كشف السياسي العراقي مشعان الجبوري، أن فضائية "الشعب" التي يديرها حاليا، قررت عدم بث تسجيلات قال إنه حصل عليها من ليبيا، تتضمن "محاورات سرية" ومعلومات خطيرة تداولها قادة عرب مع العقيد الراحل معمر القذافي، إلى جانب الوصية التي تركها نفسه قبل ساعات من مقتله، مضيفاً أنه على اتصال مع أركان في النظام السابق، وبينهم موسى إبراهيم، الذي قد يظهر قريباً لإعلان السير بخيار العمل السياسي ضمن إطار جديد.
وقال الجبوري، في حديث خاص لموقع CNN بالعربية، إن فضائية "الشعب" التي بدأت بثها قبل أيام بعد إغلاق قناة "الرأي" في سوريا التي كان يديرها أيضاً، والتي استخدمها القذافي لبث خطاباته في أسابيعه الأخيرة، هي مؤسسة مختلفة تماماً، لأنها تنطلق في مرحلة إقليمية جديدة.
وشرح الجبوري موقفه قائلاً: "فضائية 'الشعب' تنطلق في فترة لم يعد فيها العراق محتلا، كما تبدلت الظروف المحيطة. ففي قناة 'الرأي' كنا نركز على بث العمليات الجهادية والحماسية، أما اليوم فنحن نركز في القناة الجديدة على الحض على المصالحة، وطي صفحة الماضي، ونشجع على عدم سفك الدماء، ونتبنى وحدة العراق ضد مشاريع التقسيم والفيدرالية، ونواجه الفساد."
وأقر الجبوري بأن إغلاق قناة 'الرأي' نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي هو "نتاج التطورات الحاصلة في المنطقة، وأيضاً لتطور العلاقات بين سوريا والعراق،" ولكنه رفض الحديث عن إمكانية تأثير النفوذ العراقي والتحالف بين سوريا وإيران على عمل قناته الجديدة التي تنطلق من سوريا أيضاً.
وأوضح بالقول: "لدينا موقف ضد أي تدخل أجنبي بشؤون العراق، ولا يمكن لأحد أن ينتقدنا أو يحاسبنا إلا إذا شاهد أننا نقوم مثلاً بمهاجمة النفوذ الإيراني والسكوت عن التدخل التركي، لأن قناة الشعب لن تخضع للضغوطات."
وأكد الجبوري في هذا الإطار على أن قناته الجديدة لا تخضع للقوانين السورية، لأن ترخيص عملها لم يصدر من دمشق، بل من مكان رفض الإفصاح عنه.
كما شدد على أنه قام بتوزيع قدرات البث في عدة أماكن بشكل يسمح بمواصلة العمل حتى إذا قررت دمشق إغلاق القناة، مضيفاً: "نريد مواجهة الضغوطات لأننا نهدف لمواصلة العمل من جهة، والحفاظ على خطابنا من جهة أخرى."
ونفى الجبوري وجود تمويل خارجي لقناته، وأكد أنه ينفق شخصياً على كل مشاريعه الإعلامية، كما نفى وجود ارتباط مع قنوات أخرى بدأت تظهر للدفاع عن وجهة النظر القريبة من المواقف السورية والإيرانية حيال الأوضاع في المنطقة، قائلاً إنه "من الصعب أن نكون معهم في نفس الخندق."
وبالحديث عن تجربة قناة 'الرأي' مع النظام الليبي السابق، قال الجبوري: "القناة كانت موجودة منذ سنوات، وكنا نعارض القذافي، كما كنا أول من أيد التحركات الشعبية بالدول العربية، ووضعنا أنفسنا بالكامل في تصرف الثوار بتونس ومصر، وكنا نقوم بدور كبير في تحديد أماكن التظاهر خلال فترة قطع وسائل الاتصال بمصر. ولكننا لم نستفد من الأمر دعائياً، ودفعنا الثمن عندما قام القذافي بالاتصال بالرئيس السوري بشار الأسد وهدد بتفجير القناة إذا لم تتوقف على التحريض على النظامين التونسي والمصري."
وتابع بالقول: "كما كنا نواكب أولى المظاهرات التي خرجت في بنغازي الليبية، ولكن عندما قرر الناتو التدخل تصدينا للقرار ورفضناه، وفسر البعض ذلك بأنه دعم منا للقذافي، ولكن حقيقة موقفنا كان رفض التدخل الخارجي، وأظن أن الأحداث الجارية في ليبيا حالياً والنزاعات المسلحة الدائرة تثبت صحة موقفنا، وهذا هو سبب استقبالنا لاتصالات القذافي ومن ثم ابنته عائشة."
وأثارت إشارة الجبوري قبل فترة إلى وجود تسجيلات لقادة عرب سربها إليه النظام الليبي السابق لاستخدامها في المعركة الإعلامية الكثير من اللغط، خاصة بعد بروز تسجيلات على الانترنت منسوبة لقادة عرب يتحدثون عن قيادات عربية أخرى، غير أن CNN لا يمكنها تأكيد صحتها بشكل مستقل.
وفي هذا السياق، أكد الجبوري امتلاكه لتسجيلات صوتية لقادة عرب من الأرشيف الليبي، إلى جانب "وصية" سجلها القذافي قبل ساعات من مقتله عبر اتصال هاتفي مع 'الرأي،' مشيراً إلى أن الرقم السوري الذي ظهر على هاتف العقيد الراحل ليكون آخر الأرقام التي طلبها قبل مقتله كان رقم قناته.
غير أنه أوضح لـCNN بالعربية بأنه قرر الامتناع عن بثها بعد أن سبق له التلويح بذلك قائلاً: "إذا وجدنا أن بثها سيخدم الشعب العربي دون التحريض على العنف فسنفعل ذلك، ولكننا نخشى أن ما لدينا من تسجيلات قد يحرض على العنف الداخلي في ليبيا."
ولفت الجبوري إلى أن هذا القرار هو السبب وراء موجة التشكيك والهجوم الذي يتعرض له حالياً من أنصار القذافي، ولكنه قال إنه "لا يعمل بطريقة ما يطلبه المستمعون،" بل يأخذ بعين الاعتبار "حساسية الأوضاع."
وأضاف: "لا اتجاه لدينا للنشر حالياً، غير أننا قد ننشر ما نراه مناسباً لخدمة الشارع العربي."
وأقر الجبوري بأن التسجيلات المنسوبة إلى شخصيات قطرية كبيرة، والموجودة حالياً على شبكة الانترنت هي جزء من المواد التي يمتلكها، ولكنه نفى بشكل قاطع أن يكون هو من قام بنشرها، مرجحاً أن تكون قد "سربت من قبل موظفين لدينا وبدون علمنا."
وحول طبيعة التسجيلات قال الجبوري: "هي عبارة عن حوارات بين القيادة الليبية (السابقة) وحكام عرب تم خلالها التعرض لأنظمة أخرى أو اقتراح التصدي لها أو حتى العمل على إسقاطها، ولذلك نعتقد بأن بث ما لدينا قد يتسبب بأذى كبير."
وتجنب الجبوري الرد على سؤال حول كيفية حصوله على التسجيلات، وقال إن الوقت غير مناسب لتحديد الظروف.
وبذات الوقت، نفى أن يكون لدى السلطات السورية نسخة عنها، معتبراً أن ما يتردد عن هذا الموضوع عبر مواقع الانترنت "غير صحيح ومجرد شائعات."
وحول طبيعة "وصية" القذافي قال الجبوري: "القذافي أراد في آخر حياته أن يقدم نفسه لأنصاره وللشعب الليبي كما كان هو يرى نفسه، وليس كما كانت تصوره وسائل الإعلام، وكان يريد أن تستمر المواجهة بين أنصاره ومن يسميهم العملاء."
وقال: نحن (فضائية الشعب) ندعو الليبيين إلى التصالح، فقناتنا لا ترغب برؤية قتال بين الليبيين، بل نريد من الناس التوجه للسلام وللانتخابات وتجنب مصير العراق."
وكشف الجبوري أنه ما زال على تواصل مع عدد من وجوه النظام الليبي السابق، مشيراً إلى وجود تيارين، الأول يدعو لمواصلة القتال ضد النظام الجديد في البلاد، بينما يميل الآخر إلى التوصل لحل سياسي يوقف العنف، معتبراً أن الناطق السابق باسم الحكومة الليبية، موسى إبراهيم، هو من بين أبرز شخصيات التيار الثاني.
وأوضح الجبوري قائلاً: "أنا على تواصل مع جميع أنصار القذافي في ليبيا وأدعم الاتجاه الذي يريد دفع الأمور بمسار سياسي، وأقول لأول مرة أن هناك تيار يريد السير بهذا الخيار ويقوده عدد من الحكماء، على رأسهم الأخ موسى إبراهيم، وهم يتجهون إلى إعداد إطار سياسي وقد ترونه قريباً على شاشة 'الشعب' للحديث عن هذا الخيار، ولكن هناك تيار آخر يريد السير بخيار العنف، ونحن لن نكون منبراً له."
يشار إلى أن قناة "الرأي" التي كان الجبوري يديرها في سوريا استخدمت من قبل القذافي لتوجيه رسائله الأخيرة بعد سقوط مدينة طرابلس بأغسطس/آب الماضي، وتعرضت مرافق الإعلام التابعة لنظامه إلى ضربات عسكرية، وقد جرى إغلاقها في وقت لاحق، وسط حديث عن حصول ذلك بطلب من الحكومة العراقية التي دعمت دمشق في الجامعة العربية، وكانت تشعر بالاستياء من هجوم القناة عليها.