روى الباحث في تاريخ المملكة عبد الله العمراني، تفاصيل السنوات العجاف التي ضربت المملكة بداية من عام 1374هـ واشتدت في 1379هـ، حيث شهدت مناطق شمال السعودية قصصا مأساوية بعد أن أصابها القحط، كاشفا عن التعامل الحكيم للملك سعود مع الأزمة حتى تم إنقاذ كثير من الأرواح.
وعرض العمراني وفقا لـ"سبق"، تفاصيل المأساة التي أطلق عليها سنة "العظامية" لكثرة عظام الماشية المتناثرة في الصحراء بسبب القحط، وتحديداً (منطقة الحدود الشمالية– الجوف– تبوك)، حيث جفت المراعي واجتمع الجوع والعطش على الإنسان والحيوان، وكيف ماتت إحدى الأمهات فداء لإطعام أطفالها.
وقال العمراني، نقلا عن علي العزت، مدير الإرشاد الزراعي في تلك الفترة، إن اليأس كان قد خيم على البادية، وكان من الصعب رؤية منازل البدو في الليل، بعد أن امتنعوا عن إشعال النار لعدم وجود ما يوقدون النار من أجله؛ ولأنهم لا يقدرون على البحث عن الحطب.
وأكد أنه في تلك الفترة لم يبقَ على الأرض من الماشية ما يرعى العشب، ولم يترك القحط لأهل البادية شيئًا، حتى أن شيوخ البادية المعروفين بكثرة الإبل والمال، بحثوا عمن يقرضهم صاعا من الأرز.
ومن أبشع صور تلك المأساة هو عثور جماعة من البادية على امرأة قرب تيماء وقد فارقت الحياة، فوجدوها وقد لفت على بطنها حزامًا حتى التصق بطنها بظهرها، وعرفوا المرأة وقصتها، فقد كانت تستجدي الناس القوت، وتأخذه فتطعم أطفالها الصغار، ولا تأكل منه شيئًا؛ حتى ماتت.
كما روى بعض سكان البادية قصة رجل، أخذ ديكًا لسوق تيماء فباعه بـ10 ريالات، واشترى جملين بـ 8 ريالات، فقد اضطر الناس إلى بيع إبلهم الهزيلة بأبخس الأثمان؛ لأنهم لم يجدوا ما يطعمونها به.
وأوضح العمراني أنه في عام 1379هـ، وبعد اشتداد القحط بشكل كلي، قام الملك سعود بإرسال المعونات إلى أبناء بادية الشمال على متن عدد كبير من السيارات التي تحمل بداخلها الطعام والكساء، والتي أطلق عليها بادية الشمال (صدقة سعود).
ويصف أمير القريات في تلك الفترة، الأمير عبدالله بن عبدالعزيز السديري، استقبال البدو (صدقة سعود)، حيث قاموا بتوزيعها فور وصولها ليلا، مشيرا إلا أنه ما لبثوا من التوزيع حتى شبت النيران، وأضاءت البادية كلها بالضوء، وتجمع الصغار حول القدور يستعجلون نضج الطعام.
ووصف السديري فرحة البدو، وقد ناموا ببطون مشبعة لأول مرة منذ سنوات، ثم يقول: "والله لولا هذا لماتوا من الجوع".