close menu

مستوى الدخل أم الثقافة .. لماذا تتصدر السعودية العالم في هدر الغذاء؟

مستوى الدخل أم الثقافة .. لماذا تتصدر السعودية العالم في هدر الغذاء؟
المصدر:
أخبار 24

في الصين يقوم رواد المطاعم بنشر صور أطباق طعامهم الفارغة على وسائل التواصل الاجتماعي لحث أصدقائهم على عدم طلب أكثر مما يحتاجونه من الطعام.

وفي كوريا الجنوبية تم استحداث نظام جديد يتم خلاله فرض غرامة مالية تتناسب مع وزن الطعام المهدر.

أما ولاية ماساتشوستس الأمريكية فقد منعت المطاعم الكبيرة من إرسال نفايات مطابخها إلى مقالب القمامة.

وفي نفس الوقت تقوم المتاجر الكبرى في بريطانيا بتحسين طرق التعبئة والتغليف حتى يتسنى للمستهلكين الاحتفاظ بجزء كبير من ما يشترونه من طعام.

هذه الجهود وأخرى غيرها تأتي في إطار سعي الكثير من الدول إلى الحد من مشكلة هدر الغذاء، التي تعتبر اليوم أحد أكبر وأصعب المشكلات التي تواجه العالم، بسبب تداعياتها الخطيرة على الأمن الغذائي والبيئة، والاقتصادين المحلي والعالمي.

1.3 مليار طن من المواد الغذائية الصالحة للأكل – تعادل ثلث الإنتاج العالمي من الغذاء – يهدرها العالم بشكل سنوي، وهي الكمية التي تكفي لإطعام 3 مليارات شخص، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو). وتبلغ قيمة الغذاء المهدر في الدول المتقدمة حوالي 680 مليار دولار، بينما تبلغ قيمة ما تهدره الدول النامية من غذاء ما يقرب من 310 مليارات دولار.

الأمن الغذائي .. ما يجب الانتباه إليه

في يونيو/حزيران الماضي، أشار تقرير صادر عن وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية إلى أن المملكة تحتل المرتبة الأولى عالمياً في هدر الغذاء. وأوضح التقرير أن حوالي 30% من الأغذية المنتجة يتم إهدارها، بينما تصل قيمة الطعام المهدر حوالي 49 مليار ريال سنوياً.

بحسب التقرير، يبلغ نصيب الفرد من الطعام المهدر في السعودية حوالي 250 كيلوجراماً سنوياً، وهو ما يتجاوز بكثير ضعف المعدل العالمي البالغ 115 كيلوجراماً للفرد. وبشكل إجمالي، تهدر البلاد حوالي 8.3 مليون طن من الغذاء كل عام.

وإذا قررنا القفز فوق الاعتبارات القيمية والأخلاقية المرتبطة بهذه المشكلة، ونظرنا إلى المسألة من وجهة نظر براجماتية بحتة فسنكتشف أن الكثير من دول العالم بدأت تنظر خلال السنوات الأخيرة إلى مشكلة هدر الغذاء باعتبارها أحد العوامل التي تهدد أمنها الغذائي.

الإنتاج الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا محدود بسبب نقص الأراضي الصالحة للزراعة والمياه. ولذلك نجد أن نسبة المزروع من المساحة الإجمالية للأراضي بالمنطقة لا تتجاوز 3.9%، وذلك وفقاً لما ذكرته شركة "الماسة كابيتال" التي تتخذ من دبي مقراً لها في دراسة تحت عنوان: الأمن الغذائي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: هل نقوم بما يلزم لإطعام السكان؟".

بالتالي، تقوم المنطقة بالكامل بتلبية 50% من احتياجاتها من الغذاء من خلال الاستيراد. فوفقاً لذات الدراسة، بلغت قيمة قاتورة واردات الغذاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2008 حوالي 61.4 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 92.4 مليار دولار بحلول عام 2020.

أشارت دراسة أعدها باحثون من جامعة الملك سعود تحت عنوان "النفايات الغذائية في السعودية: الحاجة إلى برامج تعليمية لزيادة الوعي العام" إلى أن مشكلة هدر الغذاء أكثر أهمية وخطورة بالنسة للسعودية لسببين:

الأول هو أن المملكة العربية السعودية تستورد كل احتياجاتها الغذائية تقريباً، والثاني هو أن المملكة انضمت في العام 1990 إلى الدول التي تعاني من نقص حاد في المياه.

تنفق السعودية حوالي 4% من حيازاتها من العملة الأجنبية على الواردات الغذائية، وحتى الآن لم تواجه المملكة أي صعوبة تذكر في تأمين احتياجاتها الغذائية، ومن المرجح أن يستمر الوضع كما هو ما دام احتفظ قطاع التصدير بالمملكة بقوته وما دام ظل الغذاء متاحاً في الأسواق الدولية، وذلك بحسب ما ذكرته دراسة صادرة عن معهد "تشاتام هاوس" في أبريل/نيسان 2013.

لسنا الأعلى دخلاً .. إذن لماذا؟

في تقريرها السنوي حول الأمن الغذائي الصادر في عام 2016 أشارت وحدة الاستخبارات الاقتصادية في بريطانيا(EIU) إلى أن فرنسا تصدرت مؤشرها لاستدامة الغذاء، بينما جاءت السعودية في آخر الترتيب على خلفية ارتفاع نصيب الفرد لديها من الطعام المهدر.

صورة

إذا دققنا النظر في الجدول، فسنلاحظ أن السعودية ليست هي الأعلى دخلاً من بين الدول المذكورة، وهذا يشير إلى أن مشكلة إهدار الطعام لا تتعلق بالرفاهية الاقتصادية بقدر ما تتعلق بطبيعة وشكل الممارسات والثقافات المجتمعية.

الشعب السعودي مضياف ومحب للطعام، ولكن هذا لا يبرر بأي شكل الإسراف الذي تشهده موائد الطعام الفخمة خلال الأعياد وحفلات الزفاف والتجمعات غير الرسمية. أغلب هذا الطعام يتعرض للهدر. والأمر في حقيقته يتعلق بالوجاهة وحب التفاخر أكثر من أي شيء آخر.

أشارت دراسة نشرت في فبراير/شباط 2018 تحت عنوان "البحوث المتعلقة بإهدار الغذاء في العالم العربي: مراجعة منهجية" إلى أن حجم الطعام المهدر في حفل زفاف متوسط في مدينة مكة يكفي لإطعام 250 جائعاً.

في دراسة نشرها في عام 1992، أشار الدكتور "أحمد الشوشان" إلى أن الطعام المهدر في المستشفيات العامة بالسعودية يتراوح ما بين 24 و32% من حجم الطعام المقدم، وهو ما يعادل ما بين 0.66 إلى 0.88 كيلوجرام من الطعام للشخص الواحد.

إذا استطلعت آراء الأغلبية الكاسحة من الناس فستكتشف أنهم يعارضون هدر الطعام، ورغم ذلك لا يجد أكثرهم مشكلة في ترك الطعام على أطباقهم، أو شراء أكثر بكثير مما يحتاجون إليه بالفعل من مستلزمات البقالة.

عوامل مثل سوء التخطيط ونمط الحياة السريع وعدم وجود فكرة حول كيفية استخدام بقايا الطعام تؤدي إلى وجود كميات كبيرة من الطعام المهدر.

أحد أهم الأسباب التي تقف وراء إهدار هذه الكميات الضخمة من الطعام، هو أنهم ينظرون إلى الغذاء باعتباره شيئا متوفرا دائماً وفي متناول أيديهم، ولذلك يحجم الكثيرون منهم عن أكل بقايا طعاماً كانواً قد أعدوه بالأمس مثلاً، مفضلين إعداد طعام طازج.

فرنسا .. النموذج

إذا عدنا إلى التصنيف الصادر عن وحدة الاستخبارات الاقتصادية، فسنلاحظ أن فرنسا تتصدر المؤشر، باعتبارها أقل دول العالم هدراً للغذاء. وهذا في الحقيقة ليس وليد الصدفة، بل هو نتاج تخطيط وجهود حكومية ومجتمعية بذلت على مدار سنوات وآتت ثمارها.

قبل 6 سنوات، وتحديداً في عام 2012، بدأت الحكومة الفرنسية تأخذ مشكلة هدر الغذاء على محمل الجد، وسنت قانوناً جديداً للحد من كمية النفايات العضوية المرسلة إلى مقالب القمامة، يدفع مخالفوه غرامة مالية تصل إلى 75 ألف يورو.

حينها ألزمت وزارة البيئة والطاقة والتنمية المستدامة الفرنسية الشركات العاملة بالقطاع الخاص التي تنتج أكثر من 120 طناً من النفايات العضوية سنوياً بإعادة تدوير نفاياتها. ومع الوقت تم تقليل هذه الكمية، ليشمل القانون متاجر السوبر ماركت وشركات الأغذية والمطاعم الكبرى.

ثم جاءت فرنسا قبل عامين، وسنت قانوناً جديداً يمنع سلاسل السوبر ماركت من رمي الطعام الصالح للأكل أو تدميره، ويلزمها بدلاً من ذلك بالتبرع به للمؤسسات الخيرية وبنوك الطعام، لتصبح أول دولة في العالم تتخذ مثل هذا الإجراء. ومخالف هذا القانون يعرض نفسه لغرامة قد تصل إلى 75 ألف يورو أو السجن لمدة عامين.

هذا القانون الذي تبناه مجلس الشيوخ الفرنسي بالإجماع كان نتيجة لحملات قوية قادها نشطاء فرنسيون والذين استطاعوا خلال أربعة أشهر فقط تجميع أكثر 200 ألف توقيع على عريضة تطالب بإقرار القانون.

لكن يجب الإشارة إلى أن المسألة ليست قانونا تم إقراره وانتهى الأمر. سبب فاعلية هذا القانون في فرنسا هو أنه تم تطبيقه في وجود شبكة تضم 5 آلاف من المؤسسات الخيرية وبنوك الطعام القادرة على توزيع ذلك الطعام، وبالتوازي أيضاً مع حملات هدفها زيادة الوعي العام بمشكلة هدر الغذاء.

فرنسا الآن لا تفقد سوى 1.8% من إجمالي إنتاجها الغذائي، ورغم ذلك تخطط لخفض تلك النسبة إلى النصف بحلول عام 2025.

على خطى فرنسا، قامت إيطاليا في أغسطس/آب 2016 بسن تشريعات تقدم حوافز للمطاعم ومحلات السوبر ماركت ومنتجي المواد الغذائية، تشمل تخفيف الضوابط والأعباء الضريبية المفروضة عليهم إذا ما تبرعوا بالطعام الصالح للأكل إلى الجمعيات الخيرية. كما شجعت المواطنين على طلب أكياس من المطاعم ليأخذوا فيها المتبقي من طعامهم إلى المنزل.

باختصار، أصبحت مشكلة هدر الطعام واحدة من أهم المشاكل التي تشغل بال صناع القرارين السياسي والاقتصادي في الكثير من دول العالم، بسبب تداعياتها الخطيرة على البيئة والاقتصاد والأمن الغذائي. وكل المحاولات الناجحة لمواجهة تلك المشكلة شهدت تعاوناً وثيقاً بين الحكومة والمجتمع.

أضف تعليقك
paper icon
أهم المباريات