أكّدت الولايات المتّحدة الثلاثاء أنّ الإيرانيين قدّموا تنازلات في قضايا أساسية تتعلّق ببرنامجهم النووي، لتعزّز بذلك الآمال بإمكانية عودتها قريباً إلى اتّفاق فيينا المبرم في 2015، على الرّغم من أنّها لم تقدّم بعد ردّها الرسمي على المقترحات الإيرانية.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية طالباً عدم نشر اسمه إنّ إيران وافقت خصوصاً على التخلّي عن مطلبها المتعلّق بعرقلة بعض عمليات التفتيش التي تقوم بها الأمم المتحدة في منشآتها النووية.
ولم يوضح المسؤول ما هي عمليات التفتيش التي قدّمت الجمهورية الإسلامية تنازلات بشأنها، علماً بأنّ هذه المسألة تعتبر بالغة الحساسية بالنسبة إلى طهران وواشنطن على حدّ سواء.
وإذ شدّد المسؤول الكبير في إدارة الرئيس جو بايدن على أنّ إيران "قدّمت تنازلات بشأن قضايا حاسمة"، أكّد أنّ كلّ ما قيل عن تنازلات أميركية جديدة هو "كاذب قطعاً".
وأوضح أنّه "بالإضافة إلى القيود النووية التي سيتعيّن على إيران الالتزام بها، ستكون الوكالة الدولية للطاقة الذرية قادرة من جديد على تنفيذ نظام التفتيش الأكثر شمولاً الذي تمّ التفاوض بشأنه حتى الآن، ما يسمح لها باكتشاف أيّ جهد إيراني لامتلاك سلاح نووي في السرّ".
وأضاف أنّ "الكثير من عمليات المراقبة الدولية ستبقى قائمة لفترة غير محدودة" إذا ما أُبرم الاتفاق الذي يجري التفاوض عليه حالياً.
وتطالب إيران بأن توقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية كلّ التحقيقات التي باشرتها بشأن مواقع لم تصرّح عنها الجمهورية الإسلامية وعثر فيها مفتّشو الوكالة على آثار يورانيوم مخصّب.
وبالنسبة إلى هنري روم، المحلّل في مركز أبحاث "أوراسيا غروب"، فإنّ إيران ليست في وارد "التراجع" في هذه المسألة.
وقال "لا أحد سيتفاجأ إذا ما عادت هذ المسألة للظهور في مرحلة لاحقة من هذه المفاوضات".
وسبق لإيران أن تخلّت عن مطلب أساسي آخر يتعلّق بإزالة اسم "الحرس الثوري" من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية.
وعلى مدى أشهر عديدة رهنت طهران التوصّل لأيّ اتفاق مع واشنطن بتلبية الأخيرة مطلبها هذا، لكنّ إدارة الرئيس بايدن رفضت هذا الشرط رفضاً قاطعاً.
وتهدف المفاوضات التي بدأت قبل 16 شهراً وتوقّفت لبضعة أشهر ثم استؤنفت في مطلع آب/أغسطس الجاري إلى إحياء الاتفاق الذي أبرمته الدول الكبرى الستّ (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) مع إيران في فيينا في 2015 ثم انسحبت منه الولايات المتّحدة بصورة أحادية في 2018 في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
ونفى المسؤول الأميركي أن تكون واشنطن قدّمت تنازلات لطهران، قائلاً إنّ "إيران هي التي قدّمت تنازلات في قضايا مهمّة".
وأضاف "لا تزال هناك عقبات يجب تجاوزها، لكن إذا أردنا التوصّل إلى اتفاق للعودة إلى الاتفاقية النووية (لعام 2015)، فيجب على إيران أن تتّخذ العديد من الخطوات المهمّة الرامية لتفكيك برنامجها النووي".
وأوضح أنّ من بين الخطوات التي يتعيّن على إيران القيام بها عدم تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 3.67% أو تخزين أكثر من 300 كلغ من هذه المادة، وذلك حتى العام 2031، بالإضافة إلى إيقافها آلاف أجهزة الطرد المركزي عن العمل وتفكيكها.
من جهتها طلبت طهران إدخال "بعض التعديلات" على مسودّة الاتّفاق التي اقترحها الاتّحاد الأوروبي على كلّ من إيران والولايات المتحدة والدول الخمس الأخرى الأطراف في الاتفاق النووي، بحسب ما أعلن الوسيط الأساسي في هذا الملف، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد، جوزيب بوريل.
وفي مقابلة اجراها معه التلفزيون الوطني الإسباني الثلاثاء قال بوريل إنّ "القسم الأكبر" من المشاركين وافقوا على المطالب الإيرانية التي لم يكشف عن مضمونها، مؤكّداً أنّ "ما ينقص هو ردّ الولايات المتحدة فقط".
وكان بوريل رجّح الإثنين عقد اجتماع "هذا الأسبوع" في فيينا حيث مقرّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ونفت الولايات المتّحدة الإثنين الاتهامات التي وجّهتها إليها إيران بالتسويف في المفاوضات الرامية لإحياء الاتفاق النووي، مؤكّدة أنّه لا تزال هناك "قضايا عالقة" يتعيّن حلّها من أجل التوصّل لاتّفاق.
وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين إنّ "فكرة أنّنا أخّرنا هذه المفاوضات بأيّ شكل من الأشكال هي بكلّ بساطة غير صحيحة".
وأوضح أنّه بعد أن أرسل الاتّحاد الأوروبي في أواخر تمّوز/يوليو إلى كلّ من طهران وواشنطن ما أطلق عليه اسم النصّ "النهائي" للاتّفاق المقترح، ردّت إيران "بعدد من التعليقات"، من دون أن يحدّد ماهيتها.
وأضاف "هذا هو السبب في أنّنا استغرقنا بعض الوقت الإضافي لمراجعة تلك التعليقات وتحديد ردّنا. نحن نراجع هذه التعليقات بجدّية".
وأتاح الاتفاق المبرم في 2015 بين إيران والدول الست الكبرى، واسمه الرسمي "خطة العمل الشاملة المشتركة"، رفع عقوبات عن الجمهورية الإسلامية لقاء خفض أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها.
وانسحب ترامب من الاتفاق في 2018 وأعاد فرض عقوبات قاسية على طهران. وتعهّد بايدن لدى تولّيه منصبه إعادة إحياء الاتفاق لكنّه اصطدم بالمطالب الإيرانية من جهة وبالأصوات المعارضة للاتفاق داخل الولايات المتّحدة ولا سيّما في صفوف المعارضة الجمهورية.
وزادت حدّة الاعتراضات في الداخل الأميركي بعد أن كشفت الولايات المتحدة مؤخراً النقاب عن مؤامرة لاغتيال المستشار السابق للبيت الأبيض لشؤون الأمن القومي جون بولتون، حاكها بحسب واشنطن، أحد أفراد الحرس الثوري الإيراني.
وبالنسبة إلى سوزان ديماجيو، الخبيرة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، فإنّ بلوغ الطرفين الإيراني والأميركي هذه المرحلة المتقدّمة من المفاضوات يعني أنّ كليهما تحلّى بقدر كاف من المرونة.
وقالت إنّ "أيّاً من الطرفين لن يعترف بذلك، لكنّ الحقيقة هي أنّه في مفاوضات مماثلة مع رهانات مماثلة، ولا سيّما بين خصوم، فإنّ تقديم تنازلات صعبة هو السبيل الوحيد للتوصّل إلى اتّفاق".
وأضافت أنّه "إذا تمكّن كلّ طرف من جعل الأمر يبدو وكأنّه انتصار له، فستكون هناك حظوظ بإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فسيظلّ المسار محفوفاً بالمخاطر".