يتلهف الموريتانيون كل سنة لحلول شهر رمضان المبارك، وعند قدومه يستقبلونه بمظاهر الفرح و السرور و الابتهاج، فيصومون النهار ويقومون الليل وتنتشر مظاهر المودة والتكافل و الإخاء، ويبدؤون في ترقب ليلة السابع و العشرين من الشهر لاعتقادهم أنها ليلة القدر " فيها يفرق كل أمر حكيم" والتي يستقبلونها بطقوس خاصة .
في هذه الليلة، أنواع خاصة من البخور (الفاسوخ، أو آمناس ) يتم حرقها دفعا للمكاره، و طردا للأرواح الشريرة، كما يتم تسخين الابر ووخز أماكن محددة في أجساد الصغار بها لتحاشي مس الشياطين التي تقول بعض الروايات الشعبية أنه يتم تحريرهم خلال هذه الليلة بعد أن كانوا مصفدين خلال الشهر الكريم .
فاطمة منت سيدي، سيدة أربعينية، تقول لموقع CNN بالعربية، إنها دأبت علي عادة حرق البخور خلال كل رمضان لأنه موروث شعبي أصيل بالنسبة لها فهي تقصد السوق مع بداية الشهر الفضيل لتنتقي أجود أنواع البخور و تحتفظ به لهذه الليلة.
وتضيف فاطمة:" أنحدر من منطقة الحوض حيث ولدت هناك وترعرعت. في تلك المنطقة تنتشر ممارسة مثل هذه الطقوس بشكل كبير، أقوم بتعويذ أبنائي ذكورا وإناثا عن طريق وخزهم بالإبر الساخنة دفعا للأرواح الشريرة و طردا للشياطين الذين يكثرون تلك الليلة "
وتواصل فاطمة: "لا أعرف إن كانت هذه الطقوس خرافات و أباطيل ولا أعرف إن كانت لها نتائج حقيقية كما لا أعرف تأصيلها الشرعي، لكني أعرف أنها جزء من موروثنا الشعبي الذي مارسناه طيلة قرون من الزمن"
ويقول الأستاذ الباحث في علم الاجتماع " محمد ولد سيدي" هذه الظاهرة: لكل فئة من فئات المجتمع الموريتاني طقوسها الخاصة بها التي تتميز بها عن باقي الفئات الأخرى يحيون بها ليلة السابع و العشرين من رمضان ( ليلة القدر )، حيث يعتقد جزء كبير من المجتمع أنه خلال تلك الليلة يتم نزع الأغلال و الأصفاد عن الشياطين".
ويوضح الباحث:"في هذه الليلة، يختم الموريتانيون القرآن وتمثل هذه المناسبة خصوصا لدى بعض أهل القرى والأرياف فرصة لإحضار أوانيهم وملابسهم حتى ينفث لهم إمام التراويح فيها بعد انتهائه من ختم القران ودعائه، ويحرص بعضهم على إحضار حفنة من تراب المسجد ينفث فيها الإمام، وتحتفظ بها الأسرة لتحصين وتعويذ أبنائها ضد الأرواح الشريرة".
سألنا العالم الموريتاني الناجي ولد الطالب أعبيدي عن رأيه في هذه الطقوس فقال : " لا أصل شرعي لما يقوم به البعض من طقوس مثل حرق البخور و نحوه معتقدين أنها تدفع عنهم الشياطين وتقيهم مس الجن وتجلب لهم الخير، خلال ليلة السابع و العشرين من رمضان، إنما ما نص عليه الدين هو إحياؤها بالعبادة والصدقة ونحوها كسائر ليالي العشر الأواخر".