في مساء الرابع عشر من يونيو عام 2013، كانت العاصمة المقدسة على موعدين. الأول: انكشاف الصورة الحقيقية عن تنظيم القاعدة، الذي لا يُراعي، حُرمة الزمان، ولا المكان. والثاني: مؤشر الإرهاب وحجم التطرف، الذي كان يتمتع به أعضاء التنظيم، ارتكازاً على قناعة مطلقة بدون وعي بالانتماء للمتعطشين للدماء، أو بغباء مُتناهٍ، يعتمد على تغييب العقل والوعي.
وهذا يتأكد من خلال العودة لحدث الخلية التي كانت تقطن، "عمارة العطاس"، بحي الخالدية، بمكة المكرمة، وهي الحادثة، التي يجب أن تكون درساً تاريخياً، تتناقله الأجيال، لسبب واحد فقط، لتتكشف الحقيقة الصادقة، لكل من ينظر للجماعات المتطرفة بعين الشفقة، أو التعاطف، أو الرحمة، لأنهم لا يستحقون إلا القتل، قبل أن يتمكنوا من تنفيذ مخططاتهم التخريبية.
وهذا ما فهمه السعوديون عن بكرة أبيهم، كالنقيب ياسر المولد، الذي كان متصدراً لتلك العملية المسمومة وذهب ضحيتها وقُتل، والتي لو تمكن ثلة ممن تم اكتشافهم في إحدى الشقق ذلك اليوم، من تنفيذها، لأصبحت عملية، مؤلمة للدولة، والشعب، بالإضافة إلى أكثر من مليار مسلم في أرجاء المعمورة.
ليلتها أُصيب الرأي السعودي، قبل الحكومة، بالذهول، الذي تسبب به، وجود بعض ممن يملكون فكراً متطرفاً، لا مانع لديهم باستخدام البقاع الطاهرة، منطلقاً لتنفيذ أجندتهم القذرة، التي لا تُفرّق بين دين، أو إنسان، أو دولة، أو كيانٍ آمِن. وهذا تفسيره جرأة غير متوقعة من تلك الشريحة الفاسدة.
وبقدر ما أن تفاصيل هذه العملية ذات ارتباط مباشر بالخيبة، التي خيمت على أذهان أعضاء تنظيم القاعدة، بقدر ما هي أصبحت سداً منيعاً، عن ترويع الآمنين، لا سيما أن الشقة التي قطنها الإرهابيون، كانت مُشرّكة، وجاهزة للتفجير، وعثر داخلها على "72 قنبلة"، مختلفة الحجم، وقد قاموا بصناعتها، بالإضافة إلى عدد كبير من الأسلحة، كـ"الرشاشات والمسدسات والذخيرة الحية"، والسواطير، وأجهزة الاتصال والمواد الكيميائية الخاصة بصناعة المتفجرات.
إنها قصة مُفجعة إلى حدٍ كبير، لذلك فإن النقيب المولد الذي ذهب ضحية هذا العمل، باقٍ في ذاكرة، البلاد والشعب، وهو الذي قررت الدولة تسمية شارع باسمه، مسبوقاً بـ"شهيد الواجب والوطن"، وهذا أقل ما يُمكن أن يُقدم له، بالإضافة إلى أن أحد أبنائه، للتو تخرج من كلية الملك فهد الأمنية برتبة ملازم أول، بعد أن وعد الأمير نايف بن عبد العزيز – وزير الداخلية آنذاك – بإدخاله السلك العسكري لإكمال مسيرة والده المشرفة.