كما أن الصحراء تبدو قاسية بحرّها وبردها، فهي كذلك أقسى بقوة تعبيراتها وجزالة مصطلحاتها، وحتى في تسميات المواسم الفلكية تظهر الحدّة في التسمية، كما لو كانت تعبيراً طبيعياً عن هذا المناخ القارّي الذي تتمتع به مناطق واسعة من المملكة.
"البرد مفجر قلوب النخل"، "مبكية الحصني"، وغيرهما، أمثال شعبية تصف تأثير الطقس المتقلب على الأحياء والكائنات الأخرى من حول مطلقي مثل تلك الأمثال.
يشير الباحث في التاريخ الشعبي الدكتور فايز البدراني (له مؤلفات في هذا الشأن) إلى الفترة التي تعرف بجنة بين نارين، وهي فترة برد مؤقتة تعقب موجة دافئة وتسبق فترة الحر المعتادة، وهي ما يسميها أبناء المملكة ببياع الخبل عباته، وهو مثل دارج، وكشف البدراني عن منشأ ولادة هذا المثل وزمنه التقريبي.
يبدو واضحا بحسب الباحث في الموروث الشعبي أن المثل مصدره نجد، باعتبار اللهجة أولا والمناخ ثانيا، إذ يشير البدراني إلى أن نجد وحدها تعاني أكثر من غيرها من تقلبات المناخ، حيث يسود الحجاز عادة مناخ دافئ، والشمال مناخ بارد على وجه الشمول لا تظهر فيه عادة أوقات دفء مفاجئ، في حين تتميز منطقة الجنوب بالمناخين الدافئ إجمالا في مناطق تهامة والبارد دائما في مناطق الجبال، بينما شرق البلاد لا يعاني تاريخياً البرد الذي يصنع مثل هذه الأمثال.
وعن توقيته الزمني يشير البدراني إلي أن هذا المثل يتردد في المجالس الشعبية منذ فترات الأجداد فيما لا يقل عن ثلاثة أجيال إلى أكثر، وأن عمره لا يقل عن قرن من الزمان.
من جهته، أكد الخبير المناخي المعروف الدكتور خالد الزعاق لـ"أخبار 24"، أن مصدر المثل هو بالفعل قرى نجد تلك التي كانت تعاني البرد بشكل أكبر من غيرها، ويعمد بعض سكانها ممن لم يخبروا أوقاتا مماثلة إلى التخفيف من عباءاتهم، وهي الملبس الأشهر حينها للتدفئة، ثم يتفاجأون بعودة البرد بعد حين قصير وقد باعوا عباءاتهم.
وأشار الزعاق إلى أن فترة العقارب الأخيرة وفقا لخبراء الطقس هي ما يعرف محليا ببياع الخبل عباته، وهي فترة تمتد لثلاثة عشر يوما يغادر البرد بعدها إلى فصل الربيع، وهو الذي يسبق الموسم الطويل المعتاد للصيف.