في هذا العصر اختلف مفهوم "البث التليفزيوني" عن ذي قبل، فالآن وبشاشة حديثة تدمج بين مواصفات الحواسب الآلية والجوالات والتليفزيون التقليدي، تستطيع أن تشاهد برامجك المفضلة وكذلك مسلسلاتك، وتنوع بين البرامج التي تعرض على القنوات الفضائية والأرضية والمواد المعروضة على ما يُسمى بمنصات العرض حسب الطلب.
لكن قبل عقود من يومنا هذا كيف كان البث التليفزيوني؟ وكيف كانت أول بداية للبث التليفزيوني السعودي تحديدًا؟ هذا ما نستعرضه في هذا التقرير.
القرار
في عام 1382هـ، الموافق 1962م، أعلن ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء في ذلك الوقت، الأمير فيصل بن عبدالعزيز، في بيان، عزم حكومة المملكة إدخال البث التليفزيوني إلى أراضيها.
وأوضح ولي العهد -وقتها-، في بيانه، اعتزام الحكومة الأخذ بهذه الوسيلة الهادفة إلى "الترفيه البريء"، وقد شرح الأمير فيصل فيما بعد المقصود بهذا التعبير، مشيرًا إلى الإطار الأخلاقي الذي تقوم عليه حياة السعودية وشعبها، المستمد من الشريعة الإسلامية كما في القرآن الكريم والسنة المطهرة.
وأكد على اعتبار الوسائل الإعلامية أدوات للتوعية والتوجيه والإرشاد والتثقيف بعيداً عما يخالف ذلك الإطار الأخلاقي، أو يتحرك أو ينحرف بالأجهزة الإعلامية عن رسالتها الأساسية.
وعقب هذا الإعلان بعام واحد، أقرّ مجلس الوزراء مشروع إنشاء التليفزيون السعودي، على مرحلتين: الأولى تضمنت محطتين مؤقتتين في الرياض وجدة، والثانية إنشاء نظام تليفزيون متكامل على أسس أكثر تطورا، أي ما يمكن وصفه بمرحلة التوسع.
وفي يناير عام 1964م، تم إبرام اتفاقية بين وزارة الإعلام والحكومة الأمريكية تقضي بأن تكون الحكومة الأمريكية ذات مسؤولية تعاقدية بالنسبة لتركيب أجهزة الإرسال التليفزيوني وتدريب العاملين اللازمين لتشغيل وإدارة المحطات في المراحل الأولى.
وقد اختيرت شركة RCA (آر سي أيه) لتنفيذ المشروع، كما تم اختيار شركة NBC (إن بي سي) لتقوم بتشغيل وصيانة المحطتين المؤقتتين في كل من جدة والرياض.
البداية.. أول إرسال
في التاسع من ربيع الأول 1385هـ، الموافق 7 يوليو 1965م، تحلق السعوديون في منازلهم حول الصندوق المزود بشاشة زجاجية، في انتظار البث الرسمي من محطتي الرياض وجدة.
كان البث في هذا اليوم بجودة اللونين الأبيض والأسود، وبقناة واحدة، هي قناة المملكة العربية السعودية، التي تغلق في تمام الثامنة مساء، وبتكلفة وصلت إلى حوالي عشرة ملايين ريال.
في البداية لم يصل البث التليفزيوني إلى أبعد من نطاق المحطتين، إلا أنه وفقًا للمرحلة الثانية المذكورة في خطاب الإعلان عن الإنشاء، وصل البث في أعوام متلاحقة بالأبيض والأسود أيضًا، إلى مكة المكرمة والطائف من محطة جدة عام 1387هـ، ثم محطة المدينة المنورة في العام نفسه.
تلى ذلك محطة القصيم والدمام في عام 1388هـ، ثم محطة الباحة وحائل في عام 1389هـ، ومن ثم محطة عسير في 1389هـ، فمحطة جيزان ونجران في 1390هـ, تلتها محطة تبوك، ومحطة الجوف، ومحطة عرعر ورفحاء في عام 1390هـ، وأخيرًا محطة طريف والقريات في عام 1391هـ..
وكانت محطة تلفزيون الدمام، أكبر محطات المملكة من حيث القوة والمساحة، واحتوت على أحدث الأجهزة والمعدات، وكانت تغطي المنطقة الشرقية ومناطق بدول الخليج العربي.
تلوين الشاشة
كانت المملكة تتطلع إلى إحلال الإرسال التليفزيوني الملون محل الأبيض والأسود، ووقع الاختيار على النظام الفرنسي (سيكام) ليكون النظام الملون الجديد للتليفزيون السعودي.
ووقعت الحكومتان السعودية والفرنسية في شوال 1394هـ اتفاقية مدتها خمس سنوات تنص على التعاون لتطوير التليفزيون، ومفادها أن يقوم الفرنسيون بتطوير الشبكة التليفزيونية في المملكة باستخدام نظام سيكام للتليفزيون الملون.
وكانت أول مرة يرى فيها السعوديون برامج محطاتهم بالألوان، في جدة في شهر ذي الحجة عام 1394هـ، ليبدأ البث الرسمي من مكة المكرمة في التاريخ نفسه.
ووصل البث الملون إلى الرياض في شوال عام 1396هـ- 1976م، كما وصل إلى عدة مدن، كالمدينة المنورة والطائف والباحة.
البث الملون بصورة دائمة
وفي اليوم الأول من عيد الفطر المبارك عام 1396هـ، والذي وافق اليوم الوطني للمملكة، بدأ التليفزيون السعودي البث الملون بصورة دائمة بعد فترة تجارب استمرت عدة أشهر على قناة واحدة فقط على نظام سيكام 3 بي الفرنسي.
حدث مهم
في أواخر عام 1394هـ، نُقلت مناسك الحج لأول مرة، عبر شبكات الأقمار الصناعية، إلى جموع المسلمين في العالم، وقدر عدد الذين شاهدوا المناسك واستحسنوا الأمر بـ 700 مليون مسلم طبقًا للإحصائيات التي أجريت حول هذا النقل وقتها.
ساعات البث
وكانت ساعات الإرسال في بداية البث التليفزيوني عام 1385هـ الموافق 1965م، حوالي عشر ساعات أسبوعية، فيما وصلت عام 1395هـ الموافق 1975م، ساعات البث الأسبوعية إلى حوالي 50 ساعة.
ومع دخول البث الملون وصلت ساعات البث إلى 70 ساعة أسبوعياً، مع زيادة هذا المعدل إلى أكثر من مئة ساعة أسبوعياً خلال شهر رمضان المبارك وموسم الحج، وازدادت ساعات البث شيئاً فشيئاً حتى أصبحت القنوات التليفزيونية الآن تبث على مدى 24 ساعة يومياً.