استغرب الشيخ أحمد الغامدي مدير عام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السابق في منطقة مكة المكرمة، ومستشار مركز علوم القرآن والسُّنَّة، تحريم البعض "الطقطقة" التي تحدث بين الأندية الرياضية ضمن التنافس المثير الذي يدخل في إطار الترفيه المباح، وشدد على أن السخرية التي حرمها الله في كتابه العزيز تقتصر على السخرية من الذات.
واعترف الغامدي في حواره مع الرياضي أن عبارة (العالمية صعبة قوية)، وغيرها من العبارات التي تتحدث عن ضعف فريق الهلال الكروي وتترجم العقدة التي تواجهه في الحصول على دوري أبطال آسيا أمر مباح، وقال: لا تضيقوا على الناس، وامنحوهم مساحة من الترفيه المباح الذي لم يحرمه الله.
ودعا مستشار مركز علوم القرأن والسنة السعوديات إلى ممارسة الرياضة على قدم وساق مثل الرجل شريطة ارتداء الملابس الشرعية التي تستر جسدها ما عدا الوجه والكفين والقدمين، مشيراً إلى أن مشاركة السعوديات في المناسبات الرياضية العالمية يعكس صورة حضارية معتدلة عن الدين الإسلامي السمح.
وتحدث الغامدي عن أبنائه الذين يشجعون الهلال ومتابعته للمنتخب السعودي وأشياء أخرى عبر الحوار.. فإلى التفاصيل:
* فضيلة الشيخ.. دعنا نبدأ معك من نقطة ساخنة تشغل الشارع الرياضي.. ما رأيك في "الطقطقة" التي تحدث حالياً مع الهلال عقب خسارته لنهائي دوري أبطال آسيا لكرة القدم؟
ـ لا بد أن نفرق بين أمرين مهمين.. السخرية التي حرمها الله في محكم آياته حين قال تعالى في سورة الحجرات: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"، والمقصود سخرية الذات، أي معايرة الناس ومناداتهم بنواقصهم، كأن نقول فلان قصير أو أسمر أو أحول وغيرها من الأمور.
أما إذا دخول الأمر في الصفات الاعتبارية وما يسمى "الطقطقة" فهو أمر ليس محرماً، خصوصاً إذا كانت المسألة تتعلق بالتنافس المباح، فحين نقول (الهلال ضعيف) أو (العالمية صعبة قوية) أو ما شابه ذلك من المشاحنات الطريفة التي تحدث بين الجماهير فهي ليست سخرية، بل تدخل في إطار التشاحن والتنافس الذي تقتضيه الحياة.
صعبة قوية.. تجوز
* بوضوح شديد يا شيخنا.. هل كلمة (العالمية صعبة قوية) وما شابهها حلال؟
ـ نعم.. فالكلام في الرياضة ليس غيبة أو سخرية أو استهزاء.. لكنه قد يكون تحليلا للواقع.. لأن المدرب أخطأ في شيء، ولا تعتبر نوعا من السخرية، لأن (الطقطقة) من أجل غيظ الخصم فهي أمور طبيعية تحدث في حياتنا اليومية، ولا ينبغي أن نضيق على الناس، ولنا في السلف الصالح أسوة حسنة، ففي معركة أحد.. قال أبوسفيان للمسلمين: "ألا لنا العزى ولا عزى لكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجيبوه» قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم».. وهذا الحديث يدل على وجود مثل هذه الأمور في التنافس.
* لماذا يغالي البعض إذا في تحريمها؟
ـ الرياضة لها أهداف عظيمة سواء فردية أو جماعية.. فعلى الصعيد الفردي هي تقوي الأبدان، وعلى المستوى العام تحقق الترفيه المباح للمجتمع، وتسهم في تفريغ طاقات الشباب وإبعادهم عن المفاسد، وأهداف الرياضة حسنة لأنها تخلق جانبا من المتعة والإثارة المسموح بها والترفيه المباح الذي ينبغي أن نساعد عليه ونشجعه بدلاً من التضييق عليه.. وأي كلام يدخل في هذا الإطار بعيداً عن الاستهزاء بالذوات والكلام المستقبح المثير للبغضاء لا حرج فيه.
أولادي هلاليون
* بصراحتك المعهودة.. من تشجع في كرة القدم؟
ـ أشجع المنتخب السعودي وأتابع الكثير من مبارياته، لكني لا أشجع ناديا بعينه، وكل أندية الوطن لدي سواسية، لكن بالطبع أبنائي يشجعون كرة القدم ويتابعون الحراك الذي يحدث بين الأندية.
* ومن يشجع أولادك؟
ـ عبد الرحمن وإخوانه هلاليون.
* ألم يغضبوا من "الطقطقة" على الهلال بعد خسارة آسيويا؟
ـ تحدثوا لي عن بعض الأمور المسيئة.. لكن هناك طقطقة لا تخرج عن المزح المباح والتنافس الرياضي المحمود الذي لا يؤدي في النهاية إلى الفتنة والبغيضة.. وقد خففت عنهم وقلت لا تضيقوا على الناس دعوهم يتحدثون كما يشاؤون، ولابد أن تحمل المدرجات والصحف والتحليلات الرياضية مساحة من الفضفضة والطقطقة في إطار التنافس، وإظهار محاسن الفريق المنافس ونواقص الفريق الخاسر، دون إثارة العداوة والبغضاء والتحريض لذوات الأشخاص، وجرح للاخلاق والأداب.
الرياضة النسائية
* في إطار هذا الاعتدال الرائع.. دعنا نتحول إلى قضية أخرى وهي ممارسة المرأة للرياضة؟
ـ يحق للمرأة أن تمارس الرياضة كالرجل تماماً.. ولا فرق بينهما، دون أن يؤثر ذلك على الستر والعفاف، فلا تظهر زينتها الخفية وتستر ما أمر به الشرع (عامة البدن ما عدا الوجه والكفين والقدمين)، وإن استطاعت أن تمارس الرياضة مع تحقيق الستر ليس هناك مشكلة في ذلك.. فهذا حقها لأنه سيساعدها على الحفاظ على بدنها بصحة وعافية.
* ومشاركتها في المحافل الرياضية والبطولات؟
ـ مشاركة المرأة في البطولات العالمية ينطبق عليه نفس الأمر؛ لأنه يعتبر دعوة للاسلام ورفع شعاره في المكان الذي تقام فيه البطولا.. ولا فرق بين الذكور والإناث إذا ظهرت المرأة باللباس الشرعي الذي تحدثت عنه، فهي تعكس صورة حضارية وأخلاقية ونموذجية للمجتمعات، وتؤكد أن الإسلام يحترم الرياضة، وحتى لا يؤخذ كلامي بشكل يخالف المقصود، ينبغي على المرأة أن تخفي المثير الذي يسبب الفتنة ويسمح لها بالممارسة في إطار ما يحفظها.
دخول الملاعب
* وماذا عن دخول المرأة للمدرجات ومشاهدة المباريات في الملعب؟
ـ أمر مباح ولا يوجد ما يحرمه.. وطالما أنه يحق للمرأة مشاهدة المباريات من خلف الشاشات لماذا لا تشاهدها في الملعب دون أن يؤثر ذلك على عبادتها (مثل الرجل بالضبط)، وقد أخرج الصحيحان أن بعض مهاجري الحبشة كانوا يلعبون بالرمح في فناء مسجد الرسول، فدعا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، زوجته عائشة لتشهد الأحباش، وتارة كانت عائشة هي التي تسأل رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ؛ ليسمح لها بذلك. والرسول صلى الله عليه وآله تارة يجعل رداءه حائلا بينها وبين من كان في المسجد من الرجال، وتارة أخرى كان يقف هو أمامها وكانت عائشة ترتقي كتف الرسول وتنظر مشهد الأحباش الذين كانوا يلعبون بالرمح.
أعيد التأكيد على أن الرياضة لها أهداف نبيلة وكريمة، وهي تفريغ لطاقات المجتمع علاوة على فوائدها الشخصية، وقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشاهد سباقات الخيل ويشجع على التنافس المحمود.. ما لم يكن هناك اعتداء من طرف على الآخر.
كرة القدم
* وهل تذهب لأحقية المرأة في ممارسة الرياضات الشعبية مثل كرة القدم والسلة والطائرة وغيرها؟
ـ ولماذا نحرم ذلك؟.. لابد للرجل أن يكون عنده نوع من السياسة والليونة في التعامل مع زوجته وبناته.. فإذا كانت تحب اللعب والترفيه المباح لا يمنعها بل يصحح لها الأمر ويضعها على الطريق الصحيح، ولا مانع في ممارسة كرة السلة والطائرة والقدم.. طالما أن ذلك يكون في الإطار الشرعي ووفق الستر والعفة.
* أخيراً ماذا تقول لمتابعي الرياضة بشكل عام وكرة القدم على وجه الخصوص؟
ـ أقول للجميع لا تضيقوا على الناس، وساعدوهم على حب الدين الإسلامي الحنيف، لكني أدعو الوسط الرياضي الابتعاد عن التعصب البغيض والتحريض على الكراهية.