قصفت القوات الموالية للحكومة السورية منطقة الغوطة الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة يوم الثلاثاء، في تصعيد لأعمال العنف أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأنه أودى بحياة ما لا يقل عن 250 شخصا منذ ليل الأحد.
وذكر المرصد الذي يراقب الحرب من مقره في بريطانيا أن هذا أكبر عدد من القتلى يسقط في يومين منذ هجوم كيماوي في 2013 على المنطقة المحاصرة، وهي آخر معقل كبير للمعارضة قرب العاصمة دمشق.
وأطلقت الضربات الجوية والصاروخية والقصف المدفعي شرارة حملة إدانة دولية. ووصفت فرنسا، العضو الدائم بمجلس الأمن، القصف الحكومي بأنه انتهاك جسيم للقانون الدولي الإنساني.
ولم يرد تعقيب بعد من الجيش السوري. وتقول دمشق إنها لا تستهدف سوى المقاتلين.
والعنف في الغوطة الشرقية جزء من تصعيد أوسع على عدة جبهات في سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية في وقت يسعى فيه الرئيس بشار الأسد لإنهاء الصراع المستمر منذ نحو ثماني سنوات والذي بدأ باحتجاجات حاشدة على حكمه.
وقال المرصد إن أكثر من 106 أشخاص قتلوا في قصف يوم الثلاثاء على الغوطة الشرقية.
وندد بانوس مومتزيس منسق الأمم المتحدة لشؤون سوريا يوم الثلاثاء بقصف خمسة مستشفيات في الغوطة الشرقية وقال إن الهجمات المتعمدة على منشآت طبية ”ربما تصل إلى جرائم الحرب“.
وفي واشنطن قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر ناورت إن واشنطن ”قلقة للغاية“ من تصاعد العنف في الغوطة.
وأضافت ”الحصار الذي يفرضه نظام الأسد وأساليب التجويع...تزيد من الكارثة الإنسانية هناك“.
وتابعت أن الولايات المتحدة تدعم دعوة الأمم المتحدة لوقف العمليات القتالية لمدة شهر للسماح بإرسال مواد إغاثة والقيام بإجلاء طبي للمدنيين المصابين. ودعت روسيا إلى الكف عن دعم حكومة الأسد.
وفي بروكسل أبلغ رئيس وفد المعارضة السورية نصر الحريري الاتحاد الأوروبي بأن تصعيد الهجمات يمثل ”جريمة حرب“ وناشد مزيدا من الضغط الدولي على الأسد كي يتوقف عن ذلك.
وفي جنيف عبرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) عن غضبها الشديد من سقوط قتلى وجرحى من أطفال الغوطة، قائلة إن الكلمات تعجز عن وصف ما حدث.
وذكر المرصد أن ثمة 58 طفلا بين القتلى الذين سقطوا منذ بدء التصعيد يوم الأحد. وأضاف أن 1200 شخص آخرين أصيبوا بجروح.
* طائرات حربية في السماء
قال عمال إغاثة إن الغارات الجوية توجد ”حالة من الرعب“ بين سكان الغوطة الشرقية حيث يعيش من تقول الأمم المتحدة إنهم قرابة 400 ألف شخص. وتحاصر الحكومة الجيب المكون من بلدات ومزارع منذ 2013.
وقال التلفزيون الرسمي السوري إن الفصائل في الغوطة أطلقت قذائف المورتر على دمشق يوم الثلاثاء مما أدى إلى مقتل ستة أشخاص وإصابة 28. وذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء أن الجيش رد بضرب أهداف لجماعات المعارضة المسلحة.
وقالت وزارة الخارجية السورية إن المسلحين في الغوطة يستهدفون دمشق ويستخدمون الناس هناك ”دروعا بشرية“. وقالت في رسالة شكوى للأمم المتحدة إن بعض المسؤولين الغربيين يرفضون حق الحكومة في الدفاع عن نفسها.
وقالت خدمة الدفاع المدني في الغوطة الشرقية إن طائرات قصفت كفر بطنا وسقبا وحمورية وعدة بلدات أخرى يوم الثلاثاء.
وقال سراج محمود وهو متحدث باسم الدفاع المدني في الغوطة فيما دوت الانفجارات في الخلفية إن الطائرات الحربية تحلق في السماء طوال الوقت.
وذكر أن قوات الحكومة قصفت منازل ومدارس ومنشآت طبية وأن عمال إنقاذ وجدوا أكثر من مئة قتيل ”في يوم واحد“ يوم الاثنين.
وفي صور لرويترز ظهر أشخاص ينتظرون في نقطة طبية ببلدة دوما وكانت الدماء تسيل على وجوه بعضهم بينما غطى الغبار أجسادهم.
وقال اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية، وهو تحالف لوكالات دولية يمول مستشفيات في سوريا، إن قنابل أصابت خمسة مستشفيات في الغوطة الشرقية يوم الاثنين.
* مناطق عدم التصعيد
تخوض روسيا، أقوى حلفاء الأسد، مسارا دبلوماسيا موازيا أدى إلى إقامة عدد من ”مناطق عدم التصعيد“ في مناطق تحت سيطرة المعارضة العام الماضي.
واستعر القتال في الغوطة الشرقية رغم أنها تقع في واحدة من مناطق عدم التصعيد المفترضة، لكن الاتفاق لا يشمل جماعة كانت تابعة لتنظيم القاعدة ولها وجود محدود في المنطقة.
ويقول سكان وعمال إغاثة إن اتفاقات عدم التصعيد لم تتمخض عن وصول أي إغاثة فيما تناقصت إمدادات الطعام والوقود والدواء.
وتقول الجماعتان المعارضتان الرئيسيتان اللتان وقعتا الاتفاقات مع روسيا في الصيف الماضي إن الحكومة السورية وروسيا تتخذان من وجود المتشددين ذريعة لاستمرار القصف.
ولم تعلق روسيا على القصف الجديد للغوطة الشرقية يوم الثلاثاء.
وألقى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يوم الاثنين مسؤولية الأوضاع في الغوطة على ”استفزازات مسلحة“ من متشددي جبهة النصرة التي كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة. وقال إن موسكو وحلفاءها ”قد يطبقون خبراتهم في تحرير حلب.. على الوضع بالغوطة الشرقية“.
وحذر مبعوث الأمم المتحدة ستافان دي ميستورا يوم الثلاثاء من أن تصعيد المعركة في الغوطة قد يتحول إلى تكرار معركة حلب الدموية والتي استعادت دمشق السيطرة الكاملة عليها في أواخر 2016 بعد أعوام من القتال.
وقالت لجنة الإنقاذ الدولية، وهي منظمة إغاثة ”هذه مخاوف لها ما يبررها“. وأضافت أن سوء التغذية متفش فيما أغلقت مدارس الغوطة منذ أوائل يناير كانون الثاني بسبب الهجمات.
وقال مارك شنيلباكر مدير المنظمة في الشرق الأوسط ”سكان الغوطة الشرقية مذعورون. لم يعد هناك مكان آمن يلجأون إليه“.