أكد خبراء صناعيون في المنطقة الشرقية أن 60 % من مصانع المدينة الصناعية الأولى قديمة، مشيرين الى أن نقلها وتأسيسها من جديد في مواقع أخرى أوفر لها بكثير من عمل الصيانة والتجديد في نفس الموقع، مؤكدين أن هذه المصانع لن تتأثر في حال انتقالها، ولكنها ستواجه تكاليف خاصة بالتأسيس من الممكن أن تتفاداها خلال خمس سنوات وأوضح الخبراء أن المصانع تنتج عوادم كأول وثاني أكسيد الكربون، وأكاسيد النيتروجين والكبريت وكبريتيد الهيدروجين والرصاص وغيرها، لذلك يجب نقلها إلى خارج المدن مع تعويض أصحابها بأراض بديلة.
أنظمة معقدة
وقال رئيس اللجنة الصناعية بغرفة الشرقية فيصل القريش: إن حوادث تسريبات الغازات تحصل في أي مصنع بالعالم، وما حصل لدينا في السابق من حوادث تسريبات كانت في مصنعين معروفين بالمدينة الصناعية الأولى، ولكن سرعان ما قامت الجهات المختصة بالسيطرة التامة وإلزامهما بالنقل الفوري خارج النطاق العمراني، ونفذا الأمر مباشرة وتم النقل إلى المدينة الصناعية الثانية، ومثل هذه الحوادث تحدث في الجبيل والمدن الصناعية الأخرى، ولكن مشكلة التسريبات في الصناعية الأولى تم تصعيدها والتركيز عليها إعلاميا واجتماعيا لأنها قريبة من المناطق السكنية، مع أن هذه الحوادث أمر طبيعي وتحصل في كبرى المدن الصناعية؛ لأنه من المعروف أن المعدات معرضة للتلف والاستهلاك، وهنا يحصل تسريب الغاز، ولكن يبقى الأهم من ذلك هو كيف يمكن التعامل مع هذا النوع من الحوادث الصناعية، مؤكدا أن أغلب المصانع قامت باتخاذ خطوات معايير الأمن والسلامة المتقدمة وسرعة التعامل مع هذه الحوادث.
وأضاف القريشي: إنه بخصوص معايير وإجراءات الأمن والسلامة في المصانع لا توجد جهة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن هذه المعايير الهامة، بحيث يلجأ إليها المصنعون، وإنما المسئوليات موزعة بين إدارات الدفاع المدني والرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة و"مدن"، وكنا ولا نزال نطالب بوجود جهة واحدة مسئولة بالكامل عن ذلك، ويفضل أن تكون هيئة "مدن"، بحيث ترصد وتراقب وتخالف بنفس الوقت لأنها الجهة القريبة للمصانع، وكذلك يكون دورها التنسيق مع الجهات الأخرى بحيث يرجع لها أصحاب المصانع بدلا من المرور على أكثر من جهة.
وزاد: إن المشكلة التي تواجه اللجنة الصناعية بغرفة الشرقية هي التواصل مع عدة جهات حكومية، مثل إدارة الدفاع المدني، الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، والهلال الأحمر، وللأسف لا تتوافق مع بعضها البعض في الأنظمة والشروط، ومن هذا المنطلق نطالب هيئة "مدن" أن تكون هي الجهة الوحيدة للصناعيين وجميع ما يخص المصانع، ولها مكاتب خدمية في كل مدينة حتى وإن كانت بأجور، بحيث تكون جهة للتواصل مع الجهات الأخرى، وتقوم باستخراج التصاريح وتوفير كافة الخدمات التي يحتاجها الصناعيون، وكما هو معروف أن المدن الصناعية المثالية تكون مكتملة الخدمات.
مراقبة المصانع
وفيما يتعلق بآليات التصريح بالبقاء للمصانع الخطرة على الصحة والبيئة التي التزمت بمعايير السلامة، أوضح القريشي أنه تم نقل جميع المصانع الخطرة، أما بخصوص المصانع التي تشكل نسبة بسيطة من الخطورة فهي تحتاج إلى تحديث بعض أنظمة السلامة الداخلية، حتى يسهل السيطرة على الحوادث والتخلص منها في وقت قياسي، وهذا الأمر طبعا يتوقف على إدارة المدينة الصناعية الأولى التي من واجبها أن تراقب المصانع باستمرار، والتأكد من تطبيق الأنظمة المتفق عليها سابقا.
وعن نقل كافة المصانع بالصناعية الأولى إلى مناطق أخرى وتأييد ذلك، قال: "لا نؤيد نقل هذه المنطقة بتاتا؛ لأن في ذلك خطرا اقتصاديا كبيرا على المشاريع والاستثمارات التي لا تزال تحت التنفيذ"، وكما هو معروف أن كثيرا من مصانع الدول المتقدمة تكون في قلب المدينة، وهذا دليل على أن وجود المصانع بين الأحياء السكنية ليس فيه مشكلة، ولكن المشكلة التي لدينا تكمن فيما يخص الحرص على تطبيق معايير السلامة في المصانع والتأكد من ذلك، مؤكدا أن جميع المصانع الكبيرة المتخصصة في الغازات ملتزمة بمعايير أمن وسلامة عالية الجودة، وتحمل شهادات من منظمات عالمية خارج المملكة".
ولضمان التصميم والتخطيط المستدام للمصانع المستقبلية، بين رئيس اللجنة الصناعية بغرفة الشرقية أنه "مع تطور الصناعة وبناء مصانع جديدة، خاصة الضخمة، والتي يدخل في إنتاجها مواد خطرة تكون هناك أنظمة سلامة ثابتة لابد من تطبيقها من أجل الحصول على الترخيص والبدء في البناء والتشغيل، أما في حال اكتشاف عدم تقيد المستثمرين بالمعايير المطلوبة والحصول على شهادات السلامة، فهنا يجب على هيئة "مدن" أن لا تمنح التراخيص ويتم إيقاف المصانع".
حوادث لا إرادية
وأوضح الدكتور عبدالرحمن الربيعة أن النهضة في المملكة أصبحت نهضة سريعة وحديثة، ولكنها ليست كباقي العديد من الدول المتقدمة في أوروبا وأمريكا التي بدأت بها منذ مئات السنين، وما نلاحظه الآن أن هذه النهضة بدأت تنمو بطريقة قد تكون أسرع من الغير.
وقال الربيعة: إن المدينة الصناعية الأولى تم تخطيطها وبناؤها منذ أكثر من 40 سنة، حيث اشترى المستثمرون جميع الأراضي بها بأسعار رخيصة، وقد استوفوا قيمتها بالكامل، لذلك نجد الوضع الحالي اختلف كثيرا عن السابق بالنمو السكاني.
وأضاف: إن هذه المشاريع الصناعية التي بنيت قد استنفدت حياتها الافتراضية التي تعادل ما يقارب 30 سنة، وتجديد هذه المدة يجب أن تكون في مواقع أخرى مخصصة لها وبعيدة عن السكان، لأن القضية ليست انبعاثات غازات وإنما حدوث حرائق هائلة بين حين وآخر، في ظل أن المنطقة أصبحت محاطة بالسكن، وإذا تم فرض وسائل أمن وسلامة بيئية على هذه المصانع، فإنها ستكلف أصحابها الكثير من المال، لذلك نرى أن اللجوء إلى مواقع مجهزة أفضل بكثير من بقائها على ما هي عليه والاستفادة من التقنيات العالية.
وفيما يتعلق بالمصانع الخطرة على الصحة البيئية التي قامت بتعديل وضعها والتزمت بكافة معايير السلامة، وتم الترخيص لها مجددا بالبقاء، أكد الربيعة أنه حتى لو التزمت بقواعد الأمن والسلامة والبيئة، فإن ذلك لا يعني زوال الخطر؛ لأنه سيكون هناك حوادث تحصل خارجة عن الإرادة ولا يمكن التحكم بها، بدليل أنه حدثت عدة حرائق بسبب الالتماس الكهربائي أو الاصطدام بخزانات الوقود.
وطالب بأن تكون هناك محفزات قوية لأصحاب المصانع، مثل توفير أراض بأسعار رخيصة مكتملة البنى التحتية والخدمات المطلوبة، وكذلك رفع قيمة قرض صندوق التنمية الصناعي إلى أكثر من 50% حتى ينتقلوا بدون مواجهة اي صعوبات.
ولضمان التخطيط السليم للمدن الصناعية في المستقبل، شدد الربيعة على أن يكون هناك تخطيط استراتيجي سليم لحاضرة الدمام والمناطق الصناعية الجديدة، ويؤخذ في هذا التخطيط الجانب العمراني، بحيث يتم التأكد من عدم وصول السكن إليها بعد 50 عاما، إضافة إلى الجانب البيئي واتجاه الرياح والمياه الجوفية وبعد المصانع عن البحر، وكذلك ربطها بالطرق السريعة وخطوط السكك الحديدية حتى يتشجع المستثمر بالعمل في المناطق الجديدة، فعندما بنيت المنطقة الصناعية بالجبيل لم يحدث هناك أي تغيير أو مطالبات بالنقل، بل بالعكس توسعت كثيرا لأن التخطيط سليم 100%، بدليل أن كثيرا من المصانع تم تنفيذها والأخرى طور التنفيذ.
بيئة صناعية
وأكد الخبير الصناعي، المهندس عبدالله الخالدي، أن مصانع البتروكيماويات خطرة على السكان، سواء كانت من ناحية انبعاثات الغازات أو الحرائق المتكررة، ولهذا يجب أن تكون المدينة الصناعية الأولى من ضمن الخطط السكانية وليست الصناعية.
وأشار الخالدي إلى أن المصانع لن تتأثر في حال انتقالها إلى مواقع أخرى، وربما يكون عليها كلفة بسيطة فيما يخص التأسيس في مواقع أخرى بعيدة عن المناطق السكانية، مع العلم أن 60% من هذه المصانع قديمة ويجب أن تجدد، ولكن من الممكن أن تتفاداها، مؤكدا أن إنشاء مصانع جديدة أفضل من عمل الصيانة والتجديد في نفس الموقع وتكرار الخطر مرات عدة.
وقال: إن كل تخطيط سليم بلا شك يخدم الوطن والمواطن، وهذا النوع من التخطيط لإبعاد المصانع في بيئة مخصصة يعتبر حاليا هو المطلب الأساسي، ولا ننسى أيضا أن شركات الغاز المجاورة للأحياء، مثل شركة الغاز، تعد قنابل موقوتة لأنها ربما تنفجر في أي لحظة وتقتل المواطنين المجاورين لها، لذلك نرى أن تأسيسها من جديد في فترة وجيزة واستخدام المكائن القديمة كخطة توسعية أفضل من عملية نقلها التي تتطلب مراحل تصل إلى 5 سنوات، مطالبا وزارة الاقتصاد والتخطيط ووزارة التجارة والصناعة وإدارات تخطيط المدن بالدخول مع كافة المصانع لوضع خطة مدروسة تنتج عنها عملية نقل آمنة وليست عشوائية.
تصنيف المخاطر
ونوه أستاذ هندسة التصنيع المساعد بجامعة الملك سعود، الدكتور نبيل بن حسين الحارثي، الى أن التزام المصانع بمعايير الأمن والسلامة ليس خياراً، بل هو من الأساسيات التي تقوم عليها المنشآت، ليس فقط الصناعية، بل أيضاً المنشآت بصفة عامة.
وقال الحارثي: في الحقيقة هناك دول صناعية سبقتنا في موضوع معايير الأمن والسلامة، وأُنشئت لها منظمات وجمعيات لوضع اللوائح والأنظمة، وبالتالي فإن الدول حريصة على تطبيق هذه المعايير بشكل دقيق، ووضعت لها الشهادات اللازمة التي تكفل تطبيقها. وفيما يتعلق بالمصانع التي أعطيت تصاريح في السابق داخل النطاق العمراني فيجب تصنيفها حسب الخطورة؛ لأن بعض المصانع وجودها يشكل خطراً على السكان وصحتهم، خصوصا مصانع الإسمنت ومصانع الأسمدة الكيميائية أو التي تنتج عوادم كأول وثاني أكسيد الكربون، وأكاسيد النيتروجين والكبريت وكبريتيد الهيدروجين والرصاص وغيرها. وعلى ضوء التصنيف يجب نقل المصانع التي تشكل أدنى خطر لخارج المدن، ويتم تعويض أصحاب المصانع بأراض بديلة مع الاستفادة من المواقع القديمة وإعادة تخطيطها لتدخل ضمن المساكن.
أما بالنسبة لمعامل الأسر المنتجة، فأغلبها تنتج منتجات غير خطرة أو تلوث البيئة، فوجودها داخل النطاق العمراني يعد أمراً طبيعياً طالما أنها ملتزمة بمعايير الأمن والسلامة التي وضعتها الأمانات. وفي جانب تأسيس حلول جذرية منظمة وطويلة المدى، فمن وجهة نظري يجب على القائمين على الأمانات وهيئات التطوير وضع تصور استراتيجي بعيد المدى لتخطيط المدن وضمان ربط المدن الصناعية بالنطاق العمراني بوسائل النقل المناسبة، كالقطارات والنقل العام وتخطيطها بشكل ذكي يتبع المدن الذكية والخضراء، بالإضافة إلى الميزات النسبية لكل منطقة، وذلك لاستدامتها، وبالتالي خلق فرص عمل، مما سيحفز نمو القطاع الصناعي بشكل أفضل.
وأضاف الحارثي: إن قرار إنشاء الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة من القرارات المهمة والحكيمة التي توليها قيادتنا الرشيدة الاهتمام البالغ، ويدل على نية الحكومة الجادة في تقليل الاعتماد على النفط، حيث تهدف هذه الهيئة إلى تنظيم قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة ودعمه وتنميته ورعايته، وفقاً لأفضل الممارسات العالمية، لرفع إنتاجية المنشآت الصغيرة والمتوسطة وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة الطاقة الاستيعابية للاقتصاد السعودي، بما يؤدي إلى توليد الوظائف وإيجاد فرص عمل للقوى العاملة الوطنية وتوطين الصناعة والتقنية.