كان القس إكزافي فاغبا يتجول بجانب المقصورات الخشبية داخل كنيسة سانت بيتر في بلدة بوالي بجمهورية أفريقيا الوسطى، يربت فوق رؤوس بعض الأطفال قبل أن يجلس أخيرًا ليساعد طفلة في السادسة تبكي إثر أذى أصاب أصابع قدمها.
وفي بلد يغرق في دوامة من العنف الانتقامي وسالت الكثير من الدماء، يعد القس فاغبا وبقية رجال الكنيسة استثناءًا مدهشًا فهم مجموعة فريدة من البشر تجمعها مبادئ عليا ولكن أيضًا أقصى درجات اليأس.
تتكاثر مجموعات المسلمين المحتمين في الكنيسة، حيث اتخذت العائلات الممرات ملجأ لها، وحمل المذبح حقائبهم، ووضعت أكياس الطعام في الغرف الجانبية، بينما يخيم الخوف على الجميع من فكرة الخروج من الكنيسة إذ ثمة قناعة أنهم سيقتلون على الفور في شوارع بوالي.
ويقول القس فاغبا، بينما وقف بجانب حائط أسمنتي اخترقه وابل من الرصاص، "لقد حان الوقت الآن لكل من هو صالح أن يتخذ موقفًا جادًا ويثبت قوة إيمانه. لم يفهم أحد ما قمت به، بل هددوني وهاجموني."
ووصل المسلمون، الذين يقدر عددهم بـ 650 شخص – إلى الكنيسة بين 16 و17 من يناير/كانون الثاني.
وكان ميزان القوى يتغير بسرعة في البلاد في ظل إجبار متمردي السيليكا المسلمين على التراجع وإعادة بسط الميليشيات المسيحية لسيطرتها سريعًا.
وكان متمردو السيليكا قد أرهبوا عشرات الآلاف من سكان القرى المسيحيين مما أجبر الكثيرين على الهرب من بيوتهم، ولكن الوضع اختلف الآن.
ففي بوالي شاهدت آيساتو هامادو، وهي سيدة مسلمة، زوجها يطعن حتى الموت في سوق البلدة، فيما هرب ابنها ذي الستة أعوام بجرح في رأسه بعدما تعرض لضربة ساطور.
كما دمرت مجموعات مسيحية مسجدين في البلدة، وتفيد تقارير أن 22 طفلًا قتلوا في احداث العنف.
وتقول هامادو "الوضع غير آمن في هذه الكنيسة، فهم يطلقون النار عليها كل مساء. المسيحيون لا يريدونا هنا، ويرغبون بقتلنا جميعًا."
أما القس فاغبا فيعترف أنه يعتقد أن بعضا من الذين يحتمون الآن في كنيسته كانوا متورطين في هجمات على عائلات مسيحية في المنطقة العام الماضي، ويقول "لقد تحدثت إلى أولئك الذين ارتكبوا أخطاء... وعندما أفعل ذلك فهي بمثابة دعوة إليهم ليغيروا حياتهم وسلوكهم."
"يجب أن يرحلوا جميعًا"
وتحيط الأسلاك الشائكة بالكنيسة التي يتمركز عندها أيضًا مجموعة من قوات حفظ السلام الأفريقية من كونغو برازافيل.
ويقول القس فاغبا إن بعض أهل البلدة يقدرون ما يحاول القيام به، ويساعدون العالقين داخل الكنيسة، ولكن على الرغم من ذلك يقول إن الميليشيات المسيحية سارعت بالهجوم على الذين حاولوا إيصال الطعام والماء للكنيسة منذ عدة أسابيع.
وبينما كانت مجموعة من الشباب المسيحي تتجول في شارع بوالي الرئيسي بجانب الكنيسة قال أحدهم "لا يجب أن يكون هناك مسلمين في بلادنا، يجب أن يرحلوا جميعًا، وإن لم يفعلوا فسنقتلهم."
وقد واجهت قوات دولية الميليشيات المسيحية ونزعت منها السلاح في بعض المناطق، ولكنهم مازالوا يتمتعون بسيطرة واسعة في أماكن أخرى في البلاد.
ومن جهتها قامت قوات من تشاد الأسبوع الماضي بترحيل مجموعة من المسلمين من جمهورية أفريقيا الوسطى معهم إلى بلادهم.
وكانت تشاد قد تعرضت للنقد أكثر من مرة لانحيازها الواضح مع مقاتلي السيليكا المسلمين.
أما هذا الأسبوع فقد قام دبلوماسي كاميروني رفيع المستوى بزيارة الكنيسة في بوالي ليتأكد إن كان هناك أي من أبناء بلده ضمن العالقين هناك، واصطف الجميع حين وصل زاعمين أنهم من الكاميرون.
ويقول "ليس عندي ما يثبت الحقيقة."
من ناحيته يعلق القس فاغبا، بينما وضعت بعض السيدات قطعًا من الملابس على الأرض حتى تجففها الشمس، "إن المسلمين اكتشفوا في كنيستنا أننا نعبد نفس الإله الذي يعبدون، وهذه هي الرؤية التي تحتاجها البلاد بأكملها. يجب أن نكون كلنا إخوة، وما يحدث هنا يهبني هذه القناعة."