة خصوصا المنطقة الواقعة شرق جازان ومن بين كل درجة ودرجة تتضاعف الحركة عشر مرات وهناك مبان في مدينة جازان نفسها تقع بالقرب من فندق حياة ريجنسي قد طلبت إزالتها لأنها ستسقط عند حدوث زلزال وكان هذا التحذير منذ عشرين سنة وقد زرت جازان قريبا وللأسف وجدت بعضها مازال موجود رغم تحذيري لهم وقلت حينها إنها تقع على أرضية ملحية قابلة للانهيار ولكن لا حياة لمن تنادي وأخشى أن تحل الكارثة - لا سمح الله - حينها سيبحث الجميع على هذا الحديث في «عكاظ».
• الناس في جازان متخوفون من جبل عكوة ويحدث هناك تكسير للجبل ويرون أنه قد يثور في أي وقت ما رأيك؟
نعم، لا شك أن جبل عكوة بركاني وكلامهم صحيح لكن ثورانه غير وارد إطلاقا لأنه من البراكين الخامدة وقد ثار قديما وانتهى ولا يوجد تحته نشاط يذكر الآن سوى عكوة الشامي واليماني ولا دخل لعملية التكسير أو الحفر في ثورانه إطلاقا.
• تحدثت عن كود البناء وعدم العمل به.. لماذا من وجهة نظرك؟
هذا السؤال يوجه لوزارة البلدية التي من المفترض أن تجبر الجميع على التقيد بالكود الخاص في البناء وكثير من الناس يجهلون هذا الأمر لذلك من الضروري العمل على إضافته بأي شكل من الأشكال فهو يحد كثيرا من المخاطر التي قد تنتج عن الزلازل وإضافته لا تكلف شيئا أبدا، قد يضاف مبلغ خمسة آلاف ريال على الكامل من قيمة البناء يعني مبلغا زهيدا لو نظرنا إلى فوائده المستقبلية ومن هنا عليهم بإلزام كل من يريد البناء أن يلتزم بالكود الخاص بالبناء السعودي الذي أقر من مجلس الوزراء قبل خمس أو ست سنوات تقريبا خصوصا في المناطق النشطة زلزاليا ومن ضمنها الرياض العاصمة وأتمنى أن تقوم أمانة جازان بإلزام الجميع بهذا الأمر وأيضا صندوق القرض العقاري، والغريب أن كل من تتحدث معه من المسؤولين عندما تقول له لماذا لا تلزمون الناس بكود البناء الخاص؟ يرد بكل برود: يا أخي الزلازل لا تحدث إلا كل عشرين سنة وهذا أمر مضحك، يعنى إن عشنا بسلام لا بد أن تعاني الأجيال القادمة وتتحمل الكوارث ولو نظرنا إلى الولايات المتحدة على سبيل المثال تصرف حوالى 50 بليون دولار سنويا في سبيل العمل على التقليل من آثار الزلازل.
• سد وادي بيش ومخاطره كيف ترى الأمر؟
أولا خذ الموضوع من جانبين، الجانب الأول أن السد نفسه إذا امتلأ بالمياه فوق الطاقة الاستيعابية فإن كمية المياه تدخل داخل الثقوب وبالتالي تسبب ضغطا على الصخور وبالتالي السد نفسه يسبب اهتزازات في المنطقة التي حوله وهذا يسمى زلزال مستحثه من عمل السد نفسه وهذا يحدث هزات بسبب زيادة الأمطار في السد، والجانب الثاني هي الزلازل التي قد تصيب السد بتشققات وهذه التشققات تدخل إليها المياه بكميات كبيرة وبالتالي على المدى البعيد قد يحدث زلزال تنتج عنه أضرار جسيمة لا قدر الله.
الجهة المسؤولة
• من هي الجهة المسؤولة التي تحملها كامل المسؤولية لو حدثت كارثة لا قدر الله في جازان؟
المسألة تكاملية لكن المفروض أن يتم عمل تجارب فرضية للزلازل تشارك فيها كل الجهات ذات العلاقة: المساحة الجيولوجية والهلال الأحمر والدفاع المدني ووزارة الصحة ووزارة النقل وبالتالي كل واحدة من هذه الجهات لها دور، ومثل هذه الأمور تعرف بالمخاطر وكيفية التعامل معها حال وقوعها.
ماذا تتوقع مستقبلا لمدينة جازان؟
أتمنى أن أراها في أجمل حلة وأن تكون مدينة عصرية فهي أرض أدباء وعلماء ومثقفين، أما التوقع صعب للغاية لكن من خلال دراسة قمت بها عن منطقة جازان فمن المتوقع أن يحدث زلزال بقوة 7 درجات على مقياس ريختر ولن يزيد عليها بأي حال من الأحوال بمشيئة الله.
• بماذا تطالب جميع المسؤولين؟
أطالبهم بترسيخ ثقافة الكارثة لدى المواطنين وهي للأسف معدومة تماما، وقد طبعت نشرات ولم يؤخذ بها، وقد قمت بتوزيع أكثر من 35 ألف نسخة ووزعتها على المدارس، لكن يبدو أنها لم تر النور جميعها، ومنها كتاب عن الزلازل وكتاب آخر عن زلزالية المملكة وكتاب عن البراكين والكثير، وقد وزعتها مجانا، وأتمنى من وزارة الإسكان أن تلزم الجميع بتنفيذ كود البناء الخاص بالزلازل، وهذه الخطوة سوف تحسب لها، وليس عليها، لأنها تعمل من أجل الجيل الحالي والأجيال القادمة.