بدأت تتضح تفاصيل الساعات القليلة التي سبقت تفجيرات مطار بروكسل في 22 مارس (آذار) الماضي، وذلك بناء على اعترافات أحد المتورطين في الحادث، وهو محمد عبريني المعروف بـ«صاحب القبعة».
وأكّد عبريني الذي تراجع عن قراره بتفجير نفسه، على غرار ما فعل زميلاه إبراهيم ونجيم، أن الانتحاريين المتطرّفين لعبا «بلاي ستايشن» مساء الاثنين، وتوجّها إلى المطار صباح الثلاثاء، وقرّرا تناول القهوة في محل للحلويات، قبل أن ينطلقا معا لتنفيذ العملية. واستغرب الشارع البلجيكي وإعلامه من «هدوء» هؤلاء المتطرفين.
وحسب مصادر إعلامية في بروكسل، صرح الناجي الوحيد محمد عبريني، الخميس الماضي، أمام المحققين خلال عملية إعادة تمثيل الأحداث، أنهم شربوا القهوة معا في محل الحلويات DÉLIFRANCE بالمطار. مضيفا: «وقبل ذلك بيوم، كنا مشغولين طوال اليوم بلعب بلاي ستيشن».
وبعد أن أوضح محمد عبريني للمحققين خلال ساعات يوم الخميس الماضي، كيف قضى الأيام الأخيرة مع نجيم العشراوي وإبراهيم البكراوي، اكتفت النيابة العامة الفيدرالية بالقول إن «إعادة تمثيل الأحداث مرت بشكل ناجح». وعلمت أنه تم إعداد المتفجرات يوم الأحد 20 مارس في شقة بشارع «ماكس رووس» بسكاربيك.
إلا أن الإعلام البلجيكي نقل أقوال عبريني أمس، الذي أفاد: «لقد انشغلنا ذلك اليوم بالذهاب إلى مقهى الإنترنت ولعب البلاي ستيشن وPS4». ومساء يوم الاثنين طلب، والإرهابيان الآخران، سيارة أجرة لتأخذهم إلى مطار بروكسل. وأوضح عبريني أن الثلاثي بدأوا بتفحص صالة المغادرة، لتحديد ثلاث رحلات على اللوح. وتركز الاختيار على رحلة مغادرة نحو روسيا، وأخرى متجهة إلى الولايات المتحدة، والثالثة نحو إسرائيل. ثم توجهوا بعد ذلك إلى محل DÉLIFRANCE، وتناولوا القهوة معا. وقام كل من العشراوي والبكراوي بتفجير نفسيهما. فيما تخلى عبريني الرجل صاحب القبعة، عن حقيبته وغادر المكان.
وأوضح الباحث الهولندي المتخصص، مارك ديخسن، بشأن ملابسات العملية الإرهابية: «لا يفاجئني أن يقوم الإرهابيون بقضاء ساعاتهم الأخيرة بهذا الأسلوب». وأضاف أنه في العام الماضي، سأل الباحث من جامعة LEIDEN بهولندا ثلاثة مقاتلين من تنظيم داعش بالعراق عما يفعلونه غير الأشياء المعتادة؟ وقال: «العقل البشري يرفض فكرة الموت. وبما أن العقل يرفضها، فسوف تغيرون تصرفكم. والبديل الوحيد هو الاستمرار في السلوك العادي». وبالنسبة للباحث، العقل البشري الذي يواجه الموت الوشيك يمر بمرحلتين. الأولى تتمثل في البحث عن إبعاد فكرة الموت عن الوعي. ثم، ستسعى عملية عاطفية للاوعي إلى منح معنى للموت، وإعطاء معنى للتضحية. وأضاف: «وقد أظهرت الأبحاث أن مقاتلي (داعش) يخشون الموت. ولكن فقط لأنهم يدركون أنهم إذا ما أصبحوا أمواتا، فلن يستطيعوا أبدا المساهمة في القتال».
ويذكر أن مكتب التحقيقات الفيدرالي في بلجيكا قال إنه أجرى إعادة تمثيل ما حدث يوم التفجيرات التي ضربت مطار بروكسل، التي شارك فيها محمد عبريني. وانتقلت عناصر الشرطة ورجال التحقيق إلى السكن الموجود في حي سكاربيك، الذي انطلق منه الأشخاص الثلاثة الذين شاركوا في تفجيرات المطار، وذلك في ظل حراسة أمنية مشددة شاركت فيها مروحيات الشرطة. كما انتقل الجميع بعدها إلى مطار بروكسل بعد الساعة العاشرة مساء الخميس الماضي، وجرى تعطيل العمل في المطار وإخلاء صالة المغادرة للركاب، كما أوقف هبوط أو إقلاع الطائرات لفترة من الوقت. وشرح عبريني للمحققين تسلسل الأحداث والدور الذي كان كل شخص مكلفا به في التنفيذ، وقال مكتب التحقيقات إنه حفاظا على سرية التحقيقات فلن يتم الإدلاء بأي تفاصيل أو أي نتائج لعملية محاكاة التفجيرات. وكان عبريني قد تمسك أمام رجال التحقيق بأقواله التي حاول من خلالها أن يقلل بقدر الإمكان من حجم مساهمته في العمليات الإرهابية، التي ضربت العاصمتين الفرنسية والبلجيكية، وأن المتورطين الوحيدين هم منفذو التفجيرات أنفسهم. وكرّر أكثر من مرة عبارة: «أنا لا أستطيع أن أؤذي ذبابة». وقالت وسائل الإعلام إن الوثيقة التي كتبت بتاريخ 2 فبراير (شباط) الماضي قبل ستة أسابيع من تفجيرات بروكسل، وجاءت في صفحة ونصف الصفحة غير موقعة، ظلت محفوظة في ذاكرة الحاسوب رغم محاولات حذفها. وتتضمن هذه الوثيقة وفقًا للمصادر «نيات» عبريني، الذي كان رفاقه يصفونه بـ«البطل». وقال في الوثيقة إنه يريد أن يموت «شهيدًا»، وطلب من والدته المغفرة، وقال لها إنه سيلتقيها هو وشقيقه سليمان في الجنة، حسبما ذكرت قناة «بي إم إف».
وكان سليمان شقيق محمد عبريني قد قتل في سوريا في يوليو (تموز) 2014 وكان عمره 20 عامًا، وهو ما دفع محمد إلى التفكير في الانضمام إلى «داعش». وسافر بالفعل في يونيو (حزيران) من العام الماضي إلى تركيا، ولكن لم يتم تأكيد دخوله إلى سوريا. وقالت صحيفة «دورنيور أور» البلجيكية الناطقة بالفرنسية، ووفقًا لمصادر مقربة من التحقيقات، إن عبريني قال إنه قام بإعداد هذه الوثيقة تحت ضغوط، ونفى أن يكون هو مالك الحاسوب الذي عثرت الشرطة فيه على الوثيقة. واستجوب المحققون محمد عبريني بشأن هذا الموضوع، وأوضح أن هذه الوثيقة كانت عبارة عن «نص نموذج» تم نسخه ولصقه ثم تغييره بشكل طفيف، بطلب من أفراد الخلية الإرهابية التي كانت وراء تفجيرات باريس وبروكسل، وفقًا للمصدر نفسه. وتوجد كثير من الوثائق من النوع نفسه.