أسفرت أيام جلسات التفاوض الثمانية في الجولة الأولى من «جنيف 4»، التي انتهت أمس وركزت على المسائل الإجرائية بالدرجة الأولى، إلى اتفاق على أربع «سلال» للجولة الخامسة في جنيف. هذه الجولة المقبلة لم يحدد المبعوث الدولي لسوريا ستيفان دي ميستورا تاريخها بالضبط، بل اكتفى بالقول إنها ستحصل في مارس (آذار) الحالي، وسيعمد إلى تحديد زمنها بعد زيارته إلى نيويورك «في الأيام القادمة» ولقائه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وتقديمه إحاطة إلى مجلس الأمن الدولي.
دي ميستورا قال خلال المؤتمر الصحافي في ختام يوم حافل بالاجتماعات مع مختلف الوفود الحاضرة، إن المفاوضات أسفرت عن التوصل إلى «جدول أعمال واضح» يتضمن مسألة «الإرهاب» التي كانت موضع تجاذب بين وفد النظام ووفد «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة. وذكر المبعوث الدولي أنه تم الاتفاق على «منهجية»، هي مناقشة المسائل الأربع المثارة، ومنها الانتقال السياسي، بالتوازي. وأكد استعداده وفريقه لملء الفراغ بين الجولة الرابعة والخامسة من خلال تشكيل مجموعات عمل أو لجان تستمر في البحث وتناول المسائل التي ستناقش. ومن الثابت أن الجولة الخامسة ستأتي بعد اجتماعات آستانة المقررة في 14 مارس الحالي، التي تتناول بشكل خاص المسائل العسكرية ووقف النار. وكان لافتًا قول دي ميستورا إن لقاءات آستانة وجنيف تتكاملان.
وفي السياق عينه، اعتبر المبعوث الدولي أنه «من الأنسب» الاستمرار في «المحادثات غير المباشرة بانتظار أن تتوافر الظروف للتحول إلى مفاوضات مباشرة» وشدد في الوقت عينه على تشجيعه الأطراف السورية للذهاب إلى وفد موحد، وهو ما سعى إليه منذ انطلاقة الجولة الرابعة. كذلك أفاد المبعوث الدولي أن «ورقة المبادئ» التي استخلصها وفده وسلمت إلى الوفود السورية تتضمن ما يتفق عليه الجميع، وهي تتناول وحدة سوريا واستقلالها ومبادئ عامة شبيهة بما خلص إليه في الجولتين الأخيرتين.
بعد 8 أيام شهدت ساعات طويلة من التفاوض بين دي ميستورا ووفد النظام وكل وفد من وفود المعارضة، ناهيك باجتماعات بين وفدي «الهيئة العليا» ووفد «منصة القاهرة» ولقاء يتيم ليل الخميس للأول مع أعضاء من وفد «منصة موسكو»، كان أقصى الطموح أن تخرج هذه الجولة بتوافق على نقطتين؛ الأولى، توضيح إمكانية دمج وفود المعارضة الثلاثة. والثانية، التوصل بفضل مساعي الوساطة الدولية والتدخلات الخارجية وأبرزها ما قام به نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف إلى أجندة مقبولة للبدء - أخيراً - في تناول المسائل الأساسية التي نص عليها القرار الدولي رقم 2254 والتي وزعها دي ميستورا على 3 سلال، في أول وثيقة قدمها للوفود الأربعة. وهذه السلال - أو الملفات - تتناول الحوكمة والدستور والانتخابات.
بالنسبة للنقطة الأولى لم يتحقق التوافق، ذلك أن اجتماع قدري جميل، نائب رئيس الوزراء السوري السابق والشخصية الأبرز في «منصة موسكو» لم يفضِ إلى توافق «بسبب التباعد الكبير في المواقف والشكوك المتبادلة بين الطرفين» كما يقول مصدر من وفد «الهيئة العليا». إلا أن «نغمة» أخرى سمعت أمس في جنيف، حيث أعلن ممثل «منصة موسكو»، عقب اجتماع مع المبعوث الدولي في قصر الأمم عصراً أن اللقاء مع «منصة الرياض» - كما أسمى «الهيئة العليا» - كان لمجرد «كسر الجليد» وأنه تم الاتفاق على مواصلة الجهود في لقاءات «يمكن أن تفضي إلى قيام وفد واحد على أساس التوافق». وكانت هذه المرة الأولى التي يوحي فيها المقربون من موسكو باحتمال حصول أمر كهذا. أما بخصوص التقريب بين «منصة القاهرة» ووفد «الهيئة العليا»، فإن الطرفين اتفقا - وفق ما قاله عضو الأولى جهاد المقدسي بعد لقائه دي ميستورا أمس - على «إيجاد آلية تنسيق وليس دمج الوفدين»، وذلك بالتوازي مع آلية التنسيق الموجود مع «منصة موسكو».
وفيما يخصّ النقطة الثانية، المتعلقة بالمسائل الأساسية التي نصّ عليها القرار الدولي رقم 2254 ووردت في «سلال» دي ميستورا الثلاث للوفود الأربعة، كاد إصرار السفير بشار الجعفري - رئيس وفد النظام - على إدراج «سلة» رابعة تحت بند الإرهاب أن يدفع بجولة جنيف الأخيرة إلى طريق مسدود بسبب رفض الهيئة العليا.
وكان الجعفري قد استغل في ذلك الهجوم الذي ضرب أجهزة الأمن السورية في مدينة حمص في ثاني يوم من «جنيف 4». وجاء على لسان سالم المسلط، الناطق باسم وفد «الهيئة العليا» أن الوفد «لا يريد أن يستخدم النظام ملف الإرهاب من أجل حرف المفاوضات عن مسارها وعن غرضها الأساسي، ألا وهو الانتقال السياسي». في حين رأت أطراف أخرى في الوفد أن أمراً كهذا يحتاج لتعريف الإرهاب وتضمينه استخدام السلاح الكيماوي والتهجير الجماعي والبراميل المتفجرة وتغييب مئات الآلاف من الأشخاص. وكادت الهجمة الإعلامية المزدوجة، أول من أمس، التي شنها الجعفري في جنيف وماريا زاخاروفا، الناطقة باسم الخارجية الروسية من موسكو، على وفد «الهيئة العليا للمفاوضات» - الذي حملاه مسوؤلية «الفشل» - أن تطيح بالجهود الدولية.
غير أن المحادثات المستفيضة التي أجراها دي ميستورا ليل الخميس الجمعة سمحت بتخفيف الاحتقان وتصوّر «مخرج» من أزمة «السلال». وبالتالي، تمثل في قبول وفد النظام التطرق إلى «سلة الانتقال السياسي» مقابل موافقة وفد «الهيئة العليا» على إدراج «السلة الرابعة» في جدول اجتماعات الجولة المقبلة ولكن تحت اسم «الإرهاب وجرائم الحرب»، وهو ما تمسك به المبعوث الدولي ودافع عنه بوجه رئيس وفد النظام، بحسب ما أكدت ذلك مصادر وفد «الهيئة العليا» لـ«الشرق الأوسط».
وهكذا، بدا واضحاً أن وفد النظام يعتبر أنه حقق «إنجازاً» بأن أدرج بند «الإرهاب» كـ«سلة رابعة»، بينما يعتبر وفد «الهيئة العليا» أنه حقق إنجازًا، دفع وفد النظام إلى القبول بالدخول في مباحثات تتناول عملية «الانتقال السياسي» التي أكد منذ البداية أنه جاء إلى جنيف سعياً وراء إطلاقها.
وفي سياق متصل، رأى منذر ماخوس الناطق باسم وفد «الهيئة العليا للمفاوضات» أن بقاء الوفد في جنيف «بحد ذاته إنجاز»، في إشارة إلى انسحابه في المرتين السابقتين بسبب التصعيد العسكري الذي كان يلجأ إليه النظام وداعموه لدى كل جولة تفاوض لإجهاضها.
بيد أن الصعوبات الجدية، وفق مصادر غربية تتابع عن كثب مجريات «جنيف 4» ستبدأ «حقيقة» عند انطلاق البحث في مضمون العملية السياسية، التي توجد عناوينها في القرار 2254. ولكن المعارضة تزيد عليها بيان جنيف لربيع عام 2012 الذي يتحدث في فقرته الرابعة عن «جهاز حكم تؤول إليه كل الصلاحيات التنفيذية».
أما بالنسبة عن «شريط أحداث» أمس، فلقد بدأ نهار دي ميستورا وفريقه يوماً طويلاً انطلق باجتماع مع «منصة القاهرة»، ثم «منصة موسكو». وأتبعه عصراً ومساء باجتماعين مع وفدي النظام و«الهيئة العليا». وبدا جهاد المقدسي (منصة القاهرة) «متفائلاً» بالنتائج التي تمخضت عنها 8 أيام من المحادثات. ووفق ما قاله للصحافة ظهراً، فإن المبعوث الدولي «نجح في الحفاظ على الزخم السياسي» للمسار، واستطاع أن ينهي الجانب «الإجرائي». وحسب رأيه، فإن هذين العاملين، إن تأكدا، من شأنهما أن يمهدا الطريق «لإنجاز تقدم سياسي غير إجرائي» في الجولة المقبلة. وشدد المقدسي في الوقت عينه على أن التفاوض بشأن «السلال» الثلاث أو الأربع «لم يبدأ بعد»، واعتبر أن لا ضير في إضافة سلة رابعة ما دام أن هناك «توازياً في التقدم» ولا إعلان لأي نتائج إلا في إطار «حزمة» متكاملة. ثم أعرب عن تفضيل مجموعته التفاوض المباشر مع وفد النظام، وهو ما يدعو إليه كذلك وفد «الهيئة العليا». وربط المقدسي إحراز تقدم بالضغوط التي يمكن أن تمارسها الأطراف الخارجية على الفئات السورية لدفعها إلى طاولة المفاوضات.
وبموازاة تفاؤل المقدسي، اعتبر وفد «منصة موسكو» أن دي ميستورا متفائل أيضاً بـ«إمكانية حصول حراك إلى الأمام» وبـ«الزخم» الذي حافظت عليه العملية التفاوضية «رغم الصعوبات» التي واجهت مبعوث الأمم المتحدة في لقاءاته مع الوفود السورية. ونقل عن الاجتماع أن دي ميستورا «أوحى» بوجود «سلة رابعة» هي «ملف الإرهاب»، مضيفاً أن «منصة موسكو» تتمسك بالوفد الواحد، وبالمفاوضات المباشرة مع وفد النظام وبمناقشة السلال كلها بالتوازي أو التزامن.