يعتبر تسيّب الموظفين وخروجهم من أعمالهم وقت الدوام الرسمي من أكثر المشكلات التي تعصف بالأجهزة الحكومية، من خلال تعطيل مصالح المراجعين، وهو الأمر الذي يترتب عليه ضياع أوقاتهم وعدم قضاء حاجاتهم في الوقت المطلوب.
وبحسب عيئة الرقابة والتحقيق فان هناك 4 وزارات وصفت بأن موظفوها هم الاكثر تسيبا، وهم بالترتيب : التعليم، الصحة، الشئون البلدية والقروية، والعدل. حيث سجلت الاولى خلال العام الماضي نحو 112 الفا ما بيت متغيب وغير منتظم، مقابل 48 الفا للثانية و36 الفا للوزارة الثالثة و30 الفا للرابعة.
وأرجع مختصون سبب تلك المشكلات إلى غياب العقوبات الصارمه لدى عدد من الجهات الحكومية مطالبين أن تتخذ من أنظمة القطاع الخاص مسلكا للقضاء على تلك الظاهرة مستدركين قولهم بأن الالتزامات الاسرية هي أكثر الأعذار التي يدخل من خلالها التسيُّب ويمكن القضاء عليها من خلال توفير وسائل نقل آمنة وغير ومتخصصة في صناعة النقل.
«المدينة» استطلعت آراء عدد من الموظفين حول أسباب التسيُّب الوظيفي حيث قال الموظف سالم علي إن الروتين وعدم التحفيز تعتبر من أكثر المسببات من تسيب بعض الموظفين حيث إن في نهاية كل سنة يعامل العموم بالتساوي ولا يوجد تميز للموظف الذي يعمل والذي لا يعمل ولهذا أصبح التسيُّب في بعض الإدارات ملازمًا لموظفيها.
وأضاف إن التمييز بين الموظفين وتقدير من يعمل وتميزه عن من لا يعمل له دور كبير، وكذلك الرقابة الصارمة من مديري الأقسام، والذين هم في بعض الدوائر لا يحضرون إلاّ متأخّرين.
ومن الحلول التي يمكن أن تكون لها القدرة في الحد من التسيُّب الوظيفي أن يطالب الموظف بإنجاز عمل يومي، ويكون هناك تقييم بشكل مفاجئ يكون على إثرة الثواب والعقاب ويميز بين الذي يعمل والذي لا يحترم عمله ووظيفته. ويرى الدكتور خالد آل صالح موظف بالكلية التقنية بالرياض أن من أسباب التسيُّب عدم وجود آلية للرقابة تضمن التمييز بين الموظف ذي الكفاءة العالية وبين الموظف متدني الإنتاج، وكذلك عدم وجود عقاب رادع للحد من ظاهرة التسيُّب، مبينًا أن عدم وجود المحفّزات التي تشجّع الموظف الحكومي على زيادة الإنتاج والروتين في المعاملات والتعاملات الوظيفية من أهم الأسباب التي تعطي الموظف فرصة أن يتسيّب من عمله داعيًا إلى إعطاء صلاحيات كافية للمدير لتطبيق العقوبة المناسبة، مثل الحرمان من الترقية، وحتى النقل لمنطقة أخرى، وكذلك عدم منحه إجازات.
فيما يرى المهندس محمد السلطان من مركز النشاط الطلابي بالرياض أن ضعف الرقابة الادارية، وقلة الوازع الديني وأيضًا عدم تحمل المسؤولية، ووجود مصالح للموظف خارج مكان العمل من أبرز الأسباب التي تؤدّي إلى تهاون الموظف في عمله، مشيرًا إلى أن الحرمان من الحوافز والدورات التطويرية، وكذلك الإنذار الشفهي والكتابي قد تحدُّ من تلك الظاهرة.
من جانبه قال خالد الرزين موظف في المركز الإعلامي في الكلية التقنية بالرياض أن من أبرز الأسباب التي تقود الموظف إلى التسيُّب هي عدم وجود بيئة عمل محفّزة، وانعدام العلاقات الجيده بين زملاء العمل، وكذلك قلة الوعي بأهمية العمل لدى الموظف.
وقال الرزين إن تكليف الموظف بأعمال جديدة، وإعطاءه مساحة من المسؤولية فيما يخص عمل ومشاركته في صنع القرار الخاص بكيفية أداء مهام العمل، قد تكون بدلاً للعقوبة، وتحد من تسيّب الموظفين.
أكّد عضو هيئة التدريب ومنسق قطاع السلوك التنظيمي في معهد الإدارة العامة بالرياض الدكتور رياض العنزي أن التسيُّب الوظيفي له جانبين، الأول تنظيمي، ويشمل الأنظمة واللوائح، والآخر سلوكي تتمحور في ثقافة المجتمع، مبينًا أن هناك قصورًا في الأنظمة واللوائح، منها النقص في العقوبات وغياب التحفيز.
وأضاف إن الموظف الجديد في الحكومة يبدأ نشيطًا، ثم تأتي نتائج الترقيات، أو انتدابات ولا تشمله، ومن ذلك يشعر بالإحباط، وينعكس سلبًا على سلوكه، لافتًا إلى أن من المشكلات التي تسبب التسيُّب لدى الموظف الحكومي التعامل بالأقدمية في الترقيات، وبعض الأنظمة فيها لا تساعد على مكافأة الموظف المتميز.
وأوضح أن الحلول لمعالجة تسيب الموظف تتركز في التنظيم، وخاصة أن الجهات الحكومية تركّز جلّ اهتمامها على الحضور والانصراف دون النظر للإنتاجيه والتقييم، مشيرًا إلى أن السلوك السيئ يظهر إذا غاب التنظيم.
ولعل ما نراه من تميز وإبداع للشاب السعودي في القطاع الخاص، وخاصة في الشركات التي تكافئ موظفيها، وتقدم لهم الحوافز، ونرى أن هناك شبابًا كثرًا نجحوا في القطاع الخاص، ولك أن تقارن بين المستشفيات التي تقوم عليها برامج التشغيل الذاتي من الشركات، وبين المراكز الصحية، وتجد الفرق. ودائمًا حين ما يكون الحافز سيئًا فإن ذلك ينعكس على الموظف.
أكد الأستاذ المشارك بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور هشام آل الشيخ أن العمل أمانة يقدمها الإنسان بينه وبين ربه، ولذلك يجب على الإنسان أن يؤدّي هذه الأمانة على وفق ما هو مشروط من جهة العمل، وهذا عقد بينك وبين القطاع الذي تعمل فيه، ويجب الإيفاء بذلك العقد، وعدم الخروج من العمل إلاّ باستئذان وسماح صاحب العمل.
وطالب آل الشيخ الموظف بأن لا يختلق الأعذار حتّى يخرج من عمله، فالوقت هذا للعمل لتخليص مصالح المواطنين، وينبغي على كل موظف أن يراعي حقوق الآخرين، ويعلم أنها أمانة في عنقه، يُسأل عنها يوم القيامة. وهل هو أدّى عمله على الوجه المطلوب، والذي يرضي الله، أو هو تسيّب في هذا العمل وضيّع حقوق الناس؟ نحن نعاني من عدم حفظ هذه الأمانة المتعلقة بالدوام الرسمي المعلوم. وإذا تعاقد الموظف مع الجهة على عمل ما، فعليه أن يؤدّيه فهو أمانة في عنقه، وأنت إذا أتيت إلى دائرة من الدوائر، ووجدت أن الموظف غير موجود ربما أصابك شيء من الحزن؛ لأنك لم تنجز عملك، فلذلك حب لأخيك ما تحب لنفسك، وأبق في مكان عملك حتى ينتهي الدوام، وبعد ذلك لك الحق.
ونصح آل الشيخ المتسيبين في أعمالهم قبل انتهاء وقت العمل أن يطيّبوا مطعهم، فالمال الذي يأخذه -مَن يتسيّب- عن عمله هو مقابل عمله، فإذا أخللت بالعمل فأنت تأكل مالاً حرامًا، وتؤكّل به أهلك، والمسألة خطيرة جدًّا، وينبغي على المسلم أن يراعيها وينتبه لها. والتسيُّب عن العمل الكثير ليس بخروج الموظف لدورات المياه، أو شيء من هذا القبيل، بل نتحدّث عن تسيّب الموظف وخروجه إمّا للتنزّه أو غيرها؛ ممّا يريد أن يخرج، ويترك مجال عمله، فإذا جاء أصحاب الأعمال لم يجدوا الموظف على مكتبه، فتعطلت أعمالهم، وبالتالي أنت تاخذ مالاً لبقائك في هذا العمل، والواجب عليك أن تبحث عن اللقمة الحلال.
أرجع الباحث الاقتصادي عبدالرحمن الجبيري ارتفاع نسب التسيُّب الوظيفي بالدرجة الأولى إلى انخفاض مستوى الثقافة الإدارية، وغياب عنصر الرقابة الذاتية. فبالرغم من استخدام وتطبيق أنظمة صارمة في الكثير من الإدارات، إلاّ أنّها تبقى قابلة للمراوغة والتحايل، ولذلك يبدو أن هناك تحدّيات كبيرة تواجه معظم الإدارات بسبب هذه الظاهرة، وفي المقابل تشير الدراسات إلى إصابة ٣٠٪ من السكان في هولندا بما يُسمّى بمرض إجازة نهاية الأسبوع. وفي اليابان ارتفعت معدلات الإصابة والوفيات بمتلازمة كاروشي، وتعني الخوف من الإجازات.
وقال إن أنجح وسيلة لضبط التسيُّب الوظيفي هي تنمية ثقافة الانتماء، وحب العمل، وتهيئة بيئة عمل محفزة، وصقل الموظفين بدورات تدريبية متخصصة في تطوير الذات، وبرامج مكثفة في ثقافة الانتماء والولاء الوظيفي، إِذْ تتشكل تلك المعطيات وبنسب عالية من هذه الظاهرة بسبب غياب تلك البرامج عن الواقع الوظيفي.
وأشار إلى أن الاحتجاج بالتزامات الأسرة خلال أوقات الدوام الرسمي، مثل إحضار الأبناء من وإلى المدارس يُعدُّ نسبة مرتفعة، وعذرًا لأغلب المتسيّبين، ويمكن حلّها من خلال توفير وسائل نقل آمنة، وغير مكلّفة تحت إشراف وإدارة ومتابعة المدارس، أو شركات احترافية متخصصة في صناعة النقل، وأخيرًا يبقى الأمر أكثر فاعلية في قيام الإدارات بتطبيق نظام صارم ضد كلّ مَن يتغيّب ويتسبب في تعطيل مصالح المواطنين في كافة المجالات، مع العمل على تحفيز وتكريم الملتزمين بمهامهم الوظيفية، وخدمة مصالح المواطنين في أي قطاع.