حينما يجتاح وجدان الشاعر فكرة كتابة قصيدة مختلفة في جوهرها، فريدة في معانيها، فإنها تسيطر على كيانه حتى يكتبها بصور جمالية مرصعة بعناصر الدهشة، التي تختبئ في مكنونه، لتنقل صورةً عما بداخله من شعور وأحاسيس. وهذا يحدث كثيراً في الواقع. لكن أن تُباع تلك الأحاسيس، مقابل حفنةٍ من المال؛ فهذا هو الغريب، حتى وإنْ كان ليس بجديد، إنما موجودٌ على مرّ السنين.
وتلك الحالة؛ أنتجت انتشار "حسابات" في مواقع التواصل الاجتماعي، تعمل على ترويج بيع القصائد، على غرار تويتر، فضلاً عن موقع حراج، وهي منصة شهيرة، لتصبح بعدئذ تلك الحسابات ملاذاً لمدّعي الإبداع الذين لا يمتلكون موهبة نظم الشعر لكنهم يمتلكون المال وبالتالي يشترون القصيدة، وينسبونها لأنفسهم. بالضبط كما يذهب للتبضع من "دكان خُضار".
"أخبار 24" تواصلت مع ملاّك بعض تلك الحسابات، لسبر أغوار واقع سوق القصيدة - إن جاز التعبير- ، إذ يقول أحدهم - وقد رفض التعريف بنفسه -، مكتفياً بالكنية "أبو خالد"، إنه يملك مكتباً يضم عدداً من الشعراء، عملهم الرئيسي كتابة القصائد، حسب الفكرة التي يرغبها الزبون، فيما تختلف أسعارها باختلاف الشاعر.
ويَمضي أبو خالد في حديثه، ويقول "الشعراء المتمكنون يكتبون البيت بـ 200 ريال، إذ تصل أسعار القصيدة الواحدة مكونة من عشرة أبيات لنحو 2000 ريال، أما الشعراء المتوسطون فإنهم يكتبون البيت بـ 150 ريالًا". وهذا يؤكد وجود سوق كبير لهذا النشاط، طالما أن هناك تسعيرات واضحة ومعروفة لا يمكن لأحد الخروج عنها.
وبسؤاله عمّا إذا كان من الممكن بيع القصيدة الواحدة لأكثر من شخص، نفى بقوله: "أبداً لا يمكن، بل يمكنك اعتمادها في وزارة الإعلام، عبر توثيق النص في الوزارة، من باب حماية حقوق الملكية الفكرية.
الحب والفراق أكثر طلباً
ويشير "أبو خالد" في سياق حديثه، إلى أنه امتهن بيع الكلمات والقصائد منذ 8 أعوام، لافتاً إلى أنه يحظى بإقبال كبير وبخاصة في مواسم الصيف، نظراً إلى ارتفاع نسبة الزيجات في تلك الفترة. وبسؤاله عن أكثر أنواع القصائد إقبالاً، أجاب، بأن قصائد "العتاب والحب والفراق" تحظى بنسبة شراء لافتة، وبحديثه عن القصيدة الغنائية، يلفت إلى أنه يبيع البيت الواحد بـ 1000 ريال، مُلمحاً أنه سبق له بيع عديد من القصائد، لبعض الفنانين المعروفين.
من جهته، يقول سلطان العتيبي، شاعر امتهن بيع الشعر مصدراً لرزقه: "إنني أعمل منذ 12 سنة في هذه المهنة، واستطعت نسج شبكة من الزبائن منذ وقت طويل، على سبيل المثال لديّ أحدهم وهو شاعر اشترى مني 30 قصيدة، ونسبها لنفسه، ولدي أسلوبي الخاص في عمليات البيع تلك، إذ أقوم ببيع القصيدة كاملة دون تقسيمها كما يفعل البعض".
ديوان شعري بـ 60 ألف ريال
ويشير إلى أنه يبيع حتى الدواوين الشعرية بأسعار مختلفة تصل إلى نحو 50 ألفاً – 60 ألف ريال، فيما يبلغ سعر القصيدة الواحدة لديه 7000 إلى 8000 ريال، وبخاصة قصائد الحب.
قصائد الرثاء أغلى ثمناً!
ويلفت العتيبي إلى أن العديد من الشعراء يشترون القصائد منه، لكنه نفى معاودة بيعها إلى شاعر آخر، إذ يقدم لزبائنه قصائد حصرية خاصة بهم، مشيراً إلى أن العنصر النسائي يقبلن على الشراء أيضاً، وبخاصة الموضوعات التي تدور في فلك الحب والطلاق، غير أنه أكد أن قصائد الرثاء هي الأغلى ثمناً، ينافسها القصيدة الغزلية من الناحية السعرية.
ويتضح بنهاية الأمر، أن هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة بل منذ القدم، غير أنها ازدادت في الآونة الأخيرة مع نمو مواقع التواصل الاجتماعي، لتصبح سوقاً سوداء لبيع القصيدة، وفرصة للراغبين في تتويج أنفسهم بلقب الشاعر، دون امتلاك حقيقي للموهبة الإبداعية، إنما بقوة المال.
"بيع #الشعر".. #تجارة الإبداع باستنساخ فكرة "دكان خُضار"https://t.co/k9FMHiJUp7 pic.twitter.com/BpEhNKp0Px
— أخبار 24 (@Akhbaar24) April 9, 2023