شهدت العلاقات الثنائية بين المملكة ومصر تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة؛ لتصل إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية بين البلدين من خلال تأسيس مجلس التنسيق السعودي المصري، وإبرام حكومتي البلدين نحو 70 اتفاقية وبروتوكولاً ومذكرة تفاهم بين مؤسساتها الحكومية.
وتتمتع الدولتان بثقل وقوة وتأثير على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية؛ ما يعزز من مستوى حرصهما على التنسيق والتشاور السياسي المستمر بينهما؛ لبحث مجمل القضايا الإقليمية والدولية في مواجهة التحديات المشتركة، وخدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، والأمن والسلم الدوليين.
يأتي ذلك بدعم وتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، ورئيس جمهورية مصر العربية عبدالفتاح السيسي.
علاقات استراتيجية تاريخية
بُنيت العلاقات السعودية المصرية منذ أول لقاء تاريخي جمع الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن بالملك فاروق ملك مصر عام 1945؛ ليكون حجر الأساس لعلاقة قوية واستراتيجية، تزداد متانة وصلابة عاماً بعد عام؛ وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.
وفي عام 1945 وافق الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - رحمه الله - على "بروتوكول الإسكندرية"، وأعلن انضمام المملكة العربية السعودية للجامعة العربية، وفي 27 أكتوبر عام 1955 وقعت اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين، وقد رأس وفد المملكة في توقيعها بالقاهرة الملك فيصل بن عبدالعزيز، رحمه الله، وأثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وقفت المملكة بكل ثقلها إلى جانب مصر في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
وزار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في عام 1987 حينما كان أميراً لمنطقة الرياض آنذاك جمهورية مصر العربية؛ لافتتاح معرض المملكة بين الأمس واليوم في القاهرة، وعقب توليه مقاليد الحكم توالت اللقاءات الرسمية بين القيادتين، لعقد جلسات مباحثات رسمية مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، واستعراض أوجه التعاون الثنائي بين البلدين.
استثمارات ومشاريع عملاقة
تبوأت السعودية المرتبة الأولى بين الدول العربية المستثمرة في مصر، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال الفترة (2016 - 2021) 179 مليار ريال، إلى جانب تنامي حجم الصادرات السعودية غير النفطية إلى مصر بنسبة 6.9% خلال العام 2021، مسجلة 7.2 مليار ريال.
ويحرص القطاع الخاص السعودي والمصري على الاستثمار في أسواق البلدين لما تتميز به من مقومات وفرص؛ إذ توجد 6285 شركة سعودية في مصر باستثمارات تفوق 30 مليار دولار، كما توجد في المقابل 274 علامة تجارية مصرية، وأكثر من 574 شركة مصرية في الأسواق السعودية.
وقد أسهم الصندوق الصناعي في دعم وتمويل 17 مشروعاً مشتركاً مع مصر، بقيمة تزيد على 393 مليون ريال، ويوجد 27 مصنعاً باستثمارات مصرية في المدن الصناعية السعودية، وذلك في عدد من المجالات، مثل: صناعة الأجهزة الكهربائية، والمعادن، والتصنيع الغذائي، والمطاط والبلاستيك، والصناعات الطبِّية، وغيرها.
ويتوقع أن يحقق مشروع الربط الكهربائي السعودي المصري عند تشغيله عدداً من الفوائد المشتركة للبلدين، منها تعزيز موثوقية الشبكات الكهربائية الوطنية ودعم استقرارها، والاستفادة المثلى من قدرات التوليد المتاحة فيها.
ونفذت شركة "أكوا باور" مشروع تطوير وتمويل وبناء وتشغيل محطة كوم أمبو للطاقة الشمسية الكهروضوئية، بطاقة توليد 200 ميجاواط، كما تقوم الشركة بتطوير وتمويل وبناء وتملك وتشغيل ثلاث محطات للطاقة الشمسية الكهروضوئية في منطقة (بنبان) بمحافظة أسوان جنوب مصر، بقدرة إنتاجية 120 ميغاواط.
الدعم المادي لمصر
وتعدُّ المملكة من الدول الرئيسة التي دعمت الاحتياطيات الأجنبية لعدد من الدول خلال جائحة كورونا، ومن بينها جمهورية مصر العربية؛ إذ قدَّمَت مؤخراً وديعة بقيمة 3 مليارات دولار للبنك المركزي المصري، إضافة إلى تمديد الودائع السابقة بمبلغ 2.3 مليار دولار.
كما قدمت المملكة مؤخراً وديعة بقيمة 5 مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري؛ ما سيسهم في دعم السيولة الأجنبية في مصر على نحو سريع، ويدعم مفاوضات الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي، ويضمن استقرار سعر صرف الجنيه المصري في الفترة المقبلة.
وأعلن صندوق الاستثمارات العامة في وقت سابق عن ضخ استثمارات تصل قيمتها إلى 10 مليارات دولار، وذلك بالتعاون مع صندوق مصر السيادي؛ بهدف تعزيز التبادل التجاري بين البلدين، والإسهام في توسيع أنشطتهما واستثماراتهما في الدول الأخرى على المستوى الإقليمي والدولي.
وتسهم المملكة في تعزيز جهود مصر التنموية من خلال الدعم الذي تقدمه عبر الصندوق السعودي للتنمية، حيث بلغت قيمة مساهمات الصندوق 8846.61 مليون ريال لـ 32 مشروعاً في قطاعات حيوية لتطويرها وتمويلها، شملت إنشاء طرق، وتوسعة محطات الكهرباء، وتحلية ومعالجة المياه، وإنشاء مستشفيات، وتجمعات سكنية في مصر.
دراسة الطلبة السعوديين في مصر
أمر الملك عبدالعزيز في عام 1927 بإيفاد أول دفعة دراسية إلى مصر، وضمت تلك الدفعة 14 دارساً، وتقدّر إحصاءات وزارة التعليم عدد الطلبة السعوديين في مصر حالياً بـ2220 طالباً يتلقون تعليمهم في مختلف التخصصات بالجامعات والكليات والمعاهد المصرية.
وفي عام 2020 تأسست جامعة الملك سلمان الدولية، وتضم هذه الجامعة 16 كليةً و56 برنامجاً في 3 فروع ذكية بمدن الطور، ورأس سدر، وشرم الشيخ، وتوصف بأنها واحدة من جامعات الجيل الرابع الذكية؛ وتهدف إلى تقديم تجربة جامعية فريدة من نوعها يمتزج فيها التعلم باستخدام أحدث التقنيات، والخبرة التطبيقية، والمعارف النظرية، وخدمة المجتمع، وتنمية البيئة.
ويقيم نحو مليون مواطن سعودي في مصر، وهي أكبر جالية سعودية في الخارج، كما يفضل السياح السعوديون قضاء إجازاتهم في مصر، حيث يشكلون النسبة الأكبر من بين السياح العرب في مصر، في المقابل يوجد نحو 1.7 مليون مقيم مصري في المملكة؛ مما عزز العلاقات الاجتماعية بين البلدين.