ترتبط المملكة والولايات المتحدة الأمريكية بعلاقات قوية ومتميزة امتدت لأكثر من ثمانية عقود تدعمها المصالح المشتركة بينهما.
ويعود تاريخ العلاقة بين البلدين إلى عام 1931م، عندما بدأت تظهر بشائر إنتاج النفط في المملكة بشكل تجاري، ومنح حينها الملك عبد العزيز حق التنقيب عن النفط لشركة أمريكية، تلاها توقيع اتفاقية تعاون اقتصادي بينهما عام 1933م.
نقطة التحول
تعززت العلاقات بشكل أكبر بين البلدين بعد اللقاء التاريخي الذي جمع الملك عبد العزيز بالرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على متن الطراد الأمريكي "يو إس إس كونسي" عام 1945م، حيث وُصف بنقطة التحول في انتقال علاقات البلدين إلى مرحلة التحالف الاستراتيجي في مختلف المجالات.
وجاء اللقاء لاعتبارات متعددة لدى الطرفين أبرزها إدراك الإدارة الأمريكية لأهمية موقع المملكة ودورها المتعاظم في العالمين العربي والإسلامي، إلى جانب أهميتها الاقتصادية بعد اكتشاف النفط بكميات تجارية من قبل الشركات الأمريكية.
تبادل الزيارات
تعد زيارة الملك سعود بن عبد العزيز إلى الولايات المتحدة عام 1957 من الزيارات التاريخية، كونها أول زيارة لملك سعودي لأمريكا، حيث أسهمت في توطيد العلاقات بين البلدين، فيما أصبح ريتشارد نيكسون أول رئيس أمريكي يزور المملكة، وذلك عام 1974، ومن ثم ظل ملوك المملكة ورؤساء أمريكا يتبادلون الزيارات باستمرار لتوطيد العلاقات بين بلديهما.
وكان دونالد ترامب آخر رئيس أمريكي زار المملكة وذلك عام 2017 حيث كانت أول زيارة له خارج بلاده بعد توليه الحكم، وحضر خلالها القمة الأمريكية- الإسلامية التي جمعته مع قادة 55 دولة عربية وإسلامية في الرياض لبحث مكافحة الإرهاب.
الشراكة الاستراتيجية بين البلدين
حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز على وضع إطار شامل لترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وتوطيدها في مختلف المجالات للعقود القادمة، مع الأخذ في الاعتبار أن الولايات المتحدة هي أكبر شريك تجاري للمملكة، والمستثمرين الأمريكيين من أوائل وأكبر المستثمرين فيها.
وأسهمت مشاركته في منتدى الاستثمار بمجلس الأعمال السعودي الأمريكي الذي عقد في واشنطن عام 2015 في تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة للمملكة من خلال القرارات التي أصدرها على هامش الزيارة والتي صبت في مصلحة تنويع مصادر الاقتصاد السعودي، وأبرزها دراسة المملكة جميع الإجراءات النظامية للشركات لمن يرغب بالاستثمار في المملكة، وفتح نشاط تجارة التجزئة والجملة بملكية 100 % للشركات الأجنبية.
العلاقات الاقتصادية
ترسخ التعاون الاقتصادي بين البلدين منذ بداية علاقتهما، غير أن هذه العلاقة انتقلت إلى مرحلة جديدة عام 1974 وذلك عقب توقيع الملك فهد بن عبد العزيز حينما كان نائبًا ثانيًا لرئيس مجلس الوزراء على بيان مشترك يقضي بتأسيس اللجنة السعودية الأمريكية المشتركة للتعاون الاقتصادي لسد احتياجات المملكة من المواد والخبرات.
كما أبرمت المملكة وأمريكا بعد ذلك اتفاقية تعاون أخرى بهدف زيادة حجم الشراكات بين الشركات الخاصة الأمريكية في المشروعات المحلية في المملكة التي تسهم في إدخال التكنولوجيا الحديثة إلى البلاد.
تطور العلاقات التجارية الاستراتيجية
وأصبحت العلاقات التجارية الاستراتيجية بين البلدين في تطور مستمر من عام لآخر، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما في عام 2021 نحو 25 مليون دولار، كما تعد أمريكا الشريك التجاري الرابع للمملكة في حجم التجارة، والثاني في قيمة الواردات، والسادس في قيمة الصادرات، فيما احتلت المملكة المرتبة 28 كشريك تجاري لصادرات الولايات المتحدة للعالم، والمرتبة 31 كشريك تجاري لواردات أمريكا.
وأسهمت التسهيلات التي قدمتها المملكة للشركات الأمريكية في ارتفاعها إلى 742، وهو ما أدى إلى ارتفاع رأس المال الأمريكي المستثمر في المملكة إلى ٩٠.٦ مليار ريال، كما أن وهناك أكثر من 21 ألف علامة تجارية أمريكية في السوق السعودي.
تبادل الفرص
يعد ملتقى الأعمال السعودي الأمريكي الذي عقد في يونيو الماضي آخر اللقاءات التجارية التي جرت بين البلدين، حيث ركز على تبادل الفرص بين الشركات السعودية ونظيرتها الأمريكية.
وشارك في المنتدى 180 قيادياً مثلوا قطاعي الأعمال السعودي والأمريكي، وشهد تنظيم جلسات عمل تناولت محاور دعم الأعمال وريادتها، والاستدامة، والاقتصاد الرقمي والابتكار، والتجارة الإلكترونية والخدمات اللوجستية.
رؤية متوافقة في القضايا الدولية
تشترك كل من المملكة وأمريكا في رؤية متوافقة تجاه العديد من القضايا الدولية والإقليمية، حيث يعملان معا من خلال المكانة التي يحظيان بها على تحقيق الاستقرار، حيث يعملان على ردع سلوكيات إيران المُزعزعة لأمن واستقرار المنطقة والعالم، ومنعها من إنتاج قنبلة نووية، تجنيبًا للمنطقة من سباق تسـلح سيكون الخاسر فيه أمنها واستقرارها.
وتدعم أمريكا جهود المملكة من خلال قيادتها للتحالف العربي لتحقيق أمن واستقرار اليمن، وجهود الحل السياسي، وفق مخرجات اتفاق الرياض بما يساعد في تخطي الأزمة الحالية.
كما تعد مكافحة التطرف والإرهاب من أهم أوجه الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وقد أسهم التعاون الثنائي بينهما في تحقيق العديد من المكتسبات المُهمة في دحر التنظيمات الإرهابية وتحييد خطرها على أمن واستقرار المنطقة.
تعاون عسكري
يرتبط البلدان بتعاون وثيق في المجالات الدفاعية والعسكرية أسهم في تعزيز الأمن والسلم على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وتضاعف هذا التعاون في الأعوام الماضية الأخيرة من خلال عمليات التدريب المشتركة بين القوات السعودية بمختلف وحداتها العسكرية ونظيرتها الأمريكية والتي تستهدف تبادل الخبرات ورفع الجاهزية.
فيما تعد اتفاقية التعاون العسكري عام 2017 خلال زيارة ترامب إلى الرياض هي الأبرز والتي تمكنت من خلالها المملكة من الحصول على ما تحتاجه لتطوير وحداتها العسكرية المختلفة إلى جانب تدريبات قواتها لتعزيز قدراتها القتـالية، إلى جانب توطين التقنيات الحديثة في هذا الجانب.
وجاء التعاون العسكري بين البلدين أيضا من خلال تشكيلهما تحالفا دوليا لمواجهة تنظيم داعـش، مع تنسيقهما على أعلى المستويات لمكافحة الإرهاب في المنطقة كونه يشكل تهديدا لكل العالم.
تجاوز الفتور
أسهمت متانة العلاقات بين البلدين في تجاوز الفتور الذي مرت به في بعض الأوقات، حيث لم يؤثر ذلك في المصالح الاستراتيجية المشتركة بينهما، وذلك بفضل حكمة قادة الدولتين ومعالجتهما ما كان سببًا في اختلاف وجهات النظر لمصلحة الشعبين والعالم أجمع.