تباين أسلوب قضاء الساعات الرمضانية واستغلال فضيلة الشهر الكريم ما بين أسرة وأخرى، وساعة بعينها عن نظيرتها، وعلى الرغم من ذلك الاختلاف فإن كل ما يقومون به يصب في ممارسات وسلوكيات خصوصية شهر رمضان وما يتميز به عن بقية أشهر السنة.
في زاوية المطبخ، تزيل سارة محمد (18عاما) لوحة (المهمات المنزلية) القديمة وتقوم بتعليق أخرى جديدة على الجدار، وتستبدل قائمة الواجبات المنزلية، المقسمة بينها وبين أخواتها وأخيها، والتي تتلخص ما بين القيام بوجبات الفطور والغداء والعشاء وغسيل الأطباق وتنظيف أرضية المطبخ وغسل الملابس وكنس المنزل، إلى قائمة من الأعمال جديدة تختص برمضان.
وأضافت أنها عمدت إلى اختزال قائمة المهمات من ثلاث وجبات إلى اثنتين، حيث تتكفل هي وأختها ريما (16عاما) بعمل وجبة السحور بالتبادل بشكل يومي، وغسيل الأطباق وتنظيف المطبخ، وغسيل الملابس، في حين تقوم أختها الصغرى هديل (14عاما) بالمهام المتبقية.
وأشارت إلى أن والدتها خصصت لنفسها مهمة إعداد وجبة الإفطار لأهل البيت وأهل المسجد معًا وتعبئة الطعام بالأطباق البلاستيكية، في حين أن أخاها يوسف يتولى مهمة نقل فطور أهل المسجد، وفي ذلك تقول الأم إنها اكتسبت هذه العادة من والدتها رحمها الله، إذ كانت لا تتأخر في إعداد وجبات الصائمين في المسجد وكانت تقوم بمساعدتها وتعبئة الأطباق.
"اللهم إني صائم"
بهذه العبارة، اختتم الطفل فايز(7سنوات)، حديثه لأبيه بعد خصامه معه، ودخل غرفته وأغلق الباب عليه، وعن سبب ذلك الخلاف، ذكر والده محمد الهزازي أن ابنه يعاني من الأنيميا المنجلية بالوراثة وحاول إقناعه بتقنين ساعات الصيام أو الاكتفاء بصيام يوم وإفطار يوم، بسبب خوفه على صحته، إلا أنه رفض، ما دفعه لحرمانه من الذهاب معه إلى المستشفى لتوزيع بعض الهدايا على المرضى الأطفال خلال شهر رمضان، وفي ذلك يقول الطفل فايز بعد عدة محاولات للتواصل معه، إنه كبر وأصبح رجلا، يقدر على الصوم حتى وهو مريض، واضطر والده للاستسلام لرغبته واصطحابه معه إلى المستشفى لتوزيع الهدايا على الأطفال المرضى.
عقد الصلح
وبعد انتهاء صلاة التراويح، اكتظت ديوانية العم محمد، بحشد من الأقارب والمعارف ليشهدوا عقد الصلح بين اثنين من أبناء العمومة، حيث كان العم محمد وعدد من فاعلي الخير سببًا لإنهاء خلاف وقطيعة رحم امتدت بينهم لأكثر من ثلاث سنوات.
ويقول العم محمد (80عاما)، إن المشكلة بدأت بشجار بين أطفال أبناء العمومة، لينتقل هذا الشجار من الأطفال إلى زوجة كل منهما، حيث ساهمت كلتاهما في تضخيم حجم المشكلة، من خلال تحريض زوجيهما بعضهما على بعض، ما دفع أحد أبناء العم لضرب أطفال الآخر ضربًا مبرحا، ليدخلا في شجار وجدال وبالتالي قطيعة استمرت ثلاث سنوات، مضيفا أنه بفضل الله أولا وسعي الكثير من الأقارب والمعارف بتقريب وجهات النظر والتوسط بين الأطراف، تمكن من الصلح بينهم في هذا الشهر المبارك.
صلة الرحم
إلى ذلك، أكدت الأخصائية الاجتماعية هدى الحربي أنه على الرغم من العزلة التي نشهدها بسبب انشغال الكثير بالقنوات التليفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وارتباط كلا الوالدين بوظائف بحيث لا تجعل لديهما وقتًا كافيًا للقيام بواجباتهما الاجتماعية، واقتصار صلة الرحم عند البعض على مسجات الجوال، فإن شهر رمضان يشهد في كل سنة توثيق أواصر المحبة وإعادة علاقات كانت ممزقة بسبب الخلافات، وتعميق القيم والمبادئ الدينية داخل الفرد.
وِشددت الحربي على أن تقليص الشخص لانتقاد الآخرين والكف عن مراقبة تصرفات وحياة غيره وانشغال الفرد بنفسه، وسعيه لإصلاح ذاته ومعالجته لنقاط ضعفه، من شأنه السمو بذاته واستمرار علاقاته مع من حوله على نحو صحي.