في الحادي والعشرون من مايو 2017، أسس خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في العاصمة الرياض، المركز العالمي لمكافحة التطرف، المعروف بـ"اعتدال"، في مناسبة دولية، شهدها آنذاك الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وعدد من القادة الآخرين، وكان ذلك بالتزامن مع قمة عربية إسلامية أمريكية.
وهذا الحدث الكبير، لم يكُن للاستعراض السياسي أو الأمني، بقدر ما هو يتضمن رسائل للعالم، من دولة تعي بالكم والكيف، حجم خطورة الإرهاب، وتثق بأن وراء تلك الآفة، كثير من "الأيديولوجيات"، التي ليست بالضرورة أن تكون متمترسة وراء ديانة معينة، إنما قد تلجأ إلى ما يسمى "الحزبية"، وتكون مجالاً لخروج الإرهاب على السطح.
والرسالة الأخرى، هي للداخل – وهذا بالنسبة للمملكة أهم من كل شيء -؛ إذ أرادت التغني بقدرتها على "كسر شوكة"، الإرهاب الغادر، الذي ضربها قبل قرابة عقدين من الزمان، وتمكنت من إبعاده عن محيطها، وهذا حدث من الناحية العملية، بجهود الرجال، من أبناء الوطن الأوفياء والمخلصين بالدرجة الأولى؛ ومن ثم بالحزم والعزم، في القرار الرسمي الذي لم يتردد عن حماية المجتمع، وتوفير المناخ الآمن له، والسعوديون يستحقون الكثير في رؤية الدولة، نظير التفافهم حول بلادهم وقيادتهم، في مواجهة حملة "التطرف الأسود".
في حقيقة الأمر، كانت سنوات مريرة، ليس من باب الضعف أو الانهزام، بل من حيث الشعور بالصدمة، التي تحققت بأن دولة كالسعودية، يتجه لها أكثر من مليار مسلم خمس مرات يومياً، تتعرض لنوع من "الخسّة"، بإرهابٍ حقير، لا يضع وزناً لا للإنسان ولا للإنسانية.
والآن بعد قرابة عشرين عاماً من تلك الحقبة الزمنية، تعيش المملكة أبهى صورها، وعصورها، وهي التي تحولت إلى ورشة عمل كبرى، تعمل من أجل تحقيق النهضة، والرقي، والتطور، الذي قلب الصورة النمطية عن الجمود والرتابة الرسمية، إلى شكلٍ حيوي، ذي ديناميكية تسير بعجلة سريعة، تسابق الزمن، وهذا ما يؤكده حجم المشاريع التي تنفذها الدولة في مختلف مناطق المملكة.
ففي السعودية – بعيداً عن العاطفة الوطنية، لا يكاد أن يمر شهر دون الإعلان عن مشروع ضخم في شكله ومضمونه وأهدافه الاستراتيجية، وذلك يستحيل له أن يحصل، دون وجود مستوى عالٍ من الأمن، ومجتمع آمن بالمطلق، باعتبار أن الأمن، ضمن الأشياء النادرة في الوجود، التي لا يُمكن لها أن تُجزّأ، أو تُطلب، بقدر ما هي تُفرض.
إن الشعور السائد على الصعيد الرسمي والشعبي، في المملكة العربية السعودية، هو أن هذا الكيان العظيم، الكبير بقيادته وشعبه، لم ولن، يكُن لُقمةً سائغة لأحد، أياً كان، ومهما كان حجمه، سواء كان دولاً أو تنظيمات أو جماعات أو تحزّبات؛ لأن الوطن يساوي كل شيء، ولا قبله ولا بعده شيء.
وهذا المفهوم الذي تؤمن به قيادة المملكة، ساقها لجعل الإنسان السعودي أولاً، وقبل كل شيء، وبعد كل شيء، وهذا يتأكد من خلال النظر لحجم المليارات التي تنفقها الدولة، على مشاريع في شتى المجالات؛ للوصول إلى تحقيق رفاهية ذلك المواطن، الذي أثبت بالقول والعمل، بأنه غيورٌ على أرضه، ولا يتردد بأن يضع روحه على كفه، مقابل حماية شبر من هذه الأرض الطاهرة.
هذه هي السعودية، لم تُبال في قهر الإرهاب خلال بُرهة من الزمن، لأمن إنسانها، ولم تكتفِ بذلك، بل إنها عزمت واتجهت للعمل الدؤوب لتطوير هذا الجسد الكبير، وتحقيق مبدأ تعمير الأرض، وتنميتها؛ وصولاً لمنتهى الطموحات ذات السقف العالي، الذي لن يقف عند أي أحد، استناداً إلى قول ولي العهد يوماً "طموحنا عنان السماء".
ومن هنا يمكن فهم عبارة "دولة عصرية لا تهدأ ولا تنام". هذه هي بلادنا حماها الله بعينه التي لا تنام.