في التاسع من يوليو عام 2015، أعلن الديوان الملكي وفاة الأمير سعود الفيصل، الملقب بفارس الدبلوماسية العربية، وعميد وزراء الخارجية في العالم.
وكان نص بيان الديوان الملكي: "انتقل إلى رحمة الله تعالى في الولايات المتحدة الأمريكية صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن فيصل بن عبدالعزيز آل سعود وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء المستشار والمبعوث الخاص لخادم الحرمين الشريفين والمشرف على الشؤون الخارجية...".
ووصف البيان الأمير الراحل بـ "رمز الأمانة والعمل الدؤوب لتحقيق تطلعات وطنه وأمته"، فمن سعود الفيصل، الذي قضى في منصب وزير الخارجية 4 عقود؟
النشأة
ولد الأمير سعود الفيصل، في الطائف عام 1940م، وتلقى تعليمه بمدرسة الطائف النموذجية، وحصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة برينستون، من الولايات المتحدة الأمريكية.
تدرجه في الوظائف
عقب تخرجه في جامعة برينستون، عمل الفيصل كمستشار اقتصادي لوزارة البترول والثروة المعدنية، إضافة إلى عمله في لجنة التنسيق العليا بالوزارة، لينتقل بعدها إلى المؤسسة العامة للبترول والمعادن (بترومين).
في تلك الفترة، أصبح الفيصل مسؤولاً عن مكتب العلاقات البترولية الذي يشرف على تنسيق العلاقة بين الوزارة وبترومين، ثم عين نائبًا لمحافظ بترومين لشؤون التخطيط، ثم نائبًا لوزير البترول والثروة المعدنية.
وأوكلت إليه العديد من المهام، بينها نائب رئيس المجلس الأعلى للإعلام ، وعضو بالمجلس الأعلى للبترول ، وعضو بمجلس الإدارة المنتدب للهيئة الوطنية للحياة الفطرية.
الالتحاق بوزارة الخارجية
في عهد والده الملك فيصل، التحق بوزارة الخارجية، في ظل تولي وزير الدولة للشؤون الخارجية -وقتها- عمر السقاف، ليتولى بعد وفاة السقاف حقيبة الشؤون الخارجية للمملكة، وتبدأ رحلة 40 عامًا من العطاء، بموجب الأمر الملكي رقم أ/236، والصادر في 13 أكتوبر 1975.
كان الفيصل بحكم عمله كوزير للخارجية، عضوا في العديد من اللجان العربية، كاللجنة الثلاثية حول لبنان، ولجنة التضامن العربي واللجنة السباعية العربية، ولجنة القدس.
كما رأس وفد المملكة في العديد من القمم العربية والإسلامية، نيابة عن خادم الحرمين الشريفين، إضافة لرئاسته الدائمة لوفد المملكة لاجتماعات وزراء الخارجية العرب والمسلمين، واجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوية على مدى 40 عامًا.
إنجازات دبلوماسية
لعب الرجل الوحيد الذي تولى حقيبة وزارة الخارجية عالميًا لأربعين عامًا متواصلة، دورًا كبيرًا في وضع حد للحرب اللبنانية، والتوصل إلى اتفاق الطائف 1989، كما قاد السياسة الخارجية السعودية أثناء الحرب العراقية الإيرانية، ثم خلال الغزو العراقي للكويت، وخلال حرب الخليج، وحتى تحرير الكويت المنطلق من المملكة.
كما رفض الاقتتال الطائفي في العراق عقب الاجتياح الأمريكي في عام 2003، والذي رفضت خلاله المملكة استخدام أراضيها لغزو العراق، وهو صاحب انتقادات علنية لسياسات الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط.
اتهام السعودية بأنها كانت أحد المشاركين في اجتياح #العراق عام 2003 عارٍ من الصحة تماماً
— نور على الدرب (@Noor3laALdrb1) January 13, 2021
موقف #السعودية كان واضحاً وجلياً وهو الرفض التام لاحتلال العراق
وهذا ما يؤكده كلام الراحل الأمير سعود الفيصل في تلك الفترة@TS_Observer الفديو من ترجمة المبدع pic.twitter.com/pk35WnyUla
كما ساهم في إعادة إطلاق مبادرة السلام العربية عام 2007، بعد خمس سنوات على إطلاقها في القمة العربية في بيروت، إلا أنه تبنى سياسة الحذر من إسرائيل رغم ذلك.
ورعى الفيصل اتفاق مكة بين الفصائل الفلسطينية، في الفترة من 6 إلى 8 فبراير 2007، وقد جرى الاتفاق فيها على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وفق اتفاق تفصيلي معتمد بين الفصائل الفلسطينية إلى جانب بنودٍ أخرى.
ولعل تواصله مع أصحاب اللغات المختلفة، كلٍ بلسانه، أثر على طبيعة عمله وأثقلها، فقد كان متقنًا لـ7 لغات إضافة إلى العربية، منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، والألمانية، والإسبانية، والعبرية.
طلب الإعفاء
وفي أبريل عام 2015، تلقى الأمير سعود بن فيصل، ردًا على طلبه الإعفاء من منصبه، لظروفه الصحية، وكان الرد في صورة خطاب ملكي موجه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى شخصه جاء نصه: "صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن فيصل بن عبدالعزيز آل سعود وزير الدولة عضو مجلس الوزراء المستشار والمبعوث الخاص لخادم الحرمين الشريفين المشرف على الشؤون الخارجية حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
تلقينا طلب سموكم إعفاءكم من منصبكم لظروفكم الصحية، وما حمله الطلب من مشاعر الولاء الصادقة لدينكم ومليككم ووطنكم، وهذا ليس بمستغرب على سموكم. فقد عرفناكم كما عرفكم العالم أجمع على مدى أربعين عاماً متنقلاً بين عواصمه ومدنه شارحاً سياسة وطنكم وحاملاً لواءه، ومنافحاً عن مبادئه ومصالحه، ومبادئ ومصالح أمتكم العربية والإسلامية، مضحين في سبيل ذلك بوقتكم وصحتكم، كما عرفنا فيكم الإخلاص في العمل والأمانة في الأداء والولاء للدين والوطن فكنتم لوطنكم خير سفير ولقادته خير معين. ويعلم الله أن تحقيق طلب سموكم من أصعب الأمور علينا وأثقلها على أنفسنا، إلا أننا نقدر عالياً ظرفكم، ونثمن كثيراً مشاعركم، وإننا وإن استجبنا لرغبة سموكم وإلحاحكم غير مرة فإنكم ستكونون -إن شاء الله- قريبين منا ومن العمل الذي أحببتموه وأحبكم وأخلصتم فيه وبذلتم فيه جهدكم بلا كلل ولا ملل، تتنقلون من موقع إلى آخر تخدمون فيه دينكم ثم وطنكم في مسيرة حافلة بالنجاح ولله الحمد، سائلاً المولى القدير أن يمنّ على سموكم بدوام الصحة والعافية، وأن يحفظكم ويرعاكم ويسدد على دروب الخير خطاكم".
الفارس يترجل
وفي 9 يوليو 2015 أسدل الستار على مسيرة دبلوماسية حافلة، بوفاة الأمير سعود الفيصل، الذي وصل جثمانهً جواً من الولايات المتحدة إلى جدة، ومنها إلى مكة المكرمة، حيث وُري جثمانه بمقبرة العدل بجوار المسجد الحرام.