رغم جواز أداء العمرة بالإنابة عن العاجز والمتوفى شرعاً، إلا أن ما بدا لافتاً في الآونة الأخيرة هو تحول الأمر إلى مشروع تجاري مربح لدى البعض؛ إذ انتشرت ظاهرة أدائها عن العاجزين أو المتوفين، من قبل بعض الأشخاص المتفرغين في المشاعر المقدسة لقاء حصولهم على مقابل مادي، يتراوح ما بين 300 إلى 350 ريالاً.
وفي التفاصيل، يَهمُ أولئك الأشخاص ومعظمهم من جنسيات أجنبية إلى تسخير حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي "تويتر" لترويج إعلانات العمرة والحج بالإنابة عن العاجزين والمتوفين؛ وبالتالي يلجأ البعض إلى الاتصال بهم من أجل توكيلهم لتأدية هذه المناسك عن ذويهم، أو أحد أفرادهم غير القادرين على أدائها نظير حصول الطرف الأول على المال من الطرف الثاني، ويلتزم الأول أثناء تأديته للمناسك بتوثيق خطوات العمرة عبر التصوير بالفيديو في إشارة إلى مصداقية الأمر من أجل تزويدها للطرف الثاني عبر تطبيق الواتس آب .
الربح المادي.. أساس العمرة
ويعد الهدف الأساسي الذي يطمح له هؤلاء المنتفعون من تأدية مناسك العمرة بالإنابة هو التكسب والانتفاع المالي، رغم جهل بعضهم في الأمور الشرعية، في صورة تدلل على مدى استغلالهم لحاجة الأفراد والأسر الذين يرغبون في تأدية أركان العمرة عن ذويهم، ويعد أمراً لافتاً قيام بعض تلك الأسر بتوكيلهم بالإنابة رغم عدم توفر عنصري الثقة والمعرفة الشخصية، فيما الرابط الوحيد بينهم هو حساب تويتر، ورسائل واتس آب.
وفي حال انتفى شرط توفر المعرفة والأمانة فيمن سيؤدي العمرة بالإنابة عن أحدهم سواء عاجزاً أو متوفى فإنها شرعاً لا تصح وفق أرجح الفتاوى الدينية التي تذهب في هذا الاتجاه؛ مما يؤكد أن الأمر برمته ما هو إلا مشروع تكسب مالي مربح، وينتعش في المواسم الدينية.
وفي هذا السياق، يقول الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، في حديثه إلى "أخبار 24" إنني لا أرى أن يُوكَّل شخصٌ للعمرة عن غيره، خاصَّةً أنَّ التوسُّع في استئجار مَن يؤدِّي العمرة عن غيره قد يُفضي إلى ما لا ينبغي، مثل تحول الأمر إلى تجارة.
لبيك اللهم عمرة عن فلان بن فلان!
وتواصل "أخبار 24" مع مجموعة حسابات تزعم تقديمها لخدمات الزيارة الدينية بالإنابة من أجل التكسب المالي، يقول أحد القائمين على تلك الحسابات: إن الأمر يجري بصورة اعتيادية، تتطلب التوكيل من قبل الزبون ذاته، وبعدئذ التعرف على أسماء الأشخاص الذين سنعتمر بالإنابة عنهم من أجل الذهاب إلى الميقات واستحضار نية أداء العمرة عنهم، والدعاء لهم، والتلبية بأسمائهم، وتوثيق تلك الأدعية مع تصوير بداية الطواف، والسعي بالفيديو شريطة مبلغ لا يتجاوز 350 ريالاً.
وبسؤاله عن تقصير الشعر من عموم الرأس أو حلقه كونه من شروط العمرة للتحلل من الإحرام، أضاف المدعو أنه يقص من شعر الرأس بدون توثيق الأمر بالفيديو، معللاً رغبته عدم التصوير بأن الأمر يعود إلى وجود الثقة والأمانة بينه والطرف الآخر أي الزبون في الأساس.
أما ماجد أبو مراد فإنه استهل شرحه في مكالمة هاتفية عن خطوات أداء مناسك العمرة بالإنابة، يقول إني أذهب في طريقي إلى الميقات للإحرام، واستحضار النية وبعدئذ أشرع في التلبية بالإنابة والبدء في العمرة، والتوثيق بالفيديو.
وبسؤاله عن مدى تصويره لقص الشعر، أفاد أنه لا داعي لتصوير الحلاقة أفلا يكفي معرفتكم بقيامي بالأمر، قائلاً: "ما يحتاج يعني تبغي تشوفني وأنا محلق كفاية أني ألبس الإحرام وأصور لك فيديو في الطواف وفي السعي، وش تبغي أكثر من كذا".
لافتاً إلى أنه يمتهن هذه المهنة منذ نحو عامين، ويشهد إقبالاً لافتاً من قبل بعض الأشخاص، مفيداً أنه يعتمر بالإنابة عن الكثير في الشهر بنحو مرتين إلى أربع مرات.
من جهته، يقول عبدالله أبو عبدالرحمن إنه حينما نحمل أمانة أداء العمرة بالإنابة فلا بد من الوفاء بها وهذه الضمانة الوحيدة للشخص الذي وكلني، أما بالنسبة لأداء المناسك عن أكثر من شخص فإنني في هذه الحالة ألجأ إلى إخوتي لكي يساعدوني ويعتمروا معي بالإنابة، وعن سؤاله عما يعرف إن كان ما يقوم به شرعاً حلالاً من عدمه أجاب بتردد واضح: "بيجوز"؛ ما يدلل على جهل هؤلاء الأشخاص حتى بأبسط المسائل الشرعية، وأن الأمر بالنسبة لهم لا يعدو كونه استثماراً مربحاً.
وبالعودة إلى المصادر الدينية؛ فإن هناك فتوى دينية قديمة بالنسبة للشيخ الراحل محمد بن عثيمين، عضو هيئة كبار العلماء؛ إذ يقول في هذه المسألة: إنه يجب على الشخص إذا أراد توكيل أحدهم لأداء العمرة أن يطمئن إليه في علمه وفي دينه، فكثير من الناس لديهم جهل عظيم في الأحكام الدينية، ومثل هؤلاء لا ينبغي أن يعطوا إنابة في العمرة أو الحج لقصور علمهم، ومن الناس من يكون عنده علم لكن ليس لديه أمانة فتجده لا يهتم بما يقوله أو يفعله في المناسك؛ لضعف أمانته ودينه، ومثل هذا أيضاً لا ينبغي أن يعطى، أو أن يوكل إليه .