غادر الرئيس اللبناني، المنتهية ولايته ميشال عون، اليوم (الأحد)، القصر الرئاسي في بعبدا، سيرًا على الأقدام، ليلقي كلمة أمام مئات من أنصاره، محذرًا مما أسماه "الفوضى الدستورية"، عقب شغور منصب رئيس الجمهورية بعده، في وقت تقود فيه البلاد حكومة تصريف أعمال، اتهمها عون بكونها غير كاملة الصلاحيات.
وتعرض لبنان خلال تاريخه بعد الاستقلال، إلى 4 مرات من الشغور الرئاسي، آخرها المرة التي ستبدأ غدًا 31 أكتوبر 2022، وفي هذا التقرير نستعرض قصة المرات الأربع.
كيف يُختار رئيس الجمهورية في لبنان؟
قبل البدء في استعراض قصة مرات الشغور الرئاسي اللبنانية، فيجب أن نعرف كيفية اختيار رئيس الجمهورية في لبنان، والتي يمكن تلخيصها في أن العملية الانتخابية تبدأ بدعوة رئيس مجلس النواب إلى انتخاب الرئيس، ثم ينعقد المجلس النيابي بنصاب الثلثين على الأقل، أي 86 نائباً أو أكثر.
وبعد ذلك يفتتح رئيس المجلس الجلسة ويطلب الاقتراع فوراً، فيدور الصندوق على النواب الحاضرين، حيث يحق للنائب أن يصوت لأي لبناني آخر، أياً كانت طائفته وحتى لو لم يكن معلناً ترشيحه لأن الدستور لا يفرض الترشح ولا يحدد طائفة الرئيس، لكن العرف في لبنان يقضي بأن يكون الرئيس مارونياً.
ثم تبدأ عملية فرز الأصوات ويفوز في دورة الاقتراع الأولى من يحظى بثلثي الأصوات وما فوق (أي 86 صوتاً أو أكثر)، وفي حال عدم فوز أحد يدور الصندوق دورة ثانية ويفوز من يحظى بالأكثرية المطلقة، أي ما يعادل 65 صوتاً أو أكثر، وهكذا تستمر عمليات الاقتراع حتى اختيار الرئيس بـ65 صوتاً.
يذكر أنه يجب أن يكون النصاب دائماً 86 نائباً وإذا قل عن هذا العدد يرفع رئيس المجلس الجلسة لفقدان النصاب، ويحدد موعداً آخر في الجلسات اللاحقة تتبع نفس الآلية.
وفي حال انتهاء المهلة الدستورية للرئيس الحالي من دون انتخاب رئيس جديد يتولى مجلس الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية لحين انتخاب رئيس جديد.
ماذا حدث في الشغور الرئاسي الأخير 2022
كانت الجلسة الأولى لانتخاب رئيس جديد قد عقدت في 29 سبتمبر 2022، واكتمل فيها النصاب بحضور 122 من إجمالي 128 نائبًا، وهي الجلسة التي شهدت امتناع 63 نائبًا عن التصويت بتركهم الورقة بيضاء، فيما عرف بالتصويت للورقة البيضاء، وفي الجلسة نفسها حصل ميشال معوض على 36 صوتًا، فيما حصل رجل الأعمال سليم إده على 11 صوتا، وهو شخصية اجتماعية وثقافية معروفة وسليل عائلة سياسية شهيرة لكنه يرفض العمل السياسي.
وصوت 10 نواب باسم لبنان، فيما جاء صوت واحد لصالح رئيس الوزراء الراحل رشيد كرامي، وصوت نائب واحد باسم "مهسا أميني" الشابة الإيرانية التي قتلت على يد شرطة الأخلاق الإيرانية.
الشغور الرئاسي الأطول
أما الشغور الرئاسي الأطول فكان بين مايو 2014 وأكتوبر 2016، وبلغ 29 شهرا، وبدأ الشغور عندما انتهت ولاية الرئيس ميشال سليمان، ولم ينته إلا بعد انتخاب ميشال عون رئيسا للبلاد.
وكان ميشال سليمان قد انتخب، في 25 مايو 2008 وسط حضور عربي ودولي كبير تقدمهم أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس وزرائه حمد بن جاسم آل ثاني وأمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى ورئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان ووزير خارجية المملكة الأمير سعود الفيصل، ووزير الخارجية السوري وليد المعلم ووزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي، ووزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنار ورئيس البرلمان العربي محمد جاسم الصقر ورؤساء عدد من المجالس التشريعية العربية ووزراء خارجية عرب وأجانب.
ودخل لبنان في الـ 25 من مايو 2014، خالة الشغور الرئاسي، مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان الذي غادر قصر بعبدا، بعد أن عجز مجلس النواب عن انتخاب رئيس بسبب عمق الانقسامات السياسية.
وبموجب الدستور، تولت الحكومة برئاسة تمام سلام "مجتمعة" صلاحيات رئيس الجمهورية في انتظار انتخاب رئيس جديد، وكان النواب اللبنانيون قد أخفقوا وعلى مدار خمس جلسات خلال مارس وأبريل 2014، في انتخاب رئيس توافقي للبلاد بسبب فشل الفرقاء السياسيين في التوصل إلى ترشيح شخصية توافقية.
ما بعد إيميل لحود
بين نوفمبر 2007 ومايو 2008، ومع انتهاء الولاية المجددة للرئيس إيميل لحود، ومع عدم التمكن من الوصول الى انتخاب رئيس يخلفه في بعبدا، انتقلت الصلاحيات الرئاسية بالوكالة الى حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي طرح البعض علامات الاستفهام حول دستوريتها إذ أن خروج" المكوّن الشيعي" منها افقدها صفة الميثاقية.
واستمر هذا الشغور الثالث لحين بلوغ تسوية لبنانية جديدة أطلق عليها تسمية "اتفاق الدوحة" وانتخاب قائد الجيش ميشال سليمان رئيسا للجمهورية اللبنانية.
ما بعد أمين الجميل
في 22 سبتمبر 1988، ومع انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميّل وبعد فشل الأفرقاء في لبنان من تأمين النصاب لانتخاب سليمان فرنجيه رئيسًا للجمهورية اللبنانية في 18 أغسطس، وبعد فشلهم أيضا في إبرام تسوية رئاسية على اسم مخايل الضاهر، وفي ظل حرب أهلية طاحنة، وقع الشغور الرئاسي الثاني، ما أدى الى قيام الرئيس الجميّل وقبل ربع ساعة من مغادرته القصر الجمهوري بتشكيل حكومة من المجلس العسكري برئاسة العماد ميشال عون تهدف إلى تفادي الوقوع في الشغور التام.
وبعد هذا الشغور الثاني، مرت البلاد مرة جديدة في نوع من الاستقرار على صعيد انتقال السلطة الأولى دام لسنوات طويلة.
الشغور الأول
في عام 1952 عرف لبنان الشغور الرئاسي الأول، وتحديدا بعد إقدام رئيس الجمهورية آنذاك بشارة الخوري على تقديم استقالته وتكليفه قائد الجيش فؤاد شهاب رئاسة السلطة التنفيذية ريثما يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، واستمر الشغور الرئاسي لأيام قليلة، ما بين 5 لـ7 أيام، وانتهى بانتخاب كميل شمعون رئيسا للجمهورية اللبنانية.
وبعد هذا الشغور الأول، وبعده عرفت الرئاسة اللبنانية انتقالا للسلطة الأولى بطريقة متتالية وبدون أي شغور على مدار سنوات طويلة.