في مصنع صغير في مدينة طرابلس، يدخل الزجاج الذي تناثر قبل شهر جراء انفجار مرفأ بيروت على سكان العاصمة وملأ شوارعها، إلى فرن ضخم ليخرج منه على شكل مرطبان أو إبريق تقليدي.
في الرابع من آب/أغسطس، قلع انفجار المرفأ أبواباً ونوافذ لا تحصى في بيروت وضواحيها، وغطت شوارع العاصمة أكوام من الزجاج المحطم المتساقط من المباني والمنازل والمتاجر.
وفي طرابلس، عاصمة الشمال اللبناني، اختار مصنعان تديرهما عائلتان التعاون مع مبادرة أطلقها ناشطون بيئيون لإعادة تدوير عشرات الأطنان من الزجاج المكسر في بيروت.
ويقول وسام حمود (24 عاماً) من مصنع "يونيغلاس" لوكالة "فرانس برس": "نعمل 24 ساعة في اليوم.. فقد نتج عن الانفجار كميات كبيرة من الزجاج المكسر والمنظمات تحضره لنا لإعادة تصنيعه".
وتلقى المصنع، الذي أسسه جد حمود، حتى اليوم ما بين 20 و22 طناً من الزجاج، ولا يزال ينتظر المزيد.
تصل شاحنات الزجاج إلى المصنع حيث يفرغها عمال يرتدون قفازات سميكة على الأرض، يزيلون منها الأوساخ قبل أن ينقلوها في أوعية كبيرة إلى الغرفة المظلمة في الداخل.
يضع أحدهم كمية بعد الأخرى في الفرن الضخم لتخرج منه وكأنها عجينة من لهب، قبل أن ينفخ فيها أحد العمال عبر أنبوب طويل، لتأخذ شكل وعاء أو إبريق.
وكان الزجاج المتطاير سبباً رئيسياً في سقوط عدد كبير من الجرحى الذين توافدوا على مستشفيات بيروت وضواحيها بعد الانفجار الذي أسفر عن مقتل 191 شخصاً وإصابة أكثر من 6500 آخرين.
وبعد أكثر من شهر على وقوعه، لا تزال الشاحنات المحملة بالزجاج تتنقل بين بيروت وطرابلس.
5000 طن
في الأيام الأولى التي تلت الانفجار، سارع زياد أبي شاكر، مؤسس شركة "سيدر إنفيرومنتال" للبيئة، للتعاون مع منظمات مجتمع مدني ومجموعات متطوعين لوضع خطة لتفادي رمي أكوام الزجاج الضخمة في مكبات النفايات.
وقال أبي شاكر: "وجدنا أنه من الممكن لمصانعنا المحلية أن تستفيد من جزء على الأقل من الزجاج المحطم كمواد أولية لها"، مضيفاً: "بذلك، غيّرنا مسار الزجاج من مكبات النفايات، وبتنا نؤمنه بالمجان لمصانعنا المحلية".
وأمّنت المبادرة للمصنعين في طرابلس 58 طناً من الزجاج، وفق أبي شاكر الذي يأمل أن يتمكن من إرسال 250 طناً في حال استطاع تأمين التمويل اللازم.
ووفق تقديراته، تسبب الانفجار بتكسير أكثر من 5000 طن من الزجاج.
وعمدت المبادرة منذ الأيام الأولى بعد الانفجار إلى الإعلان عن رقم هاتف ليتصل عليه كل من أراد إرسال الزجاج المكسر من منزله أو محله.
ويعاني لبنان، البلد ذو الموارد المحدودة، أساساً من نقص في تأمين الخدمات الرئيسية، وترهل بنيته التحتية. ويشهد منذ العام 2015 أزمة نفايات لم تجد الحكومات المتعاقبة حلاً مستداماً لها، بل إن المنظمات غير الحكومية كانت المبادرة الأساسية لإيجاد حلول بديلة.
وبرغم مبادرات المنظمات غير الحكومية والناشطين البيئيين، فإنه يجري تدوير 10% فقط من النفايات في لبنان، وفق تقديرات رسمية.
"غيض من فيض"
وفي منطقتي مار مخايل والكرنتينا المجاورتين لمرفأ بيروت والمتضررتين بشدة جراء الانفجار، لا يزال المتطوعون ينهمكون يومياً في تنظيف الشوارع والمنازل وفرز الزجاج الذي من الممكن إعادة استخدامه.
يشرف أنطوني عبد الكريم على عمليات تنظيف تقوم بها خلية أزمة من المتطوعين أطلقت على نفسها تسمية "من تحت الردم".
وقال الشاب: "لدينا جبال من الزبالة تتراكم في بيروت، وهي عبارة عن خليط من الزجاج والردم والحديد ممزوج بنفايات عضوية". وأضاف: "هذا أمر غير صحي بتاتاً فنحن ليس لدينا عمليات إعادة تدوير سليمة في لبنان".
وقبل أشهر، أطلق عبد الكريم مبادرة لإعادة استخدام الزجاج تحت عنوان "زجاجة فارغة" مدفوعاً برؤيته كميات كبيرة من الزجاجات الفارغة التي ترمى في مستوعبات النفايات.
واعتبر عبد الكريم أن ما تم إرساله إلى طرابلس "ليس سوى غيض من فيض".
ويسعى عبد الكريم إلى إيجاد طرق أخرى لاستخدام الزجاج المكسر الذي لا يمكن لمصنعي طرابلس استخدامه، ربما عبر تحطيمه تماماً لخلطه مع الإسمنت أو أي مواد أخرى. وختم قائلاً: "نحتاج إلى الكثير من الوقت، نعلم ذلك جيداً".