close menu

العلاقات السعودية الفرنسية.. شراكة استراتيجية نحو آفاق واعدة

No Image

يوما تلو الآخر، تشهد العلاقات بين المملكة وفرنسا تطورا مستمرا ونموا دائما وشراكة استراتيجية في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والدفاعية، وهو ما يتوج بالتقارب الواضح في وجهات نظر البلدين حيال الكثير من القضايا.

تلك الشراكة يحرص عليها البلدان بشدة، إذ تعتبر فرنسا المملكة "حليفاً وثيقاً" يلعب دوراً رئيساً في الحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي واستقرار المنطقة، لذا تعمل القيادة الفرنسية على التشاور مع القيادة في المملكة في شأن القضايا والأزمات الراهنة وسبل معالجتها.

شراكة استراتيجية

ولعل مشاركة المملكة بوفد رسمي برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في "القمة الفرنسية للتحالف المالي والعالم الجديد"، تلبية لدعوة من رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون، يومي 22 و23 يونيو الجاري، تعد بمثابة دليل واضح على هذا التقارب بين البلدين، والذي بدا أيضا من برنامج زيارة ولي العهد التي بدأها لفرنسا قبل يومين.

وتمهد هذه القمة لإبرام اتفاقات جديدة للتصدي لعبء الديون المفرطة، وإتاحة الاستفادة من التمويلات الضرورية للمزيد من البلدان، بهدف الاستثمار في التنمية المستدامة، وحفظ الطبيعة بصورة أفضل، وخفض الانبعاثات الكربونية، وحماية السكان من الأزمات البيئية، وهي أهداف تدعمها المملكة وعكستها رؤية 2030، ومبادرتَا السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر.

المشاركة في القمة يسبقها لقاء مهم سيجري بين ولي العهد السعودي والرئيس الفرنسي في وقت لاحق اليوم للتشاور والتنسيق فيما يخص العديد من القضايا التي تهم المنطقة والعالم، بما يعكس الدور القيادي للمملكة ومكانتها وتأثيرها العالمي، وحرصها أيضاً على التعاون مع فرنسا في التصدي للتحديات المشتركة لأمن واستقرار المنطقة والعالم.

تعاون عسكري مستمر

وعلى الصعيد العسكري والدفاعي، فقد أسهم قطاع الصناعات الدفاعية الفرنسي في تلبية الاحتياجات الدفاعية للقوات المسلحة السعودية، ويشهد التعاون العسكري بين البلدين نموا وتطورا ملحوظين.

وتسعى المملكة لسد احتياجات العسكرية لا سيما في القوات البحرية بالاستفادة من المعدات والتجهيزات والأنظمة الدفاعية الفرنسية المتطورة.

علاقات اقتصادية متنامية

على وتيرة التنامي في الشأن السياسي والدفاعي، شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين تطورا مطردا ومستمرا، كانت نتائجه واضحة للعيان في الاتفاقات والعقود التي تم إبرامها بين البلدين، علاوة على زيادة حجم الاستثمارات بين المملكة وفرنسا.

ففي فبراير 2023 وقعت المملكة وفرنسا مذكرة تفاهم لوضع إطار للتعاون في قطاع الطاقة، كما يبحث البلدان التعاون في الاستخدامات السلميَّة للطاقة الذريّة والفرص المستقبلية في مختلف مجالات الطاقة، بما في ذلك الطاقة المتجددة، والهيدروجين النظيف، والربط الكهربائي.

كما أسست عملاق النفط السعودي شركة "أرامكو" "مركز أرامكو لأبحاث الوقود" في باريس، بهدف تطوير التقنيات التي تدعم استدامة الطلب على البترول، وتجعل أنواع الوقود القائمة على النفط من المقومات التنافسية لتقنيات النقل التي تسهم في خفض الانبعاثات الكربونية، وتحقيق فوائد اقتصادية للمستخدم النهائي.

وتوجد العديد من المشاريع السعودية الفرنسية المشتركة، من أبرزها مصفاة ساتورب المشتركة بين شركتي أرامكو السعودية وتوتال إنرجي الفرنسية، وشركة (EDF) الفرنسية للطاقة المتجددة التي تترأس ائتلاف تطوير مشروع مزرعة الرياح في محافظة دومة الجندل، وشراكات أخرى في المجالات اللوجستية، منها شركة مترو العاصمة (كامكو JV) بمدينة الرياض.

ومؤخرا، وقع طيران "ناس" السعودية على اتفاقية ضخمة مع شركة إيرباص لشراء 120 طائرة من طراز A320neo""، وذلك بقيمة إجمالية قدرها 32 مليار ريال، وتضمنت الصفقة شراء 80 طائرة تستكمل (ناس) استلامها في العام 2026، مع أحقيتها في شراء 40 طائرة إضافية في فترة لاحقة.

أيضا فقد زاد عدد الشركات الفرنسية المستثمرة في المملكة من 259 شركة في العام 2019 إلى 336 شركة في العام 2022، وعمل البلدان على تعزيز العلاقات الاستثمارية الثنائية وبناء شراكات طويلة الأمد بين القطاع الخاص في البلدين، عبر توقيع مذكرة بين برنامج "ريادة الشركات الوطنية" في وزارة الاستثمار السعودية وبرنامج (بزنس فرانس).

كما بلغ حجم التبادل التجاري بين المملكة وفرنسا في العام 2022 ما قيمته نحو 12 مليار دولار، ويميل الميزان التجاري لصالح المملكة بمقدار 3.1 مليار دولار، حيث صدرت المملكة إلى فرنسا بقيمة 7.5 مليار دولار، منها 384 مليون دولار صادرات غير نفطية، واستوردت المملكة من فرنسا بقيمة 4.4 مليار دولار.

وتعمل الشركات الفرنسية في قطاعات النقل، والطيران، والنفط، وإنتاج الطاقة، والطاقات المتجددة، والمياه، وتدوير النفايات، والبناء، وتركز حالياً على عدد من القطاعات في المملكة، مثل: الاقتصاد الرقمي، والذكاء الاصطناعي، والثقافة، والضيافة، والتقنيات الزراعية، والتقنية الحيوية، والصحة.

توافق بالعمل الدولي المشترك

وعلى صعيد العملي الدولي المشترك، فقد عززت المملكة الجهود الدولية في العمل لإنجاح اتفاقية باريس للمناخ 2015، من خلال إعلان ولي العهد، مبادرتي "السعودية الخضراء"، و "الشرق الأوسط الأخضر" في 2021.

وتتعاون المملكة مع فرنسا كذلك في جهود محاربة الإرهاب بجميع أشكاله وصوره ودوافعه، ويعكس ذلك مساهمة المملكة بتقديم 100 مليون دولار في إطار (تحالف الساحل) للتصدي للإرهاب.

أيضا، تقدر المملكة تأييد فرنسا لترشح مدينة الرياض لاستضافة المعرض الدولي إكسبو 2030، ومن المقرر أن يشارك "بن سلمان" في حفل استقبال المملكة الرسمي لترشح الرياض لاستضافة إكسبو المقرر عقده في العاصمة الفرنسية باريس يوم 19 من الشهر الجاري.

وفي سياق غير بعيد، تربط بين المملكة وفرنسا اتفاقية تعاون في مجال الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي، وتدعم الاتفاقية جهود المملكة لتعزيز دورها في عالم الفضاء وصناعة تقنياته، من خلال بناء العلاقات والشراكات مع الدول والوكالات والهيئات الدولية الفاعلة في صناعة الفضاء، والاستفادة من خبراتها في هذا المجال، لبناء وتطوير القدرات البشرية المؤهلة، ونقل تقنيتها وتطويرها محلياً.

تعاون ثقافي وعلمي

كما تعد فرنسا ضمن أبرز دول الابتعاث منذ إطلاق أول نسخة لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، وتشرف وزارة التعليم حالياً على عدد 1055 مبتعثا في فرنسا سواءً مبتعثي البرنامج أو مبتعثي الجهات الحكومية، ويشمل ذلك التدريب الطبي الذي يتم من خلال اتفاقية موقعة في أكتوبر 2011، ويخصص بموجبها 70 مقعداً سنوياً لتدريب الأطباء السعوديين في برنامج الطبيب المقيم في فرنسا.

وعلى صعيد ذي صلة، فقد شهدت العلاقات الثقافية التاريخية بين البلدين على مدى العقود الستة الماضية تعاوناً مستمراً في مختلف المجالات، ويسعى البلدان إلى تعزيز التعاون في هذه المجالات لا سيما تطوير المتاحف، والصناعة السينمائية، والتراث، وهناك تعاون للتطوير المستدام لمنطقة العلا، تسهم من خلاله فرنسا بدعم التطوير الثقافي والسياحي لهذه المنطقة الزاخرة بالإمكانيات.

أضف تعليقك
paper icon
أهم المباريات